مواضيع اليوم

فن التغيير والواقعية السياسية

غازي أبوكشك

2012-01-21 11:29:12

0

  فن التغيير والواقعية السياسية

 

 خالد معالي

تشكل المدرسة التي تعرف السياسة بأنها فن التغيير حالة من الجدل الواسع؛ كونها لا تؤمن ببقاء الحال على ما هو، حتى وان كانت الإمكانيات المتاحة للتغيير محدودة، أو معدومة بحسب منتقديها من مدرسة فن الممكن.

لا يتصادم أصحاب مدرسة فن التغيير مع التعريف العلمي للواقعية السياسية التي هدفها تحويل وتغيير الواقع الموجود إلى واقع آخر أفضل، باعتبار أنها عملية توفيق خلاقة ومعقدة بين متناقضات توظف المعرفة في فهم صحيح للواقع؛ بهدف التغيير لاحقا.

يقول مريدو مدرسة فن التغيير؛ أنهم يتعاطون مع الواقع بمرونة وموضوعية، بشكل خلاق يقوم على أسس علمية، وأنهم الأجدر على حمل لواء التغيير للأفضل؛ بفعل ما يحملونه من فكر سياسي متنور ومتطور، وابتعادهم وعدم انجرارهم وراء الخطاب العاطفي، وأنهم ينظرون للمدى البعيد، وليس للحظة العابرة في غفلة من الزمن.

من المعروف أن مدرسة فن التغيير لا تعترف بالواقع المفروض والحاصل، وتتعامل معه بأنه واقع سيئ ورديء ويجب تغييره، وذلك باستخدام الطرق والوسائل المناسبة لطبيعة وخصوصية المرحلة. وتطرح بان ما كان يصلح لمرحلة معينة من أدوات؛ ليس بالضرورة أن يصلح لمرحلة أخرى، كالمرحلة الحالية مثلا، فلكل مرحلة أدواتها المناسبة التي يتم اختيارها بعناية فائقة جدا.

سياسة التغيير أقرب للنظرية الثورية التي تريد الخروج من الوضع الحالي والواقع السياسي المعاش إلى واقع أفضل، وتستشهد بواقع وجود قوة عالمية، وهي أمريكا خرجت خاسرة من فيتنام والعراق، وقريبا من أفغانستان، واستطاعت تلك الشعوب رفض احتلال أمريكا برغم قوة جبروتها وبطشها، وتغيير واقعها السيئ من احتلال بغيض ومكروه؛ إلى واقع أفضل ودول مستقلة.

وترى هذه المدرسة انه من العسير تصور حالة من الحالات تتوجه فيها الأحداث بتأثيراتها، وتداعياتها، قوة معينة، أو جهةً واحدةً لا تحيد عنها، وإلا  لما عمر الكون، ولما رأينا شعبا يتحرر من الاحتلال وينال حريته، ولما رأينا غير الظلم عبر التاريخ، ولما استمرت الحياة على الأرض بسلاسة ورتابة، ولصارت هذه الحالة تشكل تحديا للسنن الكونية، والجدلية التاريخية، وهو ما لم يحصل على الإطلاق عبر التاريخ.

ويرون انه من خلال رفض الواقع السيئ؛ تتشكل عقيدة مقاومة واعية ،مؤمنة بحقها وبأهدافها، ولا تحيد عنها مهما لاقت من صعوبات وتضحيات، وهو ما كان في نيل الكثير من الشعوب حريتها عبر التاريخ من الاستعمار الذي كان يفوقها عدة وعتادا.

وبنظر المفكر السياسي البريطاني "جون لوك" فان الحرية تعني عدم الخضوع لسلطة تعسفية من قبل الآخرين- كما هو حاصل في فلسطين-  وهذا يقود بالتالي إلى أن جميع الناس  متساوون في الحرية، ويجب ألا يضر أحد، أحدا آخر، لا في حياته ولا صحته ولا حريته، وهو ما لا نجده لدى الغرب "المنافق" حيث أن  "حب الذات" كما يقول "لوك" يجعل من البشر متحيزين لمصالحهم ولمصالح أصدقائهم، ومن هنا نفهم لماذا الغرب يتحيز ويقف مع الاحتلال دائما، مع أن القوانين التي صاغها للعالم بيديه لا تجيز ذلك.

منطق التاريخ وصيرورته تشيران إلى أن الواقع السياسي السيئ من احتلال أو غيره؛ يمكن تغييره بطرق شتى وعديدة، إن أحسن صناع القرار التفاعل الايجابي مع السنن الكونية وفهموا بشكل عميق طبيعة الصراعات، وتعاملوا بحكمة وروية مع الأحداث بعيدا عن الارتجالية كما يحصل اليوم لدى الكثير من الساسة العاديين.

