بقلم- عماد فواز
صادفت شائعات مثارة بقوة على شبكة “الفيس بوك” حول تعيين شقيقة الكاتب الصحفي والإعلامي احمد المسلماني مترجمة بمؤسسة الرئاسة وانها هى التي ترجمت لقاء الرئاسة بمندوبي الاتحاد الأوروبي وانها – شقيقة المسلمانى- هي التي تعمدت تحريف الترجمة.. كما تم تعيين ابنة الرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور أيضا بمؤسسة الرئاسة!.. وفى نهاية الشائعة جملة تشير الى مصدر الشائعة والهدف من اطلاقها.. تقول ” ولما ابن الرئيس الشرعي تقدم لوظيفة فى مصر للطيران بـ 900 جنيه قامت الدنيا ماقعدتش”!.
منذ الوهلة الأولى أيقنت ان ما قرأته مجرد كلام فارغ، لكنى بعد ساعات قليلة وجدته يقين في حديث كل الناس تقريبا على الفيس بوك، وانطلقت الحروب الكلامية والملاسنات بين مؤيدين ومعارضين، وبعد يومين من السجال والجدال والنفي والتأكيد، أصدرت مؤسسة الرئاسة بيان كذبت فيه الشائعة جملة وتفصيلا، وأكدت ان المسلماني ليس له شقيقة بهذا الاسم أصلا وكذلك الرئيس المؤقت!.
هنا تأملت سنوات مضت عشتها وكنت شاهد عيان عليها، أيام الحزب الوطني وتفنن لجنته الاليكترونية في اغتيال الشخصيات المعارضة معنويا بالشائعات، وكذلك مباحث امن الدولة ومدى مهارتها خلال عقود في تدمير اى شخصية محبوبة لدى الرأي العام بواسطة الشائعات، وكذلك تاريخ جماعة الإخوان المسلمين فى إتقان هذا الفن من خلال لجنة اليكترونية ضخمة تم إعدادها والإنفاق عليها ببذخ خلال سنوات طويلة مضت.
ولأن هذه الشائعة تحديدا مصدرها طبعا هو جماعة الإخوان المسلمين والتيار الديني – بدليل الجملة الاخيرة من الشائعة- .. انصب تركيزي فى التأمل على تاريخ جماعة الإخوان المسلمين والتيارات المتأسلمة فى إتقان هذا الفن، وهو فن اغتيال الآخرين او المعارضين بالشائعات، وكيف أنهم يجيدون استغلال جهل رواد الفيس بوك وسطحيتهم فى ترويج الشائعات حول المعارضين لحرقهم وتدمير سمعتهم، وتذكرت وقتها شهادة الكاتب الدكتور فرج فوده – صاحب التوجه العلماني كما يحلوا لأنصار الإخوان تسمته- ، التى صاغها فى كتاب “الإرهاب” عام 1987م، حيث قال بالنص تحت عنوان “للإرهاب أنياب ومخالب”.. الاتي:
للإرهاب أنياب ومخالب، تتمثل في إطلاق الشائعات الكاذبة المدروسة، والتي تمثل – إذا استعرنا أسلوب حرب العصابات ستار الدخان الذي يحمي الإرهابيين، سواء في إقدامهم على الفعل، أو في هروبهم بعده، بأقل قدر من الخسائر، وبأكبر قدر من تجميد وتحييد الاستنكار الشعبي، ولست أدري تحت أي مبرر ديني تبرر الجماعات الإسلامية هذا الأسلوب، ولست أدري أيضاً كيف لم ينتبه أحد إلى أنها أصبحت سمة أساسية للعمليات الإرهابية في السنوات الأخيرة، وكيف لم تصل درجة التنبه إلى دراسة كيفية مواجهة هذه الشائعات، إعلامياً وسياسياً وأمنياً، لأنها في النهاية لا تقل خطراً عن البندقية في كل الأحيان، وترتبط بها ارتباطاً وثيقاً في أغلب الأحيان، ولعل أوضح مثال على ذلك، ما أشيع عقب محاولة اغتيال أبو باشا، من أنه رمى بالمصحف على الأرض، ثم داسه بالأقدام، والغريب أن هذه الشائعة قد لاقت صدى واستجابة ليس فقط بين البسطاء، بل أيضاً بين كثير من أصحاب المستوى التعليمي المرتفع، وربطوا بينها وبين الحادث فأراحوا أنفسهم من عناء التفسير والتبرير، وأعادوا ترديدها هم أنفسهم دون تفكير، وكانت النتيجة أن رد الفعل الشعبي في استنكار إرهاب الحادث كان أقل مما هو متوقع بكثير..
ولعلنا نتذكر شائعة مماثلة، وقت أن تحركت الجماعات الإسلامية ضد عميد طب القاهرة، وأشاعوا أنه نزع النقاب بيده من على وجه الطالبة، وهو ما نفته الطالبة نفسها، لكن ذلك لم يمنع الهياج والتهيج، والمظاهرات والاحتجاجات، وشغل الرأي العام شهوراً، وقريب منه ما حدث في نفس الكلية، في سنة سابقة، حيث أقيمت حفلة دعيت إليها فرقة المصريين بقيادة هاني شنودة، وأشاعت الجماعات أن هذه الفرقة متخصصة في تمزيق المصاحف إلى صفحات متناثرة، ينثرونها على أرض المسرح، بينما يرقصون (ويدبدبون) بأرجلهم فوقها خلال الغناء، يقودهم في ذلك رئيس الفرقة (شنودة) ووقتها اضطرت إدارة الكلية إلى إقامة الحفل تحت حراسة الأمن المركزي.
وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فلا بأس أن أسرد على القراء تجربة شخصية لي خلال الانتخابات الأخيرة، حيث رشحت نفسي في إحدى دوائر القاهرة، وفوجئت بمنشور يوزع منه عشرات الآلاف عقب صلاة الجمعة، ولا يحمل توقيعاً يشير إلى الجهة التي أصدرته، ويتصدره اسمي بصفتي مرشحاً عن الشيوعية (الملحدة) والعلمانية (الكافرة(، والإمبريالية (العالمية)، وربيبتها الصهيونية (النجسة)، وللقارئ أن يتعجب من تجمع هذه المتناقضات في شخصي المتواضع، لكن الأعجب هو ما تضمنه المنشور من عبارات نسبت إليّ، من نوع (سيدنا الحسين عديم الإحساس – الإسلام دين رجعي – أستاذي ماركس الشيوعي الملحد وداروين اليهودي المتعصب وفرويد اليهودي الكافر)، وحتى يوحي من كتبوا المنشور بأن ما كتبوه صحيح، ذكروا أمام كل عبارة رقم الصفحة ورقم السطر، مع الإشارة إلى اسم الكتاب بعبارة الكتاب الأول أو الكتاب الثاني… إلخ، دون ذكر اسم الكتاب، والفكرة أو الإشاعة، ذكية ومحسوبة، ففي مواجهة مائة ألف منشور، لن يوجد أكثر من كمائة كتاب لدى سكان الدائرة، وحتى من يملك الكتاب يمكن أن يتصور أن عبارات المنشور قد وردت في كتاب آخر، وللوهلة الأولى لم أعر هذه المنشورات انتباهاً، وكان تعليقي أنه ما دام لم يوقّع عليها أحد، فإن أحداً لن يصدقها، كما أن العبارات الواردة فيها شديدة البلاهة، بما يتجاوز بكثير إمكانية أن يصدقها أحد، وللأسف الشديد فإن تقديري كان مخطئاً، ولأسف أيضاً فوجئت في مساء نفس اليوم الذي وزع فيه أول منشور، بعودة المكلفين بتوزيع منشورات دعايتي الانتخابية، طالبين إعفاءهم من هذه المهمة، بسبب ما يواجهونه من هجوم من أبناء الدائرة بسبب المنشور المعادي، واضطررت إلى طبع منشورين للرد والتفنيد، ثم إلى طبع منشور ثالث أعلنت فيه عن جائزة قدرها خمسمائة جنيه لمن يجد حرفاً مما نشر في المنشور في أي كتاب لي، واضطررت إلى بيع الكتب بنصف الثمن، دون أن أنجح في استئصال تأثير الشائعة.
ولست في حاجة إلى توضيح الصلة بين حرب الشائعات والإرهاب، فهي صلة واضحة ووثيقة، فالشائعات هي المدخل الآمن لتنفيذ العملية الإرهابية، ولو قدر للمتطرفين أن ينشئوا مدرسة لإرهاب، لكان الدرس الأول فيها: “لا تتسرع في إطلاق الرصاص، وابدأ أولاً بإطلاق شائعة، وتعمد أن تكون فجة ومثيرة، وأسهل الشائعات أن تتهم الضحية بتمزيق المصحف أو بدهسه بالأقدام، أو بأنه شتم سيدنا الحسين، أو بأنه يتباهى بالكفر والإلحاد، أو بأنه شتم الدين الإسلامي، وسوف تنتشر الشائعة كالنار في الهشيم، وبعدها لك أن تقدم آمنا مطمئناً على إطلاق النار، وسوف تجد طريقك ممهداً، وإرهابك مؤيداً، فأنت أمام الرأي العام، مدافع عن الإسلام، ومنتقم ممن داس المصحف بالأقدام، أو شتم سيدنا الحسين، ولعل القارئ مندهش معي من قابلية الجمهور لتصديق هذه النوعية من الشائعات الفجة، ولعله يتساءل كما أتساءل عن السبب، وهل هو انتشار أمية القراءة والكتابة، أم انتشار الأمية الثقافية، أم التدريب الطويل لرأي العام على أسلوب التفكير الأحادي الاتجاه، الذي يقبل ما يلقى إليه بالتصديق ويرفض أن يمحص ما يعرض عليه، أو يخضعه للمنطق والتحليل، أنه تقصير أجهزة الإعلام في التصدي للشائعات بالتفنيد، وأنا أقصد هنا، الشائعات ذات التأثير العام، ومن أمثلتها حملة الشائعات التي سبقت جميع حوادث الفتنة الطائفية في مصر، مثل شائعة بيان البابا شنودة قبل حوادث الخانكة، وشائعة الدعوة لإنشاء دولة قبطية وقيام الأطباء الأقباط بتعقيم النساء المسلمات قبل حوادث الزاوية الحمراء، وشائعة الصلبان على ملابس المحجبات قبل حوادث الصعيد وكفر الشيخ الأخيرة.
وليس للقارئ أن يتصور أن جميع الشائعات الممهدة للإرهاب من نوع شتم الإسلام أو شتم سيدنا الحسين، فالمؤكد أن السنوات الأخيرة قد شهدت نموذجاً جديداً للشائعات، يتمثل في الشائعات المدروسة، التي تستهدف نتائج محددة، وتستند إلى دراسة نفسية لاتجاهات الرأي العام، وما يمكن أن يؤثر فيه، وتخلق الإطار النفسي الملائم لقبول عمليات إرهابية في مرحلة لاحقة، ومثل هذه الشائعات يصعب علي أن أتصور أنها من صنع خيال أفراد، والأقرب والأدق أن تكون من صنع أجهزة متمرسة، تضع الشائعة المركبة في عدد محدود من السطور، وتركها لكي تختمر بعد شهور، ثم يحدث المحظور، ولولا ضيق المجال لأثبتّ أن كل حادث إرهابي وقع في مصر، سبقته حملة الشائعات، وأن حوادث الإرهاب الموجهة ضد الأمن القومي المصري، قد تم التمهيد لها بهذا النوع من الشائعات المدروسة، وسوف أختار حادثتين من هذا النوع، وأضع في مواجهتهما هذا النوع من الشائعات، وليس مصادفة أن يكون مصدر هذه الشائعات واحداً، وهو باب أسبوعي في إحدى صحف المعارضة، ولنأخذ أولاً حادث إطلاق النار على بعض موظفي السفارة الأمريكية، والمعروف باسم حادث سيارة المعادي، ولنقرأ معاً الشائعة التي مهدت له، وسوف يكتشف القارئ أنها شائعة مصاغة بحنكة لا يتمتع بها الهواة، ولنقرأ معاً ما نشر في جريدة الشعب، في باب (أخبار ممنوعة) بتاريخ 10 مارس 1987 تحت عنوان (فراخ سامة؟) ونصه (تقول مجلة (النيوزويك) إن مصر ظلت لسنوات تأكل فراخاً لحمها ممتلئ بمادة سامة تعرف باسم (بي.سي.بي) لا يظهر أثرها إلا بعد عشر سنوات ولا تستطيع المعامل المصرية أن تكشفها، أحرقوا بعضها في أمريكا وصدروا الباقي إلى الدول النامية ومنها مصر؟).
حتى أريح القارئ من سوء الظن، أؤكد له في البداية أنني لا أدافع عن الولايات المتحدة، ولا يرد ذلك في خاطري أدباً، وقصارى ما أفعله أن أناقش خبراً قرأته مثل غيري بعيني، وحللته بعقلي، وناقشت مفرداته من خلال دراستي العلمية الطويلة، وسألت فيه بعض ذوي الشأن والعلم، فلم أجد أحداً يقبل أو يصدق أن هناك مادة سامة لا يظهر تأثيرها إلا بعد عشر سنوات، وقد ذكر لي الخبراء المتخصصون أن مثل هذه المادة مستحيلة، مثلها مثل الغول والعنقاء والخل الوفي، وأنهم جميعاً سمعوا عن الـ (بي.بي.سي) وهي الإذاعة البريطانية، ولكن أحداً منهم لم يسمع في حياته عن الـ (بي.سي.بي)، ولأن الحقائق العلمية هي الفيصل في القبول أو الرفض، فالخبر غير صحيح، وبمعنى آخر فإنه إشاعة وليس خبراً، وهنا ننتقل إلى مستوى آخر في المناقشة وهو مستوى التأمل في محتوى الإشاعة، وسوف نكتشف أنها إشاعة مركبة، وأن عناصرها مدروسة بذكاء شديد، فالمصدر مجلة لم يحدد تاريخ النشر فيها، حتى يستحيل الاستدلال على مصدر الخبر، والصياغة تحتوي على اسم علمي لمادة لا وجود لها، وذكر الاسم يوهم القارئ بعملية وموضوعية الخبر، وحروف الاسم تشتمل على حرفين (بي) حتى يحتار القارئ في أحدهما أو فيهما معاً، وهل هو أو هما (بي) خفيفة أم (بي) ثقيلة، ويتوه ذهنه أمام أربعة عشر احتمالاً وليس احتمالاً واحداً من حيث ترتيب الحروف، عدا مئات الاحتمالات حول تركيب الكلمات، والفترة الزمنية مقصودة لأن القارئ قد يتذكر ما تناوله من طعام خلال الأسبوع، وربما خلال شهر، أما أن يتذكر أن ما أكله منذ سنة فأمر عسير أو مستحيل، وتصبح الاستحالة مطلقة بالنسبة لتذكر ما تناوله من طعام منذ عشر سنوات بالتمام والكمال، وهنا يصبح احتمال إصابته هو أو أحد أفراد أسرته بالمادة السامة وارداً بل ربما مؤكداً، ويصبح منطقياً أن يعزو حالات المرض أو الوفاة في الأسرة إلى ذلك القاتل السام، الذي تسلل إلى الأسرة منذ عشرة أعوام، وهو الـ (بي.سي.بي) وإذا كان خيال القارئ خصباً ، أو روحه متشائمة، فسوف يضع يده على بطنه، وسوف يدور حول نفسه، خوفاً من الـ (بي.سي.بي)، ولن ينجيه من الشك إلا أن يلجأ إلى معامل التحليل للتيقن، بيد أن الشائعة لم تترك مجالاً لهذا الاحتمال، وسارعت بسد باب النجاة حيث ذكرت في الفقرة الأخيرة، أن معامل التحليل المصرية لا تكتشفها.
خطة للقتل إذن، وهو قتل لا يحدث نتيجة الخطأ، بل يحدث مع سبق الإصرار والترصد، حيث تذكر الشائعة أن الأمريكان أحرقوا الموجود من الدجاج في أمريكا، وصدروا الباقي إلى مصر، أي أنهم يعملون، ويرسلون، ويقصرون حمايتهم على مواطنيهم، بينما يوزعون الموت على الآخرين، ومنهم أو على رأسهم المصريون.
التعليقات (0)