ليس غريبا ان نتعاطف مع امال وتطلعات فريق مكافح كمنتخب غانا لكرة القدم..او ان نحس بحرارة دموع لاعبيه تحرق وجناتنا وهم يجرجرون خيباتهم والامهم على اديم ملاعب جنوب افريقيا ,مودعين احلامهم في بلوغ عتبة اخرى من عتبات المجد..وليس من المستغرب ايضا تعاطفنا مع فرق اليابان او كوريا الجنوبية وغيرها من الفرق الناهضة-كروياً-..ولكن الغريب والمثير للكثير من علامات الدهشة هو ان تعاطفنا الاعلامي-واجرؤ ان اقول الشعبي- كان اقل بصورة لا تخطئها العين ولا يمكن نكرانها مع نتائج المنتخب العربي الجزائري..ان لم يكن يحتمل نفسا متشفيا شامتا..او لا اباليا تحت اخف الظروف..
اكاد اجزم ان لا احد من مجايلينا يقوى على نسيان الفرحة التي غمرت مدننا العراقية وهي تتابع انتصار المنتخب الجزائري على المانيا الغربية عام 1982 في واحدة من اكبر ساعات العز الكروية العربية..ولكن نفس تلك الرايات لم تستطيع ان تثير فينا تلك الرجفة في القلب التي تتناغم مع وقع اقدام اللاعبين ولا تلك الغصة التي تصيبنا مع انطلاق صافرة النهاية غير المتمناة..بل ولم تقوى حتى على استثارة الاصطفاف المتعاطف الغزيري مع الفرق الفتية وهي تقارع الاقوى والاكبر والاكثر تمرسا وتمكنا وهيبة ومقدرة..
قد يكون للمبالغة العربية الروتينية في اظهار ان الفريق سيلعب "بدم الشعب المقهور من السياسات الأمريكية، في شتى أصقاع العالم" وانه سيمثل" المشجعين أحرار العالم والمقهورون في قارة آسيا وأمريكا الجنوبية، وكل رافض للغطرسة الأمريكية" واقحام الهواية المحببة للاعلام الرسمي العربي في تثوير وتصعيد ما لا يحتمله المقام..والتاثير السئ للحملة المتطاولة من قبل الاعلام المصري تجاه الفريق..مضافا الى التفرنج المبالغ به للاعبي منتخب الجزائر وتعاملهم الخشن المتشنج العدائي مع الخصوم دورا في تحجيم التعاطف الشعبي العربي معه..
ولكننا لن نحيد كثيرا عن الصواب اذا نظرنا الى المسألة من خلال الاسقاط النفسي الجمعي لحالة الرفض الشعبي الميئوس منه لمنظومة الحكم العربي على فكرة ومفهوم وتعابير وشعارات العروبة والوحدة العربية التي لطالما تمترس بها السلطان مبرراً متحججاً قامعاً ومقصياً لامال وتطلعات شعبه نحو التحرر والانعتاق والتنمية..
وليس من الحكمة التغافل عن الجهد الهائل الذي يبذل في نقل التقاطعات العربية المزمنة على مستوى الزعماء المأزومين بفصام التموضع الطويل في الكرسي المحاط بالريبة وافتقاد الكفاءة والقابلية الى صفوف الجماهير المحكومة المستضعفة المستسلمة لقناعة انها لا يمكن ان تحقق نصرا الا في المعارك التي يريد لها السلطان ان تكون..
ان الانتحال الزائف والمتقادم والصدئ لشعارات القومية والتضامن العربي..وتبنيها من قبل انظمة فاسدة قامعة متصادمة مع امال وتطلعات شعوبها..
وتقاطع هذه الانظمة ذاتها –وبلا ادنى درجة من الحياء-مع نفس هذه المفاهيم..
ومبالغتها المرتابة المرضية الاقرب الى الهوس تجاه المبادرات الشعبية التي يمكن لها ان تهدد ارثها السلطوي..
والتعويق الانتقائي المستمر لحرية الحركة والعمل والتنقل ما بين البلدان العربية..
والحملات الاعلامية الروتينية الضرائرية مابين الابواق المأجورة لهذا النظام او ذاك..
كل هذه المعطيات وغيرها يبدو انها اتت اكلها اخيرا..وانتجت نفورا متعاظما متغلغلا في الضمير الشعبي تجاه كل ما يرتبط بهذه الشعارات بصلة..
ولكننا من جانب آخر..لا يمكن ان نصف كل هذا التقبل المنوم المحبط لمعارك الزعامات العربية والذي توحلت فيه اقدام العباد الا بالمأساة انطلاقا من كونه يسقط مباشرة في خدمة الانظمة المتشبثة بالحكم في البلاد العربية..ويؤثر على الحاجة المصيرية لشعوب المنطقة الى التلاقي الايجابي المثمر المتفاعل الهادف الى تكبيل يد الحكم وتحييد قدراته في التحكم بمصائر ومقدرات شعبه..
ولا يمكننا اعتبار سوق مجتمعات كاملة –الا من رحم ربي-في متاهات من الصراخ والزعيق العابث لمجرد اهتزاز الشبكة الخطأ..اوالخيبة التي تمثلها ضياع لقطة تلفزيونية ثمينة للحاكم-وربما نجله- وهو يوحي بدور خفي ما له في تحقيق النصر..الا في خانة التبني الشعبي السلبي للجانب الخطأ.. والتزييف المسرف لمشاعر السخط والغضب وسحبها عنوة بعيدا عن وجهتها الوحيدة المجدية والتي يرضى الله عنها والتاريخ..
من المؤسف ان نجد تمكن الخطاب الاعلامي التحريضي البيني للانظمة العربية من التاثير على نظرة الشعوب وتقييمها لبعضها وتخليق ثقافة الكراهية فيما بينها رغم تشاركها في دور الضحية لنفس هذه الجهات..
والاكثر اسفا ومدعاةً للقرف هو انجرار النخبة المثقفة الواعية المتحصلة على التاثير العالي والتقبل الشعبي الى نفق الترويج الدعائي التهريجي للسلطان بغض النظر عن مدى الضرر الذي يمكن ان تسببه للحراك التنويري الشعبي العربي..
لا ندعو الى اوهام..ولا ندعي باننا امة..ولا نقول انها كانت اصلا..ولا نستدعي التاريخ الذي زيف حد الجناية..ولكننا نبحث عن اخوة السياط ورفقة القمع والتسلط الذي نتشارك فيه مع جميع ابناء شعبنا المكلوم في البلدان الناطقة بالضاد..
ان الديكتاتورية والاستفراد بالحكم والاستبداد والظلم الذي يرزح تحت نيره اهلنا هو العنصر الذي يوحدنا ويجمع سواعدنا ويعلي همتنا ويرفع صوتنا عاليا تجاه الظلم الذي يحيق بالمواطن العربي المسحوق..
فلتكن كلماتنا خالصة لوجه الانسان..ولنجعل كلمة الحرية هي الاعلى..ولنتعاطف فيما بيننا..كشعوب مقهورة وجتمعات اسيرة..ولنستثمر مفردات تقاربنا في دعم العمل الشعبي المدني الحر..ولننصر اخانا مظلوما..ولنردعه ظالما..وبهذا نحقق وحدتنا الانسانية وتضامننا ونجمع الشتات المتناثر من مقومات وجودنا..وبهذا فقط نستطيع ان نتعاضد ضد الجلاد ونحرر شعوبنا من ربقة التخلف والانحطاط..
كخاتمة..وكاستذكار قد يكون له مكان هنا..قبل سنوات..لم يجد مدرب منتخب شباب النرويج لكرة القدم مبررا لخسارته المؤلمة امام الفريق العراقي المجهول في نهائيات كأس العالم للشباب عام1989 الا ان يعزو السبب الى ما اسماه التشجيع الجنوني للجالية العراقية الضخمة في المملكة..فلم يكن من السهل عليه ان يستوعب كيف ان الالاف من الجمهور السعودي بقوا طوال المباراة هاتفين مشجعين واقفين على الاقدام لمؤازرة فريق دولة اخرى..ولكن بعد كل هذه التقاطعات السياسية والاعلامية والاتهامات الامنية ما بين السعودية والعراق..هل من الممكن ان نتخيل حصول هذا الحدث في زماننا هذا..
التعليقات (0)