مواضيع اليوم

فلسطينيو ال 48 وفتاوى عزلهم

حنان بكير

2012-07-11 10:29:58

0


لا يجادل أحد منا في معاناة الفلسطينيين الذين تجّذروا في أرضهم عام 1948. بل ان احدا لا يجرؤ على تخيل مقدار الألم والعزلة التي عاشوها مع بداية النكبة التي قلبت حياتهم، وجعلتهم أقلية معزولة وسط اجراءات عسكرية قمعية، تعمد الى كل الاساليب الوحشية لحملهم على المغادرة. لكنهم بقوا .. تشبثوا.. وتجذروا، مع الحفاظ على فلسطينيتهم وما تبقى لهم من أرض.
عاش الفلسطينيون في الداخل عزلتين: عزلة فرضتها الامم المختلفة التي غيّرت مجرى تاريخهم، ووجدوا انفسهم وسط زحام من ثقافات مختلفة ولغات غريبة. ثم كانت عزلة فرضها أبناء شعبهم العربي.. وبقيت اوضاع هذا الجزء من شعبنا المنسي، غامضة والغموض عادة ما يوحي بالرهبة والخشية. بل ساد شعور عند البعض أنهم اصبحوا جزءا من المجتمع الاسرائيلي تارة، وتارة اخرى كان النظر اليهم كجواسيس. وهذه حقيقة نتيجة ظروف الانقطاع.
مع انبثاق الثورة الفلسطينية عام 1965، تنفس فلسطينيو ال 48، الصعداء بفتح ثغرة في جدار عزلتهم، وعودة التواصل الجزئي مع اهلهم في الدياسبورا. وشكّل الشعر والادب الفلسطيني في الداخل رافدا مهما، في نقل صور ومعاناة تلك المرحلة. لن أتحدث هنا عن أوضاع الفلسطينيين في تلك المرحلة، وسأترك ذلك، لعرض كتاب مهم دوّن لتلك المرحلة. وقد نشر المقال في مجلة الشاهد ايلول 1999. وسأعيد نشره لاحقا بعد هذا المقال.
هذا الانفتاح والتواصل بين أجزاء الشعب الواحد، لم يرق للكثيرين من المزايدين والمتاجرين بالقضية. وهذه المرة، ليس فقط لآستقطاب الجماهير العربية، وانما لإعادة التجزئة والعزل بينهم. وفي هذه المرّة تدخلت السماء بهذه القضية! فصدرت الفتاوى من مشايخ نصبت نفسها ناطقة بإسم الاله العظيم! فتاوى تحرّم زيارة فلسطين وهي تحت الاحتلال وأن هذه الزيارات هي نوع من " التطبيع" !!
وتجاهل هؤلاء تجار الفتاوى، وعلى رأسهم الدكتور فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي. الذي راقت له سلطة رجال الكنيسة في اوروبا في القرون الوسطى! فأفتى بقتل بعض الرؤساء، ورجم الرئيس الفلسطيني محمود عباس لتفاوضه مع الاسرائيليين.. لكنه صمت، صمت ابي الهول، وسكون البلاد الباردة في ليالي الشتاء المعتمة. لم يصدر اي فتوى بحق الامير الذي زار اسرائيل، ولا زيارة الزعماء الاسرائيليين لقطر ولمكتب قناة الجزيرة، حيث استقبلوا بحميمية، ورأينا فرح بعض المشايخ وهم يأخذون بركة شيمون بيريز، وكأن وحيا سماويا قد ظهر لهم!
لم تعد اي دولة عربية، خارج الدائرة الاسرائيلية! من معاهدات واتفاقيات موقعة، الى بعثات تحت شعار التعاون الاقتصادي او التجاري او... او... وبشكل علني او مخفي.. وكأن القضية قد حلت بشكل عادل يرضي الجميع. وهذا بالطبع ليس تطبيعا ولا اعترافا !!!
