فن التغير
شريف هزاع شريف
ابتكر الغربيون اشرطة صوتية تساعدهم على تنظيم الحياة وتنسيق الذات ، انها فعلا معجزة القرن الماضي ، هذه الاشرطة تسمى (اشرطة اللاوعي ) فلكل شريط وظيفة محددة ، وله عنوان يكتب على الغلاف الخارجي كدليل للاستخدام ، كل ما على الفرد ان يفعله هو ان يضع سماعات الاذن ، والشريط في آلة التسجيل ؛ وينصت للموسيقى والصوت الذي يتخللها لرجل يدربك على تغيير الذات او اللاوعي للتخلص من العادات السيئة..الخ فمن خلال الشريط تترسخ القيم الايجابية ونقوم باذابة القيم والعادات السلبية التي افرزتها الحياة المادية او سوء فهمنا للواقع المادي ، وتعزيز الذات بما يلائم تطورها العقلي والروحي .
في عام 1996قمت باستعارت البوما صوتيا لتغيير اللاوعي من صديق لي ، كان قد تلقاه من اخيه الذي يعمل في بريطانيا كهدية نجاحه في المرحلة الاعدادية ، كان الالبوم يحتوي على ثمانية اشرطة معنونة ، ويحتوي صوت يرافق الموسيقى ذلك الصوت هو صوت المعلم او المدرب الذي يتقن عمله وتوصياته التي ينص عليها ، يعلمك هذا المدرب (الصبر ، فهم الذات والاخر ،جمال الحياة ، التركيز ، التأمل ..الخ) لكنني بعد اقل من اسبوع ارجعت تلك الاشرطة الى صديقي الذي كلفته ان يترجم ما يقوله المدرب عبر الشريط ، لانني اجهل لغة الاقوام الذين ابتكروا تلك الاشرطة !!!.
فكرت بعد سنوات طويلة لماذا رفضت تلك الاشرطة ؟ ولماذا نعتُ من يسمع تلك الاشرطة بـ ( المجنون ) !.
لم انتبه للتوزيع الموسيقي والمؤثرات الصوتية وقوة الكلمة وامتزاجها مع الموسيقى وما يمكن ان تفعله تلك الكلمة في الانسان ؟كنت ارفض ان يقول عني الاخر ان لي قيم سيئة او عادات بالية ، وانني بحاجة الى التغير وبحاجة الى القيم الايجابية ، وانني واهم كثيرا حين اعتقد انني حر ! الحقيقة انني عبد لعاداتي السيئة ولعقلي المريض !!!.
كانت لي ردة فعل سلبية كبيرة اتجاه هذه الاشرطة ، فالامر ببساطة ، انني لم اكن اعرف اهمية التغير في حياتي ، لانني شرقي وافكر بطريقة هزلية ، ارفض ان اتعلم بوسطة ( الاشرطة) وارفض ان يعلمني الاخر ، لانني اذكى منه وعبقري وسوبرمان ، وانني نعت ذلك المدرب من خلف اسواري الحضارية – التي فقدتها – انه ابله او دجال ، لقد كنت افكر بطريقة بطولية حيث اعتقد انني المخلص والمهدي المنتظر ، وانني سليل الحضارات السومرية والبابلية والاشورية ، لقد كنت ابتعد عن الموضوع كلما حاولت الاقتراب منه ، كنت لا اواجه الحقيقة بل اهرب منها ، لان رفضي للتغيير ينبع من عبودية العادات السيئة لذاتي وشخصيتي ، فانا احب عاداتي السيئة ، وارفض ان يصفها لي الاخر انها اسوء العادات الانسانية... الخ .
لقد تعلمنا من رفضنا للتغير اننا نجيد فن (الثرثرة) ! فنحن اكثر البشر ثرثرة وفراغا وخواء عقليا ، لاننا نتكلم كثير ونقدم القليل ، لم نتعلم بعد فن الانصات واهميته في التغير والحياة ، والوجود لاننا نرفض التغير ونعتقد ان التغير يأتينا من السماء فقط.
تقول آلن سانت جيمس في كتابها الشهير (Inner Simplicity) انها سمعت خلال تدربها تلك الاشرطة في منزلها وفي عملها وخلال اسبوع ظهرت نتائج تلك الاشرطة فأول شيء تغير عندها هو محيطها العائلي ، وعرفت اهمية تلك الاشرطة التي تقول عنها انها وسيلة للنمو والتغير فهي انجزت ثلاثة كتب لانها استمعت الى شريط واحد اسمه (توقف عن التسويف).
قدرة (sound therapy ) العلاجية ليست هينة ، اننا نجهلها تماما لاننا بعيدون عن هذه التقنية ، كوننا لا نعرف بعد فن الانصات للطبيعة والعالم والاشياء التي تحيطنا ، كوننا نجهل التوجيه الحقيقي في العالم والحياة ، الصوت وسيلة يمكننا من خلالها او بها ان نعالج عاداتنا السيئة ، وان نرسخ العادات الايجابية التي نريد مثلما هو عندنا اليوم وسيلة للثرثرة او التجديف الاجتماعي والسياسي وحتى الديني .
كان لابد ان يكون هناك استراتيجيات للتغيير والتطور الروحي الذي نريد ، يمكننا ان نبدأ بالاحلام التي نشاهدها يوميا ، ومن خلالها يمكننا التواصل مع الشعور واللاوعي ليكون تغييرنا للذات والتطوير الروحي والعقلي تطويرا وتغييرا حقيقيا وداخليا وليس تغيرا شكليا من الخارج .
اننا نحلم كل ساعتين من النوم ما مقداره عشرون دقيقة وننهض صباحا ولا نتذكر أي شيء لاننا مشغولون بشيء نعتقد انه مهم في حين ان احلامنا اهم لانها نحن بصورة حقيقية بلا رتوش وزيادات وكذب اجتماعي ، علينا ان نراقب احلامنا لانها تنبؤنا بالكثير كما انها تعلمنا بسلوكنا وعاداتنا ، يجب ان نملك ادوات للرصد قبل ان نملك ادواتا للتغير فقرأتنا للاحلام تعلمنا اننا بحاجة الى الكثير ، واننا بحاجة لتغير الكثير من الافكار والسلوكيات والطباع في حياتنا ، ويجب ان نغير نظرتنا على الاخرين الذين يحيطوننا في الحياة...
يمكننا ان نبدأ من المحيط العائلي ، والسكن الصغير ، يجب ان تكون حياتنا هنيئة بدرجة مقبولة لاننا لا نعيش في غابة ، وان اولادنا يجب ان يتم تربيتهم على انهم ذوات تستحق منا الاحترام والتقدير وليست ادوات للعبودية وانانا القبيحة التي تظهر بين الحين والاخر دون رادع .
في سنوات مضت تحدث صديق لي من كندا عبر الهاتف انه تقدم للعمل في شركة ما ، سئل في الاختبار هل يعرف استخدام الحاسوب ( الكومبيوتر) ؟ قال لهم : انه يجيد استخدام نظام (Word / Exel/ Access / Power Point/ ) فباد احد الجالسين بالقول: هذا يعني انك غير متخصص في شيء ،انك اضعت سنين حياتك في معرفة كل شيء ، وانت لاتعرف انك تجهل كل شيء؟...
المشكلة الكبيرة اننا نعتقد اننا نفهم في كل شيء وكاننا في حالة حرب مع العالم والاشياء ، ورغم اننا اصحاب مثل ( سبعة صنائع والبخت ضائع) الا اننا ننسى اهميته ودوره في الحياة ، ليس الموضوع موضوعا كميا للمعرفة بل فن واهمية وزمن استخدام المعرفة فليس المهم مقدار ما نعرف ، بل المهم هو قدرتنا على التغير من المعلومات التي نعرف ، يجب ان يكون العلم عندنا وسيلة وليست غاية حتى لا يتحول الى حجاب سميك يفصلنا عن الحقيقة الكبرى او حقيقتنا في الوجود ، لقد قال النفري قبل قرون طويلة ان " العلم حجاب والجهل حجاب" أي ان العلم يساوي الجهل احيانا او انه يصبح اخطر من الجهل الذي نحاربه منذ صغرنا ،وتلك الطامة الكبرى .
التعليقات (0)