وهذا مثال آخر لنفس الشرخ المنطقي الذي يعتور الدعاية الصهيونية حتى التفسخ .
فعن هدف العرب كحق شرعي بحت في استعادة وطنهم السليب .. وإزالة الوجود الغاصب ..
تتصايح الصهيونية ومهيجوها بأن " من ينصرف عن المطالبة بالحق الشرعي لشعب مظلوم إلى انتقاص من الحق الشرعي لشعب آخر , إنما يأخذ موقفاً شوفينياً . عنصريا ً, رجعياً , وهمجياً "
" وحق تقرير المصير ( يقصد للعرب) إذا أضر بالغير( يقصد إسرائيل) فهو شوفينية وعنصرية !!
والسؤال الآن :
أليس هذا تماماً ما حدث في عام 1948؟..
ألم تكن الصهيونية منصرفة عن المطالبة لليهودية العالمية المظلومة بحقها الشرعي في الاندماج والمساواة والتحرر والمواطنة الكاملة حيث هي في بيئاتها وأوطانها الطبيعية في أوربا وأمريكا إلى الانتقاص من الحق الشرعي لشعب آخر هو عرب فلسطين ,
بل إلى الانتقاض والانقضاض عليه تماماً وتدميره وتشريده ؟
أليس ذلك قمة العنصرية , الشوفينية , الهمجية , الرجعية؟ وإلا فماذا يكون؟
وأخيراً :
عن موقف اسرائيل والصهيونية من اللاجئين
تروج دعاية العدو في العالم أن العرب قد أصبحوا يستخدمون اللاجئين "كعاهة" سياسية , يستدرون بها الدموع..
ويتسولون الشفقة والتعاطف أو التأييد السياسي .. ويستبقون بها الصراع ويشحذونه ..إلخ .
وليس صحيحاً ذلك بالقطع ..
فالعرب أصحاب حق ولن تعوزهم القوة يوماً ما ..
ولكن التناقض والازدواجية في النظرة الصهيونية "هل نقول العوراء؟ " إنما تتبلور حين نلتفت إلى كل قضيتهم المزيفة في العالم أجمع .
لقد استثمرت الصهيونية اضطهاد اليهود واستغلته أبشع وأخس استغلال في سبيل التسول والابتزاز والتشهير والتهديد ..
واتخذت من ضحايا النازية وآلام من نجوا منها أكبر "عاهة" حقيقة في التاريخ جميعاً . .
وهذه العاهة هي الورقة الرابحة التي يلعبون بها في كل مجال ابتداء من البكائيات والاستجداء بالمليارات والطائرات والجبايات والتبرعات إلى لابتزاز والتهديد باللاسامية والمطاردة والقتل . .
إن هذه العاهة - المفتعلة جزئيا, المضخمة دعائيا- هي بحق " المبكى" الجديد الذي تحول إلى " بنك " لا قرار له ..
تلك إذن مجموعة من تناقضات الدعاية الصهيونية الصارخة التي تقيس بمقياسين .. وتكيل بمكيالين فتبدو بوجهين .ز
مما ينفي عنها أي صفة علمية , موهومة, ويصمها بالازدواجية وعدم الأمانة من حيث الشكل ..
فإذا ما تقدمنا إلى انحرافات الرؤية الصهيونية لحقائق الموقف من حيث الموضوع ..فسنجد أن سلسلة التحريف والتشويه تبدأ في الواقع من فجر التاريخ العبري..
غير أننا سوف نقصر أنفسنا هنا أساساً على بدايات اسرائيل في فلسطين المحتلة . وسنرى أن الصهاينة تصور الأحداث منذ 1948تصويراً مقلوباً إلى درجة مروعة جديرة بأن تصدم العقل , ولكنها لا تصمد له .
فأولاً وأصلاً فلسطين ليست "وطنا تاريخيا" لليهود .. كما يزعمون أنهم ضيعوه ولكن لم ينسوه ...
لأن وجودهم فيه انقطع كلية منذ 2000سنة , وقبل ذلك لم يدم إلا فترة قصيرة للغاية أغلبها انقضى في الواقع منذ نحو 4000سنة , وقبل ذلك جميعاً لم تكن فلسطين وطن اليهود الأصلي بل كانوا دخلاء عليه "غزاة" . فلا هو إذن وطن أصلي ولا هو وطن تاريخي , لا هو وطن أب أو أم ولا هو حتى وطن بالتبني ..
هو فقط وبالتحديد احتلال عابر , كاحتلال انجلترا لأجزاء من غرب فرنس بضعة قرون في العصور الوسطى ثم طرد منها . فالقول اليوم بعلاقة بين اليهود وفلسطين هو ادعاء تاريخي خاطئ ولا أساس له من الصحة أو العلم ..
ولكن لا يقل خطورة عن هذا القول بأن هناك علاقة بين يهود اليوم واليهود الذين خرجوا من فلسطين منذ 2000سنة .
فالثابت عمليا وعلميا أن يهود الخروج ذابوا في الشتات تماماً دموياً ودينياً بالتزاوج والتحول ..
ويهود اليوم هم نسل متحولين إلى اليهودية وليسوا من سلالة بني اسرائيل التوراة
ليسوا ساميين ..بل أوربيون أو أمريكيون من سلالات ألبية ونوردية وسلافية ...إلخ
وحين يدعون أرض فلسطين اليوم .. فهي مطالبة غرباء أجانب تماماً بأرض لم تطأها أقدم أجدادهم بالدم
تماماً كما لو ادعاها اليابانيون مثلاً أو الاسكيمو!!
فإذا ما عدنا إلى العام 1918 , فليس صحيحاً أن بريطانيا نالت الانتداب على فلسطين بحجة إقامة الوطن القومي اليهودي..
وإنما انتزعته – كالعراق مثلا- كجزء من مطامعها الامبريالية في المشرق العربي التي هي بدورها جزء من أطماعها في السيدة العالمية . وقد رتبت بريطانيا لابتلاع فلسطين في سايكس بيكو السرية 1915 , بينما لم ترتب لوعد بلفور إلا في 1917 ,
وهذا وحده يكشف تلك المغالطة التاريخية الفجة . أما الصحيح فهو أن الاستعمار البريطاني أقام الوطن القومي اليهودي فقط بقوة وجوده وتسلطه .. أما لماذا ؟
فذلك كصفقة بين قوة استعمارية " بريطانيا" وعميل استعماري " الصهيونية" ثمناً لخدمات وتبعية سابقة ..
ولو لم تكن بريطانيا تحكم أو تتحكم في فلسطين لما أعطت وطناً قومياً أو غير قومي لليهود فيها ..
ولو قد أرادت بريطانيا أن تنال الانتداب وتستولي على فلسطين دون أي مشروع لوطن أو حجة بوطن قومي يهودي لنالته ولاستولت عليها ..
أما الزعم بحجة أو ذريعة يهودية .. فإنما هو غرور عريض لا يصدر إلا عن عقلية معقدة متضخمة الذات مجنونة بالأهمية الذاتية .. Self-important
وإذن, فالوطن القومي اليهودي , إنما هو الذي قام بذريعة الانتداب البريطاني الواهية , لا العكس كما تزعم الصهيونية .
ونقول بذريعة واهية – نفس التعبير الصهيوني المستخدم – لأن الانتداب لا يعطي حقاً -أي حق – في التصرف في الوطن إطلاقاً , والأمر لذلك لا يخرج عن أن " من لا يملك أعطى من لا يستحق" ,
إن مغتصباً أكبر أعطى من الباطن لمغتصب أصغر تابع له وعميل , والاثنان لصوص دوليون ...
بعد هذا فليس صحيحاً كذلك أن الانتداب الاستعماري البريطاني هو الذي خلق التعارض وعمّقه بين العرب واليهود ليسود ..
عمقه , إستغله , نعم , فتلك أصلاً استراتيجيته العظمى في تخريب المنطقة بجلب عناصر أجنبية دخيلة تماماً ..
أما أنه خلقه فذلك فقط بمعنى أنه جلب الدخيل , أما الصراع والتضاد والتصادم فقد كان أمراً محتوماً في ذاته منذ وصل اليهودي الدخيل بفعل أو بغير فعل الاستعمار البريطاني ..
لأن وجود هذا معناه نفي لوجود ذاك , ويستحيل تواجد الاثنين معاً سواء في وجود طرف ثالث أو بلا وسيط ..
ولم تصطدم بريطانيا مع اليهود إلا حين فرض هؤلاء الصدام عليها , لا لشيء إلا من أطماعهم الجشعة وشراهتهم – بعد أن اشتد ساعدهم بتواطؤ بريطانيا بالدقة – تجاوزت خطط بريطانيا ومصالحها نفسها .
فقد كانت تريد اقتسام فلسطين مع اليهود , ولكن هؤلاء كان قد نفذ صبرهم الحاقد وكشفوا عن حقيقة نواياهم الافتراسية المبيتة , وأرادوا الانفرد وحدهم بفلسطين .. وأن يتحولوا من دولة داخل الدولة إلى دولة بدل الدولة !!
أي أن اللصين لم يتصادما إلا حين اختلفا على تقسيم الغنيمة ..
وانتهت بذلك شركة التواطؤ بين المستعمر الكبير والمستعمر الصغير ..
وهي الشركة التي كان كل من الطرفين يتخذ من الآخر وسيلة إلى غاية واحدة هي اغتصاب فلسطين ...
من هنا فإن حرب العصابات التي شنها اليهود على الانجليز كانت حرباً استعمارية بين قوتين استعماريتين على أرض مستعمرة واحدة , ليرث اليهود المستعمر والمستعمر معاً..الانجليز والعرب كليهما ...
في ضوء هذا كله يتكشف المزيد من أكاذيب الصهيونية وأضاليلها وأباطيلها .
فمن التلفيق المذهل أن يقال أن كلا من العرب واليهود كانوا مستعمرين تحت بريطانيا ..
وانما الصحيح أن العرب كانوا مستعمرين تحت بريطانيا وتحت اليهود , في ظل "استعمار ثنائي" يعني , استعمار من أعلى واستعمار من أسفل , استعمار من الظاهر واستعمار من الباطن ..
فلم يكن اليهود إذن مواطنين فلسطينيين تحت الانتداب كما يزعم مزراحي , بل مهاجرين دخلاء مفروضين تحت سيف الانتداب .
ومن السخرية المخزية حقاً أن يتساءل داعية صهيونية قائلاً :
لقد عاش العرب واليهود في التاريخ في صداقة وإخصاب متبادل وتعاون , فلماذا لا يستمر هذا التاريخ في صداقة وإخصاب متبادل وتعاون , فلماذا لا يستمر هذا اليوم مع اسرائيل ؟
ونحن نقول :
نعم ..
لقد عاش اليهودي في الماضي بين العرب ضيفاً , وضيفاً مكرماً ,
ولكنه اليوم ينزل على بيتهم لصاً , غاصباً , قاطع طريق ..
والضيف يكرم ولكن هل للص إلا المطاردة والعقاب ؟
"""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""
هذا غيض من فيض .. ليس قولنا .. ولكن وإن كانت قامتنا تعجز عن بلوغ هامة قائله .. فإن كل حرف مما خطته يده محفور في صدورنا .. مجسد أمام أعيننا .. مكين في قلوبنا .. ولئن رحل عن عالمنا رحيل الأبطال الأسطوريين .. ورحيل العلماء الساكن الهادر .. فإن ما تركه لنا من بعد النظر .. ومن صحيح الرؤى التى - لولا مخافة الشرك- لقلنا أنها من وراء الحجب .. فهي إلى فراسة بن الخطاب أقرب .. لقد خبرهم ودرسهم وفهمهم وعلمهم وأحاط بهم وبزيفهم وبزعمهم وبكذبهم وبمخططاتهم ضد الأمة العربية والإسلامية .. لذلك كشفهم في غير موضع وأزاح أستار الغشاوة عن أعيننا فرأيناهم على حقيقتهم لا كما يريدون لنا أن نراهم بما يريدون ..
إنه العالم الفذ "المصري" "العربي" "المسلم" الراحل الدكتور / جمال حمدان .. إنه أجمل معزوفة ناي عزفها تاريخ مصر على شاطئ عمرها .. إنه إحدى الذخائر المسلمة العربية المصرية التي حفظت لنا نسخة من تاريخ أصالتنا وحضارتنا وهويتنا وحقوقنا وعروبتنا وإسلامنا ومصريتنا في وسط هذا الركام القمىء والعصر الردىء الذي يتبرأ فيه أبناء العروبة من عروبتهم ويتنكر فيه أبناء الإسلام لدينهم .. ويتجرد فيه أصحاب الحق والأرض من حقهم وأرضهم .. ويسلمون للمغتصب بحجته الزائفة .. ويقرون للص بملكيته لما سرقه وبحقه في أن يسرق ويسرق ..
نصف قرن مضى على ما سرده العالم الدكتور/ جمال حمدان .. وكأنه قد قيل بالأمس .. قد أجاب حمدان منذ نصف قرن على ما قد يغم علينا اليوم . فالصهاينة هم الصهاينة مهما اختلف الزمن ... ولا يمكن أن أن يعالج مرور الزمن أو طوله باطلاً ليقلبه حقاً .. فالحق حق .. وفلسطين عربية .. وما جاءها إلا دخلاء .. عابرون ... مستعمرون ..احتلوها في أكبر حيلة وأكذوبة في التاريخ ..
أما الكتاب فهو عبارة عن عدد من المقالات جمعها شقيق الراحل الدكتور عبدالحميد صالح حمدان وقدمها في كتاب بعنوان (فلسطين أولاً) عن مكتبة مدبولي .. وجمال حمدان ابن مصر وابن العروبة وابن الاسلام وما عقمت مصر و ما عقمت العروبة وما عقم الإسلام أن يلدوا ابناء - علماء - مخلصين - ينيروا لشعوبهم الطريق .. ويبصرون أبناء جلدتهم بما يحيق بهم من شرور ومن كيد أعدائهم .. والله متم نوره ولو كره الكافرون ....
التعليقات (0)