ها هو العام الثالث يكاد ينقضي على الانقلاب او الحسم او الوكسة كما أحب أن أسميها ، وها نحن نعد الأوجاع من نكبة إلى نكسة لنقع في ورطة ( أسر شاليط ) ومن ثم وكسة، ولكن ورغم كل شيء فهناك دائما وجه مشرق للأشياء وحتى للمحن، فرغم دموية الوكسة، وبالرغم من أنها تمثل خطر كبير على مشروعنا الوطني، إلا أن لها من الفوائد ما جعلني استحضر الحكمة التي تقول رب ضارة نافعة.
فالوكسة هي التي أنقذت السلطة من الانهيار بعد أن فقدت الاعتراف بها من قبل المجتمع الدولي بعد فوز كتلة الإصلاح والتغيير ، وبعد أن بلغ الحصار أشدة بعد أسر شاليط( الورطة ) جاء الانقسام ومن بعدة تشكيل حكومة الطوارئ التي اعترف بها المجتمع الدولي لينقذ الضفة الغربية والسلطة الفلسطينية من نفس المصير الذي آلت إلية غزة والحكومة المقالة فيها.
والوكسة سبب ودون قصد في التخفيف من مشكلة البطالة بين خريجين الجامعات فبعد ان أصبح لدينا حكومتان ومجلسان تشريعيتان وسلطتان قضائيتان فتح ذلك الباب لكثير من الخريجين ليجدوا في سلطة الأمر الواقع وظيفة وان كانت ديمومتها أمر مشكوك فيه، هذا بالإضافة إلى أنها كانت السبب في حل أزمة الرواتب .
والوكسة هي التي أشعلت التنافس بين الحكومتين في رام الله وغزة ، وهذا بطبيعة الحال انعكس على الأمن والخدمات المقدمة من كل من الحكومتين فكل منهما تسعى لإثبات أنها الأفضل أمام الناخب الفلسطيني.
والوكسة كانت سبب في إنقاذ فتح بعد أن فعل التفرق والفساد فعلته فيها، فعندما وجدت فتح نفسها أمام منافس قوي ووجد الجميع فيها أنفسهم على ظهر نفس السفينة ، كان الاتحاد هو الملاذ الباقي للقدرة على الصمود ومواجهه التحديات ، وأصبح الإصلاح ضرورة لا غنى عنها فكان المؤتمر السادس الذي أنتج فتح أقوى وأكثر توحد.
والوكسة هي التي دعمت موقف رئيس السلطة ، فعندما امسك بزمام الحكم واجه كثير من المتناقضات أوجدتها كثرة مراكز القوى في فتح ومؤسسات السلطة في حينه ، ورغبة هذه المراكز في التحكم في القرار السياسي الفلسطيني، وجاء الانقلاب مفرغاً هذه المراكز من مضمونها ومبيناً مدى هشاشتها، وبذلك أصبح رئيس السلطة هو مركز القوة الأساسي داخل فتح والسلطة الفلسطينية، ولعل أفضل إثبات لذلك استمرار حكومة رئيس الوزراء فياض رغم المعارضة الكبيرة لها من قبل أغلب مراكز القوة داخل فتح، وتوج ذلك المؤتمر السادس الذي أستطاع أخيرا فصل السلطة عن فتح.
والوكسة هي الوحيدة التي استطاعت كشف الزيف الذي أحاط بالحركة الربانية التي طالما أدعت المقاومة كمنهج، و التي دأبت على اتهام السلطة الفلسطينية بالعمالة للمحتل وقمع المقاومة والفساد بكل أشكاله ، أصبحت وبعد الوقوف في موقع المسؤولية تقمع المقاومة باسم المصلحة الوطنية وتمارس الفساد والمحسوبية باسم الأولوية للمقاومين، وتصب أفعالها في مصلحة إسرائيل وتدعي العداء لها. أما عن مقولات مثل عدلت فأمنت فنمت يا عمر وقنديل عمر بن عبد العزيز الذي لا يوقد إلا لمتابعه شؤون الدولة ونخوة المعتصم فاختفت بعد أن لازمت المنابر لثلاث عشر عاما، فمثل هذه المقولات أصبحت لا تناسب أصحاب السيارات الفارهه والمواكب الفخمة والحراسة المشددة ولا أصحاب الموقف المتخاذل في مواجهه تهويد القدس، وبذلك أصبح وقف الحديث عن هذه الشخصيات كما هو الحال في وقف أطلاق الصواريخ مصلحة وطنية عليا!!! أما باقي الحركات على الساحة الغزيه - والتي كانت وما زالت لا تترك للسلطة صغيرة ولا كبيرة في الانتقاد لسلطة رام الله- تدخل في صمت عميق تجاه كل ما يحدث في غزه بعضها خوفا والبعض الأخر طمعا، وكأن طاعة ولي الأمر فرضت فقط بعد حزيران 2007 ، فبعد أن كانت المقاومة خط احمر أصبحت الهدنة هي الخط الأحمر والمتجاوز عميل لرام الله ومن خلفها إسرائيل حتى ولو كان من حركة
أسلامية محسوبة على القاعدة!!!! فأدركت حينها أن المقاومة لديهم هي مجرد ورقة للعب في الساحة السياسية الفلسطينية وليست منهج ، والصواريخ كانت مجرد وسيلة لا لتدمير إسرائيل وإنما لإحراج السلطة سياسيا وتبيان عدم قدرتها على السيطرة على الساحة الفلسطينية، والعمليات الاستشهادية لم تكن بدافع تحقيق توازن الرعب وإنما لتعطيل أي تقدم في المفاوضات وكسب شعبية في الداخل والخارج ، واتهام السلطة وفتح بالموالاة لإسرائيل على المنابر وتشويه رموزها لم يكن بدافع الخوف على المصالح الوطنية، وإنما كان مجرد خطوة تكتيكية لإضعاف الجبهة الداخلية لفتح لتحقيق الهدف الاستراتيجي وهو الحصول على السلطة.
وبذلك يتضح الوجه المشرق للوكسة رغم دمويتها وخدمتها الكبيرة للعدو الصهيوني، فهي كانت طوق النجاة للضفة الغربية والسلطة الفلسطينية، والبوتقة التي جمعت شتات فتح ، وهي التي أنضجت الوعي لدينا فصرنا أقدر على رؤية الزيف، وخلقت تنافس بين الحكومتين لإرضاء الشعب، فالوكسة ولا شك انقلاب مدمر، ولكنها أيضا انقلاب له فوائد!!!
التعليقات (0)