لكن زيارة أقارب حرموا من بعضهم مدة خمسة وستين عاما، فهذا حرام وهذا تطبيع مع العدو! على مدار خمسة وستين عاما! كم من جيل من الفلسطينيين قد رحل عن هذه الدنيا؟ وهل حرام على هذا الجيل من شعبنا الذي اراد الانفتاح على اهله والتعرف اليهم، أن يلتقيهم وتتعارف الاجيال التي لا تعرف تاريخها الا من خلال حكايا الراحلين؟ أليست هذه الفتاوى تصب بنفس ذات المقولة: الكبار يموتون والصغار ينسون؟ ولماذا تأتي هذه الفتاوى في هذا الوقت! وقت التسارع لتهويد القدس، وتمدد المستوطنات؟ والغير مفهوم، هو علاقة الاوامر السماوية بقضية سياسية وطنية؟ هل هي وحي أوحي به الى أصحاب صكوك الغفران؟ ألم تنقطع علاقة السماء بالآرض منذ 1500 سنة؟ فمن أين جاءت تلك الفتاوى؟ من مشايخ تحيا حياة البذخ والترف كما في زمن القياصرة وملوك القرون الوسطى.
يستشهد البعض بموقف البابا شنودة، الذي لا غبار على وطنيته ومواقفه المشرّفة، وتحريمه الحج الى القدس وهي تحت الاحتلال! والسبب، ليس مزايدة من البابا شنودة رحمه الله، بل لأن المسيحي المشرقي اي العربي، مدان ومتهم ومشكوك بولائه وانتمائه للأمة العربية، وبحسب الدين فهو متجانس مع الغرب.. وينسى هؤلاء ان المسيح ليس فقط ابن هذه المنطقة بل هو فلسطيني المولد والنشأة والصلب، واننا نحن من صدّرنا المسيح والمسيحية الى الغرب! تحريم البابا جاء ليتناغم ويتعاضد مع موقف الشعب المصري الذي رفض التطبيع!
في فلسطين جمعيات ومؤسسات، التقيت بعضها في اوسلو، تقوم بعمل وكالات السياحة، حيث تتكفل بتنظيم الرحلات الى فلسطين عبر وكالات فلسطينية، وفنادق فلسطينية وتقوم بشرح وتعليم تاريخ المنطقة، فتكون بذكل قد أدّت خدمة اقتصادية للفلسطينيين، وقامت بالتعريف بالتاريخ الصحيح للبلد، وزادت من تواصل الأسر مع بعضها، او التعارف بين ابناء الشعب الواحد، فما الخطأ في ذلك؟ ولماذا لا يتم تشجيع مثل تلك المؤسسات والتواصل معها؟
الجيل الذي انتمي اليه هو اخر الاجيال التي ولدت في فلسطين. لم نعط الفرصة للتعرف على جغرافيتنا، فقط تنشقنا القليل من هوائها ورحلنا أو رحّلنا قسرا. لكنا حفظنا تاريخها وجغرافيتها من الكبار الذين رحلوا.. فنما الوطن في الوجدان، ألا يحق لذاكرتنا ان تتجسد وترى ان الوطن ليس شيئا وجدانيا او حالة وجد تتلبسنا، بل هو وطن يشبه كل الأوطان! أرض وسماء وهواء وبحر وعصافير تغرد في الجليل.. وأن شعبنا هناك، شعب مثل كل الشعوب التي خبرناها في ترحالنا الطويل! هم يزرعون الارض ويأكلون خيرها ويتزوجون وينجبون ويفرحون ويبكون.. هم أناس كسائر خلق الله!
التحريم هذا، إنما هو كلمة حق يراد بها باطل! وعلى من له أهل، حق زيارتهم لتتعارف الاحفاد على بعضها.. ومن حصل على جواز سفر أوروبي عليه ان يزور مع أبنائه وأحفاده تلك الارض.. ويشاهدوا بيوتهم المدمّرة او المسكونة بالغرباء!!
والأجدى برجال الدين اصدار الفتاوى التي تحمي القدس وتدعم صمود ابنائها، وليتهم يتبرعون بالقليل من أموالهم ولو زكاة تلك الاموال التي يخزنوها، لدفع تكاليف حفاظ المقدسي على بيته وبستانه! وأن لا تكون فتاوى تزيد من عزلتهم وحصارهم وحرمانهم من أحبائهم.. أو فليصمتوا ويكتفوا بالانشغال بجسد المرأة وانواع الزواج وإجازة زواج القاصرات!!
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !