أهمية المقالة ،
كتب على غلاف إحدى المجلات ذات الطبعات الدولية كُتب هكذا : أكثر من مائة مليون يقرؤون هذه المجلة في مائة و ثمانين بلداً في العالم و بخمسة عشر لغة ، فما سر هذا الإقبال الشديد على مطالعة المقالات المنوعة في الصحف و المجلات ، في كل أقطار العالم ؟
إن السر يكمن في طبيعة العصر و طبيعة حياة الإنسان في هذا العصر، في هذا العصر التي طغت فيه المادة على القيم ، و نما العقل على حساب القلب ، و تعقدت أنماط الحياة ، و كثرت متطلباتها ، و استهلك كسب الرزق معظم الوقت ، و اختصر كل شيء حتى اختصرت الشهور في ساعات ، و السنون في أيام ، و ظهرت الحاجة ملحة إلى مطالعات سريعة خفيفة ، فتطلع الناس إلى الصحف و المجلات و استهوتهم الكتيبات و الدوريات و كأن الناس أرادوا أن يختصروا البحر في قارورة و البستان في باقة و ضياء الشمس في بارقة و هزيم الرعد في أغرودة ، و بحثوا عن فن أدبي يدور معهم أينما داروا و يرافقهم حيثما ساروا ، و يكون معهم في حلهم و ترحالهم و أحزانهم و أفراحهم ، في لهوهم و جدهم ، يعبر عن نشاطهم العقلي و عن اضطرابهم النفسي ، لذلك اختصرت الكتب في مقالات فجاءت بلسماً شافياً لمرض العصر و دواء لضيق الوقت فكانت المقالة من أوسع الفنون الأدبية انتشاراً لأنها أقلها تعقيداً و أشدها وضوحاً و أكثرها استيعاباً لشتى الموضوعات و أيسرها مؤونة على الكاتب و أسهلها هضماً على القارئ ، هذه هي الأسباب التي جعلت من المقالة من أوسع الفنون الأدبية انتشاراً و من أكثرها تلبية لحاجات العصر و لحاجات الإنسان العصري الذي يعيشها
.و الآن ننتقل إلى العنصر الثالث من عناصر المقالة ،
و عناصر المقالة هي المادة و الأسلوب و الخطة .
فالمادة هي مجموعة الأفكار ـ الآن تعريفها ـ و الآراء و الحقائق و المعارف و النظريات و التأملات و التصورات و المشاهدات و التجارب و الأحاسيس و المشاعر و الخبرات التي تنطوي عليها المقالة ، تنوع التعريف بتنوع الموضوعات ، و هذا عن تعريف مادة المقالة فماذا عن شروطها ؟
الآن شروط المقالة : يجب أن تكون المادة واضحة لا لبس فيها و لا غموض ، و أن تكون بعيدة عن التناقض بين المقدمات و النتائج ، فيها من العمق ما يجتذب القارئ و فيها من التركيز ما لا يجعل من قراءتها هدراً للوقت ، و فيها وفاء بالغرض بحيث لا يصاب قارئها بخيبة أمل ، و أن يكون فيها من الطرافة و الجدة بحيث تبتعد عن الهزيل من الرأي، و الشائع من المعرفة ، و السوقي من الفكر ، و فيها من الإمتاع بحيث تكون مطالعتها ترويحاً للنفس أكثر مما تكون عبئاً عليها ، أن تكون المادة واضحة و صحيحة و عميقة و مركزة و وافية للغرض طريفة و ممتعة هذه شروط المادة في المقالة حتى تكون مادة قيمة يقبل عليها القارئ بنهم و شغف .
يقول أحد الكتاب إن مهمة الكاتب ليست في إضعاف النفوس بل في تحريك الرؤوس و كل كاتب لا يثير في الناس رأياً أو فكراً أو مغزى يدفعهم إلى التطور أو النهوض أو السمو على أنفسهم و لا يحرك فيهم غير المشاعر السطحية العابثة و لا يقر فيهم غير الاطمئنان الرخيص و لا يوحي إلا بالإحساس المبتذل و لا يمنحهم غير الراحة الفارغة و لا يغمرهم إلا في التسلية و الملذات السخيفة التي لا تكون فيهم شخصية و لا تثقف فيهم ذهناً و لا تربي فيهم رأياً لهو كاتب يقضي على نمو الشعب و تطور المجتمع هذه الكلمة لأحد الكتّاب يتحدث فيها عن مهمة الكاتب في مضمون المقالة أي في مادتها ، يجب أن تحرك الرؤوس لا أن تضعف النفوس ، يجب أن تثير المثل العليا لا الغرائز السفلى .
التعليقات (0)