مدرسة فن التغيير على مدى التاريخ ترفض اعتبار البرامج السياسية، وخطط السيطرة التي تضعها دولة عظمى كأمريكا - وبشكل اقل دولة الاحتلال - مثلا أمراً لا مفر من تحققه، وقدرا محتوما على الشعوب المقهورة أن تستسلم له، ويشيرون بصوابية رؤيتهم لما حصل لامركيا من هزائم ونكسات باتت تقوض هيمنتها على العالم.

لا تعترف هذه المدرسة بتحقيق التوازن الاستراتيجي مع العدو، ولا بالوصول إلى جاهزية وتقنية الاحتلال العسكرية، وان كان مطلبها ذلك لاحقا؛ لان تجارب الأمم والشعوب السابقة كشفت أن القوي لا تدوم قوته، ولا بد من وجود ثغرات في قوته يمكن من خلالها الدخول، والانتصار لاحقا، حيث تعوض قلة الإمكانيات المادية؛ بعظم الإمكانيات الروحية والمعنوية، والإرادة الصلبة، والتحدي المتواصل.

لم يحصل عبر التاريخ أن كان أي احتلال ضعيفا؛ بل كان أكثر قوة وبطشا وإجراما، حتى يقدر أن يواصل احتلاله؛ ومع ذلك كان يخرج صاغرا ذليلا بعد فترة ما، بفعل مقاومة وبسالة من رفضوه وقاوموه، والشواهد على ذلك لا تعد ولا تحصى.

مدرسة فن التغيير تتسلح بالمنطق والحجج والبراهين، على صوابية وصدقية أسلوبها في التغيير. الأيام دول، والظالم في انتظار يوم عسير يحاسب فيه على ظلمه وغيه، طال الزمن أم قصر.

حديثا علا صوت أصحاب مدرسة فن التغيير لسرعة التحولات والتغييرات في بعض الدول العربية، وبنظرهم فان دل هذا على شيء فإنما يدل على فهم وتعاطٍ صحيحين من قبلهم مع الواقعية السياسية بشكلها العلمي الصحيح، بعكس المدارس الأخرى ومن بينها مدرسة فن الممكن التي لم تقدر على إعطاء إجابة واضحة وتفسير مقنع لما جرى.

ترد مدرسة فن التغيير على أن المواجهة مع الاحتلال تعتبر انتحارا سياسيا وتضحيات مجانية، بفعل اختلال موازين القوى؛ بان التناقض الرئيس هو مع الاحتلال، كونه طارئ دخيل، ولا بد من أن يزول كما زال من سبقوه. كون الاحتلال قويا لا يعني عدم مواجهته، وإلا لما تم عبر التاريخ مواجهة أي احتلال لكونه قويا، واختيار الطريقة المناسبة لمواجهته تعرف بديهيا من خلال طول التجربة في مقارعته، ومعرفة نقاط ضعفه.

مدرسة فن التغيير وروادها يرون أن المواجهة قادمة لا محالة، ولن  تنتهي إلا بتحقق النتيجة التاريخية المنطقية لمثل هذه الصراعات، وهي زوال الطارئ الظالم الدخيل، واستقرار الأصيل.

يرفض منظرو مدرسة فن التغيير استجداء الرأي العام العالمي، وعواصم دول القرار من أمريكا وأوروبا، ويعتبرون ذلك ما هو إلا إراقة لماء الوجه، وانتحار سياسي، لان لغة القوة والمصالح لدى الغرب وأمريكا، هي من تتكلم، ولها كلمة الفصل، وليس لغة العواطف والحقوق.

الضعيف حتى ولو كان صاحب حق، فله أن يذرف الدموع، والقوي له أن يتعطف بمسحها إن أراد تشفيا لا تعاطفا، فعالم اليوم بات على يد أمريكا والغرب، كالغابة القوي يأكل فيها الضعيف، ودولة الاحتلال تؤرق وتنهش ليس فلسطين فحسب؛ بل المنطقة برمتها، وان لم نحسن فن التغيير، وسرعة الوحدة والمصالحة، فستبقى لها الكلمة العليا. فهل نقبل ذلك ونجيزه؟ أم نرفضه ونغيره؟!

 

 

 

 

-- 

===========
Alsahl for press and media
 Palestine 
West Bank
0599- 231827
 



التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !