فلسطين : الحلم والتاريخ
كان اليهود البريطانيون هم أول من فكرّوا في استعمار فلسطين، بعد نابليون بونابرت الذي قام سنة 1799 بالمحاولة الاولى لاسكان اليهود في فلسطين، وذلك تحقيقاً لأغراضه الاستراتيجية، لكن محاولته هذه فشلت بعد فشل حملته من مصر على سوريا، وفي عام 1835 أسس الثري اليهودي "موسى مونتفيوري" أول مدرسة يهودية في فلسطين، كما زار مصر عام 1837 م وكانت فلسطين كجزء من بلاد الشام خاضعة لمحمد علي في ذلك الوقت، وعرض عليه مشروعاً لإسكان اليهود في فلسطين، ويقال أن محمد علي أبدى تعاطفه مع المشروع، لكن حكمه زال من البلاد بعد هذه الزيارة بسنتين، وعندئذ توجه مونتفري الى " إستانبول"، حيث عرض مشروعه على السلطان العثماني وحصل منه على فرمان إستطاع بموجبه شراء أراضي في مدينتي يافا والقدس، وكانت هذه أول أراضي يمتلكها اليهود في فلسطين وذلك عام 1854 م حيث أقيم عليها أول حي يهودي يدعى "حي مونتفيوري" في القدس.
وبعد بناء قناة السويس، وبعدما تبين لبريطانيا إنه لتأمين مصالحها في الشرق لابدّ من إستعمار فلسطين ومصر، فأقنعت اليهود الأوروبيين بضرورة الإستيطان في فلسطين، لذا تأسست لهذا الغرض عدّة شركات إستعمارية لعلّ أبرزها المنظمة الصهيونية العالمية عام 1898 م، والصندوق القومي اليهودي وكانت مهمته شراء الأراضي وتطويرها إستعداداً لإستيطانها ...
بقد أنشئت المستعمرات الأولى في فلسطين في زمن الحكم العثماني، ومنذ عام 1870 م بنى الرأسمالي اليهودي "ادموند روتشيلد " أول معهد زراعي صهيوني في فلسطين قرب يافا لشراء الأراضي ونشر اللغة العبرية وإقامة المستعمرات ...
إن أهم خطط الغزو الإستيطان الصهيوني الإستعماري لفلسطين قامت على إحتلال الاراضي، ومن خلال هذا العرض والذي تم إقتباسه من مصادر عدّة أهمها كتاب "فلسطين : أرض وتاريخ"، للدكتور محمد سلامة النحال، نقف على حقيقة تاريخية مفادها أن سياسة تهجير السكان الأصليين كان بتآمر قوى غربية وإسلامية مما يفسرّ بروز عصابات كـ "الهاقانا" و"شتيرن" اللتان قامتا بترويع الفلسطينيين وتهجيرهم قسراً من أراضيهم وقراهم، ولهذا فإننا وعندما نلقي نظرة على السياسات الاسرائيلية الحالية من تجريف وإستيلاء على أراضي الفلسطينين وبناء المستوطنات بدلاً عنها، وهذا الاستيلاء المادي رافقه إستيلاء ثقافي من تحويل مواقع أثرية فلسطينية والسطو عليها ونسبها للكيان الصهيوني كما انتهجت سياسة تعليمية تعتمد على تزييف التاريخ وإستبعاد اللغة العربية من المناهج التعليمية كلّيا.
إن تحالف الثنائي : الإستيطان والإستعمار الثقافي، سلاح الحركة الصهيونية التي ترعرت في ظلّ القوى الإستعمارية الكبرى والتي سعت العديد منها إلى التخلص من اللوبي الصهيوني وزرعه في قلب الأمة العربية ...
وبمباركة من المجتمع الدولي وتواطىء المنظمات الأممية التي سعت إلى تحويل الفلسطيني إلى لاجىء بل عمدت الى غرس ثقافة اللجوء كمخطط لإجتثاث الإنتماء لديه وتحويله من صاحب حق إلى طالب لمعونة، وبذا تحولت كلّ قضيته من قضية أرض الى البحث عن خيمة لجوء، وفي هذا الإطار نفهم نشاط ما يسمى بالمنظمات الإنسانية وتحت مظلة أممية وبرعاية الدول الغربية جعلت من الفلسطيني طالب معونة، بل الأنكى من هذا أن تُساهم الحكومات العربية في تبني هذا الطرح لدرجة جعلت بلدان اللجوء من الفلسطينيين ورقة إبتزاز مادي والسمسرة في أحايين عدّة ...
وبين التاريخ والواقع ومنذ 1948 م، لم يعرف الفلسطيني غير النكبة تليها نكسة ليبقى الحلم قائماً، هذا الحلم الذي يستند إلى تشبث الفلسطيني بأرضه وإصراراللآجئين على حق العودة، حلم بدأت تباشيره تشّع من خلال ما تعرفه الساحة العربية من تغيرات عبر الإطاحة بالأنظمة الكرتونية وقبر عقلية السمسرة بالقضايا المركزية، إنه حلم يستند إلى قوة شابة وفتية ستصنع ربيع أمتها عبر التغيير والتوحيد وجعل فلسطين قبلتها نحو التحرير ...
كلّ ما عرفه الواقع كان بالأمس القريب حلما، والأمة التي لا تحلم لا تتقدّم، فهل يستمر الحلم أم أنه يُترجم للوحة تمتزج بألوان الواقع الثوري العربي ... لنرى
التعليقات (0)