عندما يكون النضال وفق منظومة أخلاقية وفكرية معينة فإنه سيكون من دون شك أقدر على الاستمرار وتجاوز العقبات، وأبعد عن الوقوع في استنزاف الموارد خارج الهدف المبتغى، خصوصا إذا اختيرت هذه المنظومة بعناية وكانت أقرب إلى المشتركات الإنسانية العامة.
عندما نقرأ سيرة مارتن لوثر كينج سنجد أنه تبنى عن وعي تام فلسفة آمن بها وعمل وفقها ودعا إليها واعتبرها الطريق الموصل إلى الغاية المنشودة من حركته في إلغاء التمييز العنصري. لقد آمن لوثر بقوة الحب كدعامة أساسية وسلاح فعال في معركته اللاعنفية ضد التمييز، وحاول الدمج بين التعاليم الأخلاقية للمسيح عليه السلام التي تدعو لحب الأعداء وبين الساتياغراها كمعادلة تغييرية في النضال اللاعنفي تبناها المهاتما غاندي.
كان يرى أن قوة الحب هي السلاح الأمضى وأقوى الاستراتيجيات الفعالة في الصراع الاجتماعي بين الأمريكيين من أصل أفريقي وبين المجتمعات البيضاء المقاومة لحق السود في العدالة الاجتماعية والحقوق المدنية المتساوية، لأن "الكراهية تولد الكراهية؛ العنف ينسل العنف؛ الفظاظة تسبِّب فظاظة أكبر". ولأنه كان يمتلك هذه الرؤية فقد استطاع أن يجتاز بنجاح أحد الاختبارات الصعبة في حياته النضالية عندما هز انفجار منزله في مونتغمري بينما كانت زوجته وطفلته بداخله، وكان وراء الهجوم متطرفون من البيض غاضبون من دعوته لمقاطعة الحافلات العمومية العاملة بنظام الفصل العنصري. كان من الممكن أن ينساق وراء انفعالاته فتضيع قضيته ويكسب المتطرفون، إلا أنه اختار رد الفعل المناسب انطلاقا من مبادئه التي يؤمن بها، وليس من لحظة الانفعال. قام كينج بتهدئة الجمهور الغاضب قائلا لهم: نحن نرغب في محبة أعدائنا، أن نكون خيرين معهم. هذا ما يجب أن نتبعه، يجب أن نقابل الكراهية بالمحبة، يجب أن نحب إخواننا البيض مهما فعلوا بنا.
في كتابه الخطو باتجاه الحرية (Stride Toward Freedom) يؤكد كينج على ست نقاط تبين فلسفته في قوة الحب واللاعنف، وهي:
1- غالبا ما توصم المقاومة اللاعنفية بالجبن، وهذا غير صحيح، حيث إن المقاوم اللاعنفي يستخدم قدراته العقلية بفعالية عالية لإقناع الخصم بعدم صوابية موقفه المعادي لإلغاء التمييز، وهذا يتطلب شجاعة عاطفية وروحية كبيرة للوقوف بوجه الظلم.
2- الهدف من المقاومة اللاعنفية ليس هزيمة الخصم وتسجيل النقاط ضده، بل كسب تفهمه وصداقته.
3- المقاومة اللاعنفية موجهة ضد الشر كشر، وليس ضد الأشرار كأناس. فالنزاع ليس بين البيض والسود بل بين العدل والظلم.
4- المقاومة اللاعنفية تحتاج إلى قدر كبير من ممارسة الصبر وتحمل الضغوط وضبط الأعصاب، إذ يجب أن يكون المقاوم اللاعنفي قادرا على امتصاص الألم دون رغبة في الانتقام.
5- ليس المطلوب تجنب العنف المادي وحسب، بل العنف النفسي كذلك؛ فالمحبة تحلُّ محلَّ الكراهية.
6- الإيمان بانتصار العدل في نهاية المطاف، وأن الله مع الحق وأهله دائما.
تلك هي فلسفة مارتن لوثر كينج التي اتخذها منهجا وطريقة حياة، والتي استطاع من خلالها كسب الكثير من أصوات البيض عندما وضعهم وجها لوجه أمام الأزمة الأخلاقية التي يجب أن تؤرق ضمائرهم وتحرك أفعالهم لرفع الظلم والتمييز العنصري البغيض، وحقق بالتالي للسود بل لكل أمريكا الإنجاز التاريخي الرائع في إقرار الحقوق المدنية المتساوية لكل المواطنين، وهو ما جعل من لحظة أوباما التاريخية لحظة ممكنة وإن تأخرت قليلا.
التعليقات (0)