فلسطين: دولة مستقلة عاصمتها القدس الشريف :
توحي تلك الحمية التي تميز الجامعة العربية والسلطة الفلسطينية للتوجه إلى الأمم المتحدة في شتنبر القادم من أجل الإعلان عن دولة فلسطينية مستقلة، ودفع الدول في العالم إلى التحلي بالجرأة لدعم هذا التوجه، أننا أمام نجاح باهر للثورات العربية وللحركية السياسية في العالم العربي. وعلى رغم أن المعركة السياسية وحتى العسكرية مع إسرائيل هي العامل الحاسم الأخير والنهائي في تحقيق النتائج والأهداف، فإن المعركة التي تقودها السلطة الفلسطينية اليوم مع الجامعة العربية يمكن لها أن تحقق الكثير من الأهداف أقلها معرفة حقيقة الدول العظمى، والأوربية منها على الخصوص، والتي تتبجح بالديمقراطية وتحقيق العدالة الكونية والحقوق والسلام العالمي وغيرها من المفاهيم التي نتمنى صادقين أن تتجلى في مواقف هذه الدول في شتنبر القادم .
إن المعنويات الجيدة التي يتحلى بها الجميع اليوم في فلسطين وفي العالم العربي، هي جوهر النجاح، فالمعنويات الجيدة تمثل الكثير من القوة وترفع من الجاهزية لاحتمال كل النتائج المترتبة على القرارات المتخذة .
فهذه الحمية وهذه الحركية السياسية الجديدة تجعلنا نؤمن بأن الضغط الشعبي الفلسطيني الذي نجح في إنهاء الخلاف بين حركتي فتح وحماس، وجعلهما يجلسان على طاولة واحدة للتحاور حول مستقبل الوطن والشعب الفلسطينيين مع تجاوز خلافات الماضي والتفكير في إيجاد صيغ جديدة للخروج من عنق الزجاجة التي وضعتا نفسيهما فيها منذ سنوات خلت كانت كافية لإسرائيل لكسب بعض النقاط لصالحها. فالسياسة الاستعمارية الصهيونية تقوم على سياسة "فرق تسد" وعلى أسلوب يرمي إلى إبقاء الخلاف بين أكبر مكونين سياسيين في فلسطين، وهذا ما جعلها تتفوق سياسيا طوال مدة هذا الخلاف، أدى مباشرة إلى تقويض عمل المقاومة المسلحة وحتى المقاومة السياسية المبنية على التفاوض الذي ترعاه الولايات المتحدة الأمريكية واللجنة الرباعية، ورغم أن هذا التفاوض يظهر أن نية الوسطاء المذكورين غير واضحة ويظهر أيضا أن هناك انحيازا واضحا تجاه الطرف الإسرائيلي، فإن العديدين باركوه لكي لا يقال أن الفلسطينيين والعرب ضد السلام حتى يثبت العكس، وقد ثبت أخيرا بواسطة جرائم الاحتلال ومجازره وسياساته الاستيطانية الإجرامية .
يكشف الاتفاق بين حركتي حماس وفتح أن هناك رغبة شعبية فلسطينيا وعربيا في تحقيق هدف دولة فلسطينية واسترجاع القدس وحماية المسجد الأقصى من التدنيس الصهيوني، وتحقيق التعايش الإنساني دينيا واجتماعيا وفكريا ضمن دولة فلسطينية مدنية تضمن الحريات الدينية والثقافية والسياسية. وهذا لن يتحقق إلا بطريقة واحدة وهي الضغط على أمريكا حليفة إسرائيل وراعيتها لترفع دعمها الظالم لهