تحياتي لكل المدونات / عزيز داخل
فلسفة الغبار في حلم الجنوب
الأربعاء 19/3/2003/البصرة/حي الحسين
منتصف النهار في البصرة ,الأجواء بلا نكهة,أو ربما هناك نكهة مؤجلة 0
التراب وحده يميز نهار البصرة,الحمام الذي اعد للسلام يشق الهواء بصعوبة ليصل إلى أفنانه ,الصغار أمامي يلعبون الكرة في ساحة من التراب ,بين مزبلتين ومدرسة وبيت0اسمع ضحكات ,الصغار الحفاة الحالمون يصرخون ويجولون خلف الكرة ,انتابني شعور بالغبطة وأنا استرجع ذاكرتي التي أتعبها الزمن أتذكر أيامي صنعتها في فتوتي وأنا أصول خلف الكرة في ساحة فسيحة وشباب قوي البنية والإرادة يلعبون للمتعة والفوز0
واليوم أرى الصغار يلعبون للنسيان فقط ,إنها خيبة أمل ,خيبة أمل وتراب ينشط وشعارات على الجدران تعانق رائحة المزابل شعارات براقة ليس لها نع الواقع علاقة ود,شعارات أكل التاريخ عليها وشرب 0
التراب يرتفع قليلا والقلوب الصدور بقوة ,تحمل مزيجا من الخوف والفرح 0الخوف من المجهول الذي سوف يأكل الأخضر واليابس والفرح بالمستقبل المعلوم الذي سيدفع بالرئيس إلى بلاد ماوراء الحدود أو العذاب الأليم ,إنها حكمة الله وهو ينقع سم الطغاة في آنية من عسل0
الغبار يرتفع وسرعة الهواء تشتد قليلا ,ارتفع أكثر ياغبار البصرة ,وليكن كل غبار العراق في حالة صعود إلى أقصى واشتدي يارياح ,احجبي شمس اليوم لأجل شمس بلا غياب 0الحمام الذي اعد للسلام تعود إلى الاتجاه المعاكس فتشعر بالراحة ,أراها تزيد من سرعتها وهي ترسم لوحة للمجد 0المجد الذي يرتفع باتجاه عقرب الساعة وهو يغالب الزمن ,الدقائق محسوبة والساعات معدة والأيام شيء لايحسب به الزمن 0اللحظة الآن ,المرقب يتحرك ,الله فوق العرش ,الماء ينزاح إلى أسفل ,الماء في العلب ,أرى القوارير والبراميل تمتلئ بالماء ,الماء هذه الرحمة الإلهية يدفع في الصدور ,يحسب بالقطرات والأقداح ,إنها اللحظة الحق ,إنها سجادة المهدي وهو يعصب الأسى القادم بالبرتقال 0الصغار الحفاة مازالوا يلعبون والكرة مازالت تتحمل وجع الضربات ,الناس الطيبون وغير الطيبين يروحون رواح العصافير وهم يحملون ماكان قبل ساعات لا يحسب ولا يعد 0حتى أعواد الثقاب اختفت0
المكانس ,الخميرة ,أكياس من النايلون للماء والدواء ,إن غبار اليوم هو غبار الحقيقة ,الغبار نفحة الغائب وهو يستعد للظهور ,أفسحوا الطريق أنا صاحب الأمر ومن اجلي كل هذا الأسى والغبار0الغبار سوف يحمل رائحة الصواريخ ورائحة النفط الذي سيحرقه طاغوت العصر ,فلترفعوا ايديكم بالدعاء ,دعاء المساكين0
التراب يرتفع والشمس خجلى ,أرى السيارات تحمل ما شاء الله من أثاث وعدة عمل0
العمل متواصل وحمامات السلام هربت مرة أخرى وغيرت وجهتها ,إنها لحظة الحق ,من خلال الكوة أرى المهدي يحمل أطباقا من الطمأنينة والابتذال ,لقد صحت المقولة القديمة إذن ,فهذه طلائع الجور تندحر أمام حمامات السلام والعدل,ارتفع ياغبار الوطن ودع الأطفال يلوحون بطياراتهم الورقية وعلى وجوههم فرحة مشوبة بالتوتر0
لعل هذا الغبار هو جملة هذه العذابات ,وان هذا التوتر آخر مراحل التعذيب 0الاذاعات ,كلما ارتفع الغبار ودارت الرياح كلما اتضحت الإذاعات وأعلمتنا بالتفاصيل0
الرجل الأمريكي القاتل السفاك يرتدي بعد منتصف الليل قبعة الحرب ليقاتل في شرف ,حراس النفط وتجار السياسة ,الرجل الأمريكي يشعر بالغبار وهو يرتفع فيرتفع معه وحين تسقط قبعته يلتقطها أنصاف الرجال وهم يتملقون ليرتفع بهم الغبار ,والرجل الذي خرج من تحت الزريبة ,الدكتاتور المليء بالعقد والمغالطات ,يجلس خلف عدته الشبحية ,في ملجأ تحت الأرض ,تحيط به جدران من الكون كريت بمساحة تزيد على 10متر,رجل يرتدي بزة الحرب التي لانتفع ولا تضر ,بزة السكر والعهر والناموس الذي دمر هذه البلاد0
ارتفعي يارياح المجد ,وليكن هذا الغبار الذي بلون الأسى غبارا يضل الحكايات ويضل الفاسدين0
لا تنقضي أيها النهار الجنوبي المحمل بالغبار والنبق وعربات النفط ,وملاعب الصغار الحفاة ,لاتنقضي أيتها الحمامات المسالمة بل اذهبي إلى فناء الله راضية مرضية,لاتنقضي أيها الغبار مرر غزلك البليد على الشمس واحبس الدفء عن الظهيرة ,تأهب أيها الجنوب المقهور فهذا الغبار يحمل البشرى والبسكويت المملوء بالكرامة والحرية,تأهب لتقف جنبا إلى جنب مع الحمام المتأهب للسلام ,عرفناك تمقت الحرب وان أكثر مايزعجك صوت القاذفات ,أيها الغبار دع الأطفال يصولون ويجولون خلف الكرة تحت سقف الظهيرة,وانظر إلى المزابل بتأمل وهي ترتفع مع الغبار إلى غير رجعة ,غدا إذن نلتقي
إذا بعد منتصف النهار وفي ظهيرة أخرى سيكون للغبار طعمه الساحر وللرياح وجهتها الصحيحة ,لعل الدقائق قبل ظهيرة الغد ستكون مشغولة بالصيانة,الحمامات آخذة بالركون والرجل الأمريكي ينظر إلى ساعته وإمامه الشاشة الأبدية وفي وسط المرقب من خلال الغبار الجنوبي المختنق يقف الرجل الشرير الذي لا يعرف من أي المصانع جاء ,رجل جاءنا محمل بالكراتين ومغلف بالسليفون وقد خط على واجهة الكارتون بخط واضح على يمين نخلة سومرية صدام حسين ,كان ذلك قبل ارتفاع الغبار وظهوره في الجنوب
اليوم نحن في غد ,الغد ال20من آذار عام 2003
الغبار له طعم
(0الفاش) ولون وردي وملمس النسيم ,غبار منعش ومنعش للجميع ,لأنه في غد وبعد هدوء العاصفة سيكون لكل شيء طعمه الجديد وبزته الجديدة ,الغبار غدا سيحمل لنا رحيل الطواغيت ,
انه حلم الغبار الجنوبي الاسير0
التعليقات (0)