حاولت اكثر من مرة ان اوصل هذه الملاحظة الى الاخرين الى درجة انني اجد لزاما علي ان انبه اخوتي القراء الى هذه الاثارة وان ياخذوها بعين الاعتبار وخاصة نحن في ايام شهر المحرم، محرم الحزن والالم وتظهر فيه على صفحاتنا الاعلامية وعلى مظاهرنا الاجتماعية الكثير من الفعاليات التي تعلمنا ان نسميها انها الشعائر الحسينية والتي ذاب فيها الكثيرون ايمانا وحبا في الحسين عليه السلام ، لكن الذي دفعني للكتابة بخصوص هذا الموضوع هو روح النفرة التي يتحلى بها البعض عندما يعرض رايه او يبدي موقفه من الشعائءر ككل او من البعض ،وهذا ما اصاب طرفي النقاش وتحول الى نزاع فطرف يرى ان الكثير من الشعائر الحسينية ان لم نقل الكل على انها عبارة عن مظاهر سطحية ساذجة لا ترتبط بحقيقة الثورة الحسينية بل فيها الكثير من السلبيات على ما يراه هذا الطرف حيث يقولون
اولا: ان في بعض الشعائر تعد تعطيلا لعجلة الحياة مدة معينة على مستوى افراد بل على مستوى جماعات
ثانيا :في اقامة بعض الشعائر هدر الكثير من الاموال وخاصة في الطبخ وتهيئة المواكب والمجالس والتي لو تصرف في موارد اخرى كالتبرع للفقراء باسكان البعض وتزويج البعض الاخر مثلا لكان افضل
ثالثا :في البعض منها ارهاق للنفس كالمشي الى كربلاء بل فيها اهلاك للنفس كالتطبير ونحوه
وراح اخرون يحاولون سرد تاريخي لتلك الظواهر يريدون ان يصلوا الى نتيجة ان الكثير من هذه الشعائر هي شعائر وطقوس مستوردة من المسيح او اليهود او اهل التصوف وهكذا
اما الاخرون وهم المؤيدون بل الذائبون في احياء هذه الشعائر واظهارها بافضل حال فالواحد منهم يضحي بنفسه وبدمه وبكل مايملك من اجل احياء القضية الحسينية بانشاء موكب او باقامة مجالس العزاء ومايرافقه من جلب معدات الصوت ومرورا بالخطيب والوليمة التي تعقد ليجتمع الناس على المجلس والمرغبات الاخرى فهم يبذلون اموالهم وراحتهم ويضحون بالكثير من ممتلكاتهم وهم يرون ان هذا الامر لم يات اعتباطا بل ان ذلك من الامور المهمة والضرورية في احياء العقيدة ولعل في ذلك ادلة ومبررات
منها ان الحسين اعطى كل ما يملك فلابد ان نقدم له كل ما نملك في سبيل احياء ذكره
الرسول الاكرم صلى الله عليه واله دعا الى اقامة المجالس والبكاء على الحسين وهو اول من بكاه وهذه اشارة الى مطلوبية هذه الشعائر وان اختلفت الصور ..
بل قالوا ان هناك دليلا صريحا وواضحا وهو ماقامت به زينب عليه السلام على الحسين حينما نطحت راسها في المحمل وغيرها الكثير علما ان الكثير من الاستدلالات التي احجمت عنها خشية الاطالة لكن من يلاحظ اراء الطرفين يجد ان هناك تباعدا بين وجهات النظر وعدم التلاقي عند خطوط موحدة او على الاقل خطوط متقاربة ويتضح هذا الامر جليا في مسالة التطبير حيث يشن الرافضون هجوما قويا ليعدونه تقليدا اجنبيا صوفيا ورد الى الشيعة ولابد من التخلص منه وتنقية الشعائر منه.
