الشرق الأوسط الجديد..من الفكرة الى التنفيذ [4/11]
فلسطين والخنجر الصهيو-إيراني
لم يتطرق "برنارد لويس" ولا "رالف بيترز" في تصورهما لخرائط "الشرق الأوسط الجديد" للدولة الفلسطينية، بل تحدث "لويس عن "إسرائيل الكبرى"، أما "بيترز" فيقول: إن "على إسرائيل من أجل أن تعيش في سلام مع جيرانها، أن تعود إلى حدود ما قبل 1967 مع تعديلات أساسية مشروعة لا بد منها من أجل أمن إسرائيل"، ولا يشير الى تلك التعديلات لا في "قطاع غزة" ولا في "الضفة الغربية"، ولكنه صنف الأخيرة في آخر قائمة الخاسرين من المشروع التقسيمي!
بيد أن ثمة أفكارًا صهيو-أميركية قديمة-جديدة عمرها حوالي 50 سنة، تتحدّث عن "خيار الدول الثلاث"، الذي يقوم على ضم قطاع غزة الى مصر، والجزء المتبقي من الضفة الغربية الى الأردن (الخيار الأردني)، فيما تتسيّد إسرائيل بمستوطناتها المجال الكلي في فلسطين.
ومؤخرًا، برز مشروع "جيورا آيلاند"، رئيس شعبة العمليات في الجيش الإسرائيلي سابقاً، والرئيس السابق لمجلس الأمن الوطني المسؤول عن وضع الاستراتيجية الأمنية للدولة الصهيونية، فقد طرح خطته لإعادة تنظيم الشرق الأوسط (في حديث له مع آري شفيط من صحيفة هآرتس)، واقترح ضم 12% من الضفة الغربية (600 كلم2) إلى الدولة الصهيونية و600 كلم2 أخرى من مصر تُضم إلى قطاع غزة ويوطن فيها مليون نسمة (لإقامة ميناء بحري ومطار دولي)، على أن تُعطى مصر 150 كلم2 في النقب تعويضاً لها".
كما قام المستشرق والمؤرخ والكاتب الصهيوني "جاي بخور"، بتقديم خطته لإعادة صياغة "الشرق الأوسط"، في مقال نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" بتاريخ 27/7/2006، فتطرق للوضع الفلسطيني قائلا: "على الأردن أن يتحمل المسؤولية عن الضفة الغربية، وبهذا ينشأ كيان فلسطيني واحد فينتشر الفلسطينيون إلى الشرق (بعيدًا عن إسرائيل بطبيعة الحال) لا إلى الغرب في اتجاه الدولة الصهيونية(...). أما مصر فستصبح مسؤولة عن قطاع غزة، وهو شيء -حسب تصوره- أصبح يحدث في الواقع أكثر فأكثر.(...) وسيفرح سكان الضفة الغربية أيضاً بإنشاء دولة فلسطينية كبيرة".
وفي مقال لـ"بخور" حمل عنوان "حماس مفيدة للخيار الأردني" نشر في صحيفة "يديعوت أحرنوت" بتاريخ 23/10/2008، اعتبر أن: "على إسرائيل أن تفتح الحدود بين الضفة الغربية والضفة الشرقية -أي الأردن- بالتنسيق مع الأردنيين، مثلما سيفتح معبر رفح بالتنسيق مع المصريين، الأمر الذي يعني عودة المصريين الى الشؤون الغزّاوية. هذا ما يجب أن يحدث مع الأردنيين في الضفة الغربية وهم يعرفون ذلك". ويتابع "بخور": "الأردن سيعرف أفضل من اسرائيل كيف يراقب الحدود ـ ماذا ومن يدخل للضفةـ النقطة التي ستبدأ في تشكيل علامة فارقة على طريق حل مشكلة الفلسطينيين: غزّة للمسؤولية المصرية، ويهودا والسامرة الفلسطينية للمسؤولية الأردنية. العودة بنوع من الخيار الأردني ستدفع إسرائيل للبدء بالتحرك نحو التسوية النهائية مع الفلسطينيين: الجدار الأمني سيفصلهم عنها، والمسؤولية المتزايدة لمصر في غزة وللأردن في المناطق العربية من يهودا والسامرة".
ولا شك أن هذا السيناريو الصهيو-أميركي الذي تناوله المنظرون الصهاينة وسواهم، من شأنه إذا تحقق أن ينهي القضية الفلسطينية الى أجل غير مسمى.
اصطدم "مشروع الشرق الأوسط الجديد" في فلسطين بعقبة تدعى "ياسر عرفات"؛ فبعد أعوام عديدة من التنازلات التي قدمتها "منظمة التحرير الفلسطينية" للعدو الصهيوني، وصل الزعيم الفلسطيني الى مرحلة لم يعد بإمكانه فيها تقديم المزيد لإسرائيل، وبات من الواضح للإسرائيليين أن لـ"عرفات" حدًا أدنى من التمسك بالحقوق الفلسطينية ولا سيما لجهة "حق العودة" والإصرار على "القدس عاصمة للدولة الفلسطينية". هذا من جهة، ومن جهة أخرى يعتبر "ياسر عرفات" رمزًا وطنيًا بالنسبة لغالبية الشعب الفلسطيني، وبالتالي فهو حائز على تأييد شعبه وقد عرف كيف يستوعب "حركة حماس" بشكل أو بآخر، فيما المطلوب إسرائليًا تقاتل الأطراف الفلسطينية لمزيد من الضعف والتشرذم والإنقسام في الصف الفلسطيني.
بناء على ما تقدّم، اتخذت الحكومة الاسرائيلية في كانون الاول 2001 قرارًا تصف فيه الرئيس الفلسطيني "ياسر عرفات" بـ"غير ضروري"، ثم في السنة التالية صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي "أريئيل شارون" من "البيت الأبيض" وبعد محادثات مع الرئيس الاميركي "جورج بوش" الابن، بأن عرفات "عقبة للسلام". وأفادت صحيفة "يدعوت أحرنوت" الصهيونية بعد ذلك الإجتماع انه: "وافق شارون وبوش على أن دور عرفات سيأتي مباشرة بعد إزاحة صدام حسين..."!
بدأ تنفيذ قرار الإعدام بحق "عرفات"، فجرى اغتياله تدريجيًا بالتسميم البطيء، وصولا بعد أسابيع في 11/10/2004 الى موته، بعد حصار واغتيال سياسي بدءًا من أيار 2002.
بعدما نجحت إسرائيل بالتخلص من "عقبة السلام" و"غير الضروري" "ياسر عرفات"، واستبدلته بمن هو أكثر مرونة منه البهائي محمود عباس، انتقلت الى البند الثاني من المخطط الموصل الى "الشرق الأوسط الجديد" فلسطينيًا، فأعلن "شارون" عن خطة مفاجئة تنص على عزمه القيام بانسحاب أحادي الجانب من "قطاع غزة". وبالفعل وافق "الكنيست" الإسرائيلي على هذه الخطوة، وصادق عليها في 26/10/2004، وأعلن مدير ديوان "شارون"، "دوف فايسغلاس" أن: "برنامج شارون الحقيقي لا يزال على حاله، ممثلاً في حكم ذاتي للفلسطينيين بمسمّى دولة على قطاع غزة و42% من الضفة الغربية من دون القدس، ولا عودة للاجئين، مع الإبقاء على هذا الحال لفترة ما بين 15 و20 سنة". ولا شك أن إعطاء قطاع غزة حكمًا ذاتيًا وكذلك "الضفة"، يعد خطوة متقدمة جدًا باتجاه ما نص علية "مشروع الشرق الأوسط الجديد" بالنسبة لفلسطين و"غزة" تحديدًا ذات الغالبية الشعبية المؤيدة لـ"حركة حماس"، لأنه سيمهد لانضمامها الى مصر يومًا ما، وكذلك بالنسبة الى "الضفة الغربية" ذات الأكثرية المؤيدة لـ"فتح" والمراد إلحاقها بالأردن.
وبالفعل، في 15/8/2005، تم الشروع بتطبيق خطة "شارون" بالإنسحاب من قطاع "غزة"، والتي أطلق عليها تسمية "خطة فك الارتباط" التي تشمل إخلاء 21 مستوطنة في القطاع، اضافة لأربع مستوطنات شمال "الضفة الغربية" ، فخرجت القوات الإسرائيلية من القطاع، وتم إخلاء المستوطنات، وانتهى الوجود الاستيطاني الإسرائيلي في قطاع "غزة" في 12/9/2005، فأعلنت الحكومة الإسرائيلية إنهاء الحكم العسكري في القطاع. ويمكن تشبيه انسحاب "شارون" التكتيكي من قطاع "غزة"، بانسحاب "إيهود باراك" التكتيكي أيضًا من جنوب لبنان عام 2000، وذلك نظرًا لظروفه والغايات الإسرائيلية المتوخاة منه ونتائجه، وهو ما سيظهر في السطور التالية، ولدى حديثنا عن لبنان في الحلقة التالية.
وهنا، يجدر بنا الملاحظة أن اتفاق "أوسلو" المعقود في العام 1993، كان قد سمي في البداية بـ "غزة/أريحا أولاً"، وبالتأكيد ليس من قبيل المصادفة أن تكون خطة "شارون" معتمدة على خطة "غزة أولاً"؛ كما يجب أن لا يفوتنا سعي إسرائيل في ذلك الحين إلى وقف "الانتفاضة"، وتصديرأزمتها الداخلية إلى الساحة الفلسطينية، ويمكن اعتبار الإنسحاب التكتيكي من غزة عامل دفع لصالح امتلاك أفق بتحقيق ذلك، عبر الرهان على نشوب اقتتال فلسطيني-فلسطيني، أي نشوب حرب داخلية بين السلطة الفلسطينية و"حماس"، على خلفية ذلك الإنسحاب الجزئي وغير المنسّق مع الجانب الفلسطيني، ما سينهي القضية الفلسطينية، ويشتت قوى الشعب الفليسطيني في حروب داخلية بدل أن تكون أطرافه موحدة في مواجهة قوى الاحتلال.
بعد الانسحاب من "غزة"، لم تضيّع إسرائيل وقتها بوقوفها مكتوفة الأيدي تترقب النتائج المتوخاة منه في الشارع الفلسطيني، بل تابعت النفخ في نار مخططها "الشرق أوسطي الجديد" لتسعيره واستعجال نضجه، فعملت على إيقاع "حركة حماس" في فخ وقبضة المحور السوري-الإيراني، تمامًا مثل نظيرتها "حركة الجهاد الإسلامي" التي سبقتها في التبعية لذلك المحور بأشواط كبيرة منذ مدّة، وهو المحور الحليف لأميركا وإسرائيل في تنفيذ ذلك المشروع الخبيث التي يراد للمنطقة أن تفتت على أساسه. لكن ما السبيل لإيقاع "حماس" في شراك إيران ودفعها الى الإقتتال الداخلي مع "فتح" في ظل وجود قيادة واعية تدير شؤون الحركة؟
حيال ذلك، قامت إسرائيل بحملة تصفية طالت جميع القادة "الحمساويين" المهادنين لـ"منظمة فتح"، والممانعين لأن تصبح حركتهم الجهادية الشريفة تابعة لأي نظام حاكم في دول المنطقة، وكان آخر هؤلاء القادة "الاستقلايين" إذا جاز التعبير: الشيخ "احمد ياسين" والدكتور "عبد العزيز الرنتيسي"، اللذين تمّت تصفيتهما على يد العدو الاسرائيلي عام 2004، لتنتقل الزعامة من بعدهما الى الطامح في السيطرة على الحركة وصاحب الولاء السوري-الإيراني "خالد مشعل"، وتقع "حركة حماس" في قبضة هذين النظامين بشكل كامل، وهما النظامان اللذان استخدماها لشق الصفين العربي والإسلامي، وشجعاها بعد مدّها بالمال والسلاح على الاستقواء على "فتح" والاستقلال بـ"قطاع غزة". والأمر نفسه اعتمدته أميركا واسرائيل مع حركة "فتح"، فقدمتا لها الدعم اللازم، لينتهي الأمر بشعب منقسم على ذاته ومشتت فوق شتاته، قسم منعزل في "غزة" وآخر في "الضفة الغربية"، والعدو الصهيوني يتفرّج فَرِحًا مرتاحًا، ويتدخل باعتداءات إرهابية هنا وهناك، وإيران تزايد تقيّة وتغذي الإنقسام، وكذلك سوريا الممانعة خصوصًا في "الجولان" المحتل، فيزداد الوضع تشرذمًا.
وكان من أبرز نتائج وقوع"حماس في القبضة الإيرانية، الإعلان في 2/3/2006 عن تأسيس تنظيم شيعي جديد يحمل اسم "المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في فلسطين"، وذلك من خلال بيان وزع على الصحفيين في "غزة" وحمل اسم "محمد غوانمة" رئيس "المجلس الشيعي الأعلى في فلسطين" جاء فيه: "اننا وباسم الإسلام العظيم ومن قلب فلسطين نعلن عن تأسيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في فلسطين امتدادًا للإسلام العظيم"، ويعنون بذلك الوصف إسلام إيران و"ولاية الفقيه"، واعتبر التنظيم الجديد الجمهورية الاسلامية الايرانية "ركيزة المشروع الإسلامي العالمي على طريق إقامة خلافة إسلامية راشدة وعاصمتها القدس الشريف". ويعد هذا الإعلان غريبًا من نوعه في ضوء عدم وجود طائفة شيعية معروفة في الأراضي الفلسطينية.
ولكي ندرك أكثر مدى قوة العلاقة بين "حماس" وإيران، يكفينا أن نسمع تصريح إسماعيل هنية، القيادي في حركة حماس حينما كان رئيساً للوزراء في فلسطين، فقد قال في 8/12/2006 عقب أدائه صلاة الجمعة في طهران حيث تلقى وعدًا بدعم مالي مقداره 250 مليون دولار: "إن لنا عمقاً استراتيجياً هنا في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وفي العالم العربي-الإسلامي كله. إن هذا البلد هو عمقنا القوي والحيوي والثابت".
ومن الأساليب التي اعتمدها العدو الصهيوني لاستدراج "حماس" الى الفك الإيراني القاتل، ما جرى من حصار وتضييق على الحكومة "الحمساوية" التي تشكّلت عقب فوز الحركة بغالبية مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني عام 2006، في انتخابات تمت بإشراف دولي شارك فيه "الاتحاد الأوربي" وشهد بنزاهتها. فكان لمعاقبة الفلسطينيين على خيارهم الديموقراطي الانتخابي، أن جرى تجويعهم، وتعطيل عمل حكومة "حماس" وصولا الى الإطاحة بها بعدما دفع الفلسطينون بتحريض إيراني-إسرائيلي مشترك نحو الاقتتال المسلح بين "فتح" و"حماس"، الذي حاولت السعودية إيقافه بعد استضافتها القادة الفلسطينيين الذين وقعوا على "اتفاق مكة" في 8/2/2007، إلا أن الفتنة ما لبثت أن استيقظت من جديد، واستمرت الى أن تم النجاح الصهيو-إيراني "الباهر" في حزيران 2007، يوم عبّر الإقتتال الداخلي الفلسطيني عن نفسه بأبشع صورة، حين عاث الاخوة الاعداء فسادًا في "غزة"، مع انقلاب "حماس" الدموي، وما رافقه من قتل متبادل، وإلقاء "للفتحاويين" من الشرفات، وإنزال "الحمساويين"العلم الفلسطيني ورفع علم حركتهم مكانه، وتمزيق ودوس صور "عرفات"، ما أسفر عن سقوط 116 قتيلا على الاقل و550 جريحًا خلال اسبوع واحد!!
وقد انتهى الإنقلاب بتحقيق القسم الأكبر من المشروع الصهيو-أميركي، فقد استقلت "حماس بـ"غزة"، و"فتح" بـ"الضفة الغربية"، فبتنا أمام دولتين لكل منها حكومتها الخاصة، وجيشها الخاص وداعميها الإقليميين أصحاب الأجندة الموحدة، أي إسرائيل، وإيران صاحبة الاطماع التوسعية والطامحة لتصدير ثورتها وفكرها السياسي والعقائدي الى دول المنطقة لتفتيتها على أساسه.
وفي كل مرّة، بعد أن كان يتفق الفريقان الفلسطينيان المتناحران على توقيع وثيقة الصلح بجهود مصرية مضنية، كانت تتدخل إيران فستخدم نفوذها على "حماس" و"الجهاد الإسلامي" لإفساد الأمر، ودفع الفصائل الفلسطينية التي تقدم إليها سوريا المأوى وإيران التمويل والتسليح لعدم التوقيع على أي اتفاق ينهي الإنقسام الفلسطيني.
ولعل اخطر فصول التدخل الايراني في "غزة" لصالح إتمام "مشروع الشرق الأوسط الجديد" القاضي بإلحاق قطاع "غزة" بمصر، كان في حرب "غزة" الأخيرة التي نشبت أواخر عام 2008 واستمرت 22 يومًا حتى أوائل الـ 2009، بسبب رفض حركة "حماس" تجديد اتفاق الهدنة مع اسرائيل، فما كان من "حماس" إلا أن استأنفت إطلاق صواريخها بتوريط وتحريض واضحين من النظام الايراني، الذي لجأ اثناء تفرّجة على تلك المحرقة (التي حصدت 1440 قتيلاً وأكثر من 5880 جريحاً)، الى أحط الوسائل وأقذرها في حربه ضد العرب والمسلمين، فاستغل دماء أهل غزة ومأساتهم وجراحهم وشهدائهم وأطفالهم لزرع الكراهية بين أبناء فلسطين وبين أبناء الأمة العربية والإسلامية، و لم يكتف فقط بالخطابات الدعائية والتحريضية أثناء تلك المجزرة، بل أصدر مرشده الأعلى "علي خامنئي" في 28/12/2008، فتوى تمنع الإيرانيين من التوجه الى "غزة" لمساندة الفلسطينيين والقتال الى جانبهم هناك!!
أما أخطر ما شهده ذلك العدوان على الإطلاق، فتمثل بمطالبة أمين عام "حزب ولاية الفقيه" "حسن نصر الله" مصر بفتح معبر "رفح" الحدودي أمام "الغزاويين"، وتزامن ذلك مع ضغوطات دولية باتجاه الغرض نفسه، ما يعني تفريغ "غزة" من شعبها الذي سيدخل الأراضي المصرية الى أجل غير مسمى ريثما يعاد إعمار القطاع؛ كما حرّض "نصر الله" الجيش المصري على إحداث انقلاب في مصر ردًا على موقف نظامه من العدوان.
إلا أن الرئيس المصري حسني مبارك كان واعيًا للمؤامرة الإيرانو-صهيونية، فأكد في 30/12/2008، ان بلاده ترفض "مخطط إسرائيل للفصل بين الضفة والقطاع، والتنصل من مسؤوليتها عن غزة وتحميل مصر بتبعاتها(...). إن هذا المخطط يستدعي إلى الذاكرة الترويج منذ الثمانينات لمقولة "غزة أولاً" بالنسبة للقطاع و"الخيار الأردني" فيما يتصل بالضفة الغربية(...). وتابع مبارك: "إن مصر لن تقع فى هذا الفخ الإسرائيلي، ولن تشارك في تكريس هذا الفصل (...) بفتح معبر رفح فى غياب السلطة ومراقبي الاتحاد الاوروبي". وربما دفع مبارك ثمن رفضه الخضوع لذلك المخطط الصهيو-أميركي في 11شباط 2011، يوم أطيح به وأجبر على التنحي عن سدة الرئاسة.
ومن المناسب هنا، الإشارة إلى أن قادة إسرائيل مدحوا في أكثر من مرة "حركة حماس" على جهودها الجبارة في الحفاظ على سلامة الحدود ومنع إطلاق الصواريخ علي البلدات الإسرائيلية المحيطة.
ففي 7/7/2009، أشاد تقرير للمخابرات الإسرائيلية بالهدوء الأمني على حدودها الشمالية والشرقية والجنوبية، خصوصا في الشهر الأخير (حزيران2009) حيث لم يصب أي مواطن أو جندي إسرائيلي. ولكن في الوقت نفسه أشار التقرير إلى أن "السيطرة الأمنية من طرف حزب الله في الشمال وحكومة حماس في الجنوب أفضل من الوضع الأمني تحت السلطة الوطنية الفلسطينية"! وجاء في التقرير إنه "في الوقت الذي وقعت فيه "580 حادثة إرهابية" في كانون الثاني من هذه السنة، فقد هبطت إلى 120 حادثة في شباط وآذارالماضيين وتغير طابعها. فبدلا من الصواريخ المتوسطة المدى أطلقت من قطاع غزة قذائف صاروخية قصيرة المدى، وبدلا من إطلاق النار في الضفة الغربية، لجأوا إلى قذف الحجارة والزجاجات الحارقة. وفقد ما يسمى بـ"المقاومة" مضمونه. وتوقفت الأعمال العدائية المسلحة تقريبا". وحذرت المخابرات الإسرائيلية من "الزهو في هذه المعطيات"، وقالت: "إن الفضل الأكبر لهذا الهدوء يعود إلى إنجازات الحربَين الأخيرتين"، أي مسرحية تموز2006 والعدوان الصهيو-إيراني على "غزة" 2008-2009.
وفي هذا السياق، أمرت الحكومة التي تسيطر عليها حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في قطاع "غزة" أجهزتها الامنية في 13/1/2011، بـ"الحفاظ على التهدئة مع اسرائيل من طريق وقف اطلاق الصواريخ تجنبًا لهجوم اسرائيلي".وأكد مسؤول فصائلي توافق الفصائل على التزام "وقف إطلاق الصواريخ لتجنيب شعبنا حربًا وعدوانًا جديدًا، مع التأكيد أنه من حقنا الرد على العدوان وفق التوافق الوطني". ولسنا ندري أين كان هذا الحرص على الدم الفلسطيني في "حرب غزة" الأخيرة، وما إذا كان هذا السبب المذكور هو الحقيقة، أم إن أوامر "ولاية الفقيه" لم تصدر بعد لتكرار تلك المأساة واستثمار الدم الفلسطيني في "تصدير الثورة الخمينية" من خلال بث المزيد من الشرذمة في العالمين العربي والإسلامي؟!
إن الواقع الفلسطيني الحالي يمثل أوّل نتائج النجاح الإسرائيلي في تطبيق "مشروع الشرق الأوسط الجديد في "غزة" و"الضفة الغربية"، ولا شك أن لسان حال الصهاينة في حدودهم الشمالية والجنوبية يلهج يوميًا بمقولة: "شكرًا سوريا، شكرًا إيران".
عبدو شامي الشرق الأوسط الجديد في لبنان موضوع الحلقة الخامسة من هذه السلسلة.
التعليقات (0)