فهمي هويدي يكتب : وجه الكويت الذى خُدش
ذلك آخر ما يتوقعه المرء من الكويت. فالذين يعرفون ذلك البلد لا يخطر على بالهم أن يضيق صدره ببعض المصريين الذين يعيشون على أرضه حين يعقدون اجتماعا فى مكان عام (نادى السالمية) يلتقون فيه على تأييد الدكتور محمد البرادعى، ويناقشون إمكانية إقامة فرع للجمعية الوطنية للتغيير بالكويت، التى توجد بها جالية مصرية كبيرة، تقدر بحوالى نصف مليون شخص. لكن ذلك ما حدث بالفعل، حيث تم القبض على المجموعة التى رتبت اللقاء، وجرى إبعادهم إلى القاهرة. واحتل الخبر موقعه على الصفحات الأولى من الصحف التى صدرت أمس، مذيلا بتعليقات وأصداء عدة، تحدثت عن مظاهرة أمام السفارة الكويتية بالقاهرة وعن إمكانية اللجوء إلى إحدى المنظمات الحقوقية الدولية للطعن فى قرار الترحيل والمطالبة بالحفاظ على حقوق المرحلين.
لا أعرف ظروف الذين تم ترحيلهم، لكن لا أشك فى أنهم بدورهم فوجئوا بالقرار ولم يتوقعوه. كما أننى لا أشك فى أن ذلك سبب لهم أضرارا جسيمة على المستوى الإنسانى والوظيفى. لكنى مع ذلك أزعم أن الضرر الذى أصاب صورة وسمعة الكويت أفدح من ذلك الذى أصاب المجموعة التى تم ترحيلها. أقول ذلك لأننى أعرف الكويت وأتابع أجواءها التى لا توحى بأن صدرها يمكن أن يضيق عن احتمال ما فعلته المجموعة المصرية التى تضامنت مع البرادعى. صحيح أن خبرتى الحقيقية بالكويت ترجع إلى نحو ثلاثة عقود مضت، وأدرك أن الدنيا تغيرت فى العالم العربى والعالم أجمع خلال تلك الفترة، لكننى لا أظن أن انقلابا حدث هناك على كل تقاليد البلد وأعرافها السياسية. إذ لاتزال أجواء الحرية النسبية متوافرة فى الكويت، تعبر عنها صحافة قوية وحراك سياسى مشهود. كما أنها لاتزال تشهد انتخابات ديمقراطية، تمثل نموذجا نادرا، ليس فى منطقة الخليج فحسب، وإنما أيضا فى العالم العربى كله. بل أزعم أن المناقشات والاستجوابات التى تحدث فى مجلس الأمة أصبحت تتسم بجرأة عما كانت عليه من قبل، حتى طالت أعضاء الأسرة الحاكمة ذاتها.
لئن قيل إن حركة التغيير التى «اتهم» المرحلون بالانخراط فيها لا شرعية لها فى مصر، الأمر الذى قد يسبب حرجا للكويت، فإن هذه الحجة مردودة بأن الإخوان المسلمين كان لهم طوال نصف القرن الماضى حضورهم هناك، وكان لهم تنظيمهم الذى يقوده مصريون، ومع ذلك احتملهم النظام الكويتى ولم يتعرض لهم حتى هذه اللحظة.
إننى لا أستبعد أن يكون ما تم جاء استجابة لضغط مارسته السفارة المصرية هناك، لكى يثبت المسئولون الأمنيون فيها لقياداتهم فى القاهرة أنهم مفتوحو الأعين، ويقومون بـ«الواجب» على النحو المطلوب. وإذا صح ذلك، فقد كان بوسع السلطات المعنية فى الكويت أن توجه رسالة هادئة إلى المجموعة المصرية تطلب من عناصرها عدم ممارسة أنشطة سياسية تسبب لها حرجا مع السلطات المصرية، دون أن تلجأ إلى أسلوب الطرد وقطع الأرزاق.
أيا كان الأمر فما جرى يسلط الضوء على تنامى الحس الأمنى لدى دول الخليج (أبوظبى أبعدت فى العام الماضى عشرات من اللبنانيين الشيعة). وثمة لغط يدور الآن فى أوساط المثقفين حول إرهاصات الأساليب البوليسية غير المألوفة فى دول الخليج. فهناك حديث عن اختفاء أشخاص والتوسع فى الاعتقالات، ومنع بعض المثقفين من الكتابة والظهور فى وسائل الإعلام. فضلا عن المسارعة إلى ترحيل الوافدين لأتفه الأسباب. وهناك كلام عن حضور قوى لأجهزة الأمن المصرية فى تلك الدول، التى لا تراقب فحسب، ولكن لها دورها أيضا فى إصدار تصاريح إقامة المصريين هناك. وقد سمعت ملاحظة لأحد المسئولين الخليجيين انتقدت تأخر أجهزة الأمن المصرية فى إجازة تلك التصاريح، الأمر الذى يسبب حرجا للجهات الخليجية أمام المتعاملين المصريين الذين لا يعرفون أن بيروقراطية بلادهم تلاحقهم حتى فى الدول التى يهاجرون إليها.
إننى أرجو أن تثبت التجربة خطأ التحليل الذى ذهبت إليه. وأتمنى أن تراجع السلطة الكويتية قرارها بشأن إبعاد الناشطين المصريين. لتبقى صورة الكويت التى نعرفها حاضرة فى الأذهان، بغير ظلال أو خدوش، حيث أزعم أن «الأصل» فى الكويت أفضل بكثير من الصورة التى ظهرت لها فى الصحف المصرية أمس
المصدر : الشروق
التعليقات (0)