فلسفة الهدم من منظور الشعر . للكاتب/ إبراهيم أبو عواد . جريدة العرب اللندنية 25/5/2012
إن النسق الإنساني إذا أراد التحرر من هيمنة الاستبداد ( السياسي والاجتماعي والفكري )، فعليه ترسيخ منظومة ( النقد / النقض ) في أجزاء البناء الثقافي ، وذلك من أجل اختبار النماذج الاجتماعية المتكاثرة ، وتشييد حالة التجانس بين الأفكار وعلاقتها بالطبيعة الزمانية والمكانية .
ولا يمكن لحالة التجانس أن تصير واقعاً ملموساً إلا إذا قامت أبجدية الشِّعر بسبر أغوار الإنسان ، وإخراجه من حالة اللامبالاة إلى التفاعل الإيجابي مع العناصر . والتحدي الأساسي في هذا السياق يتجلى في وجود مجتمعات عديدة تجنح إلى تقديس ما ليس مقدَّساً، مثل شخصية الحاكم، والذوات البشرية المتنفذة ، والعادات الاجتماعية ذات الطابع السلبي . وبالتالي تنشأ منظومة فكرية متوارثة من المسلَّمات المحصَّنة ضد النقد .
ووظيفةُ الشِّعر هي غربلة الموروث ، وتمييز مكوِّناته ، بحيث تتكرس نقاط القوة ، ويتم استئصال نقاط الضعف . فالشِّعرُ ليس نظاماً هداماً فوضوياً يرفض كلَّ شيء ، بل هو أسلوب حياة عقلاني وبَنَّاء ، وهذا لا يتعارض مع أهمية الهدم _ في بعض الأحيان _ من أجل بناء العناصر الاجتماعية على قواعد صلبة .
وفلسفةُ الهدم في منظومة الشِّعر لا تنطلق من شهوة الانتقام والمزاجية الطائشة والإقصاء الشامل، وإنما تنطلق من حتمية تفاعل البنية الثقافية الدلالية مع المجتمع الرمزي للقصيدة . وبعبارة أخرى ، إن اندماج ثقافة المجتمع وعوالم القصيدة هو الذي يُحدِّد تضاريس المأزق الوجودي التي ينبغي هدمها لفتح الطريق أمام الكتابة الشعرية كي تحرِّر المجتمعات البشرية من الخوف . فلا يمكن للعقل البشري أن يُبدع في أجواء الخوف ، ولا يمكن للشِّعر أن يتولى القيادة في بيئة الخرافات .
وهكذا نجد أن الشِّعر ليس تياراً موازياً للواقع فحسب ، بل هو حياة كاملة تنتشل الفردَ من الانهيار الجزئي والكلي لتضعه في مواجهة العالَم كله من أجل إنقاذه لا الثأر منه . وعندئذ تصبح القصيدة هي المتحدث الرسمي باسم الإنسان في مواجهة سُلطة الأوهام .
وبالتالي فإن الكتابة الشعرية ليست تسليةً أو متعةً عابرة أو أحاسيس فترة المراهَقة ، بل هي ثورة شاملة نابعة من مُسَلَّمة لا تُناقَش ، ألا وهي أن الثقافة في حرب مفتوحة وأبدية مع الوهم ، والقصيدةُ هي جبهة القتال الأساسية ، والمعقِل الرسمي للثورة الإنسانية .
التعليقات (0)