اما من يؤيد التطبير يرى فيه انه اساس من اساسات ذكر الحسين بل ان التمسك به يعد احياء لامر اهل البيت وخصوصا احياء لذكر الحسين عليه السلام والظاهر ان في الغالب الذي يدفع هؤلاء المتمسكين بقضية التطبير هو الوقوف موقف المندفع ضد من يرفض هذه الممارسة والطرف الاخر كذلك لا يترك فرصة او وسيلة الا وحاول من خلالها اسقاط هه الممارسة واسقاط القائلين بها من قائمة العلماء او العارفين بعلوم وقضايا المذهب وهنا علينا ان نتوقف لنحل هذه المشكلة بين الطرفين اذ ان الطرفان محسوبان على الاسلام اولا ومحسوبان لعله على المذهب اساسا والنتيجة اننا سنخسر الطرفين وسنخسر قيمة الاحياء الذي يدعي الطرفان انهما حريصان عليه فالرافضون يدعون انهم يريدون تنقية الشعائر من المظاهر الغريبة اما الاخر فهو يدعي انه يريد ان يجسد الولاء والفداء عند الشيعة من اجل الحسين عليه السلام ،ولو افترضنا ان الهدف هو احياء امر الحسين واحياء معالم ثورته فلم هذا الاختلاف ولماذا هذا العداء ولماذا هذا التطرف في المواقف وانا هنا لا كلام معي مع الاراء المتقلبة التي لاحظناها واستغربناها فبالامس كان لديهم التطبير من مستحبات الشريعة واليوم صار عادة دخيلة لابد من التخلص منها وانما كلامي مع الرافضين كعقيدة وكفكر ومع من يؤيد ويعتبر ان الامر امر فكري عقائدي
واسمحوا لي ان اجد مكانا بينكم لاطرح بينكم هذا الرأي البسيط لنعود الى اساسيات مذهبنا الفقهية والاصولية والعقائدية اذ ان من الظاهر ان الكثير من المظاهر التي يقوم بها المسلمون او الشيعة خصوصا في ايام المحرم هي ممارسات استحسنها العرف اما من خلال مواقف او من خلال اقتباس او من خلال تقريب وتأويل للروايات والحوادث التاريخية وهذا في الحقيقة ليس مهما في اعطاء الحكم على تلك الممارسات ، بل من الغريب انتقاد ممارسة لانها من ممارسات غربية سواء كانت نصرانية مع الفرض انها كذلك لاننا نتعامل اليوم مع الاف الممارسات الحياتية والاجتماعية التي اخذناها من الغرب اما تعاطي مع التكنلوجيا والعلم واما تلاقح مع التطور الفكري الحاصل في تلك المجتمعات لكن الكلام ليس في مصدر الممارسة او التصرف وانما الكلام هو طريقة استخدام هذا الفعل او ذاك وما ينتج عنه هل هو يرافقه ارتكاب محرم ، او يؤدي الى ارتكاب محرم ، وهل الغرض منه هل هو محرم ام لا ،فاذا صح واحد من هذه الامور فضلا عن كلها منعت تلك الممارسة فكما يقال ان الاصل في الاشياء الاباحة لكن اذا اقترن بالشي المباح فعل محرم او ناتج محرم تحول المباح الى حرام وبالعكس اذا اقترنت به نتيجة حسنة او ضرورية صار مستحبة بل يكون واجبا بقدر تلك النتيجة المترتبة على ذلك الامر المباح ،لكنها في الاصل لا كلام في منعها او تحريمها فلا وجه لتحريمها من هذه الناحية لأنه لا يدخل تحت ضابطة تحريم اولية ،وهذا مايثير الاستغراب من قول البعض بحرمته اوليا . وهذا الذي اردت ان ننتبه اليه انه لا محذور لا من التطبير ولا من الزنجيل ولا من المسير لانه لا اصل في تحريمه فهو مباح والمفروض ان نقيم النتائج المترتبة ونقدر مقدارها لانه يكون المنع من الغاية او من النواتج ولهذا ساحاول ان اعرض لكم الموقف من خلال العودة الى الاسئلة التي تفرق بين حلية التطبير وسائر الشعائر الاخرى وبين حرمتها
السؤال الاول : هل هي افعال محرمة اساسا
الجواب لادليل على حرمتها بنفسها كافعال واقتباس الشيعة على فرض صحة هذا الادعاء من غيرهم لا يبرر التحريم والا كان علينا ان نحرم الكثير من الاستخدامات والارتباطات مع الغير
السؤال الثاني : غايات واهداف التطبير ودورها حلية وحرمته
اذا كان الهدف من اقامة هذه الممارسات احياء الذكر لاهل البيت ويعد ذلك من الوسائل التي عرفت على انها اشارة الى الارتباط والولاء لاهل البيت عليهم السلام فلا مانع منها بل قد تكون من المستحبات واود ان اشير الى ان التطبير احيانا في راي الكثير من المؤمنين هو وسيلة لتحريك الضمور والخضوع في النفس فيحاول كما يراه هو وسيلة من وسائل ايجاد الشجاعة في تحمل الالم من اجل ايجاد النهضة والشجاعة ولاسيما في ايام الامام الحسين عليه والسلام ونحن لسنا بصدد مناقشة هذا الموضوع لكن نريد ان نقول ان هذه الغايات بريئة وطاهرة ليس فيها ما يمنع منها من الشريعة
وهناك اخر يقول يريد ان ارى في نفسي الاستعداد للتضحية من اجل الحسين عليه السلام وهذا ما اراه من خلال هذه الممارسة او تلك ، ولهذا فالتطبير كلما كانت غاية مقربة الى الله تعالى كان الاستحباب في التطبير اكبر واقوى
اما اذا كانت الغاية هي من الاستعداد والتمسك بالتطبير هو العادة كما يراه الكثيرون فهم لا يعرفون من التطبير وسائر الشعائر الاخرى سوى انها تقاليد وطقوس سنوية لا تؤثر في نفوسهم ايما تأثير
فالشعائر اذا كانت تؤدى على نحو العادة فلا نفع فيها بل قد تحرم وتمنع لانها ستكون عبارة عن رياء وعجب وتكبر وهذا ما لا ينسجم مع الطرح الحسيني الشريف اذن فالغاية لها دخل كبير بل هي المحور الاساس في اباحة او تحريم الشعائر ولاسيما التطبير
السؤال الثالث : نتائج التطبير وتأثيرها في إباحته وحرمته
نعم لنتائج التطبير اذا كانت نتائج سلبية معتد بها كالسمعة السيئة التي تحمل على المذهب على انه مذهب خرافات ومذهب صوفية لا يحمل المذهب الا هذه التصرفات التي يصورها الاخرون على انها وحشية ودموية تنسجم مع اتهامنا بالرغبة في الانتقام وسلوك مناهج الارهاب العالمي فهي مبرر يمكن ان يمنع التطبير ويحرمه لنتائجه لا لاصله لكنه مبرر ضعيف لعدة اسباب
السبب الاول :عشرات من الممارسات التي يمارسها المجتمع الغربي والتي لا تقترب من السلوك العقلائي للانسان العاقل لكنها تمارس بكل بساطة ويسر ودون ان ينتقدها احد ولا نريد ان نذكر مصاديق لان بعضها يندى له الجبين ونجل المقام من طرحها
السبب الثاني :ان مجتمعنا الاسلامي ولاسيما الشيعي هو هدف من اهداف الاعلام الغربي والافكار الاستعمارية التي تحاول اضعاف الارتباط بالدين الاسلامي بكل وسيلة فهم سواء قمنا بالشعائر الحسينية والتطبير ام لم نقم فهم لا محالة ناقدونا ومحاربونا فهذا لايعني ان نقيم تصرفاتنا وتشريعاتنا على اساس قبولهم او رفضهم فهم لا يمثلون لنا المقياس .. نعم لو كانت هذه الشعائر تؤدي الى اضعاف الكيان الفكري والعلمي والاعلامي للمذهب عند نسبة معتد بها في الخارج او عند ابناء المذهب نفسه فهذا امر يعود تقديره وتشخيصه الى القائمين على المذهب فيمنعون او لا يمنعون او يحاولون طرح الاطار المناسب لهذه الشعيرة او تلك ...
النتيجة اذن فالشسعائر هي عبارة عن ممارسات ووسائل اتخذت للتعبير عن الارتباط باهل البيت وطريقة من طرق احياء الذكر كما ان لكل غاية وسائل تختلف من زمن الى زمن ومن حالة الى اخرى ليس فيها ماهو ممنوع بالاصل في الشريعة الا اذا كانت غايته او نتيجته حرام فيكون حراما ،
اما الاعتراضات الاخرى فلا فرصة عندنا لمناقشتها ننتظر فرصة اخرى لنخدمكم فيها
التعليقات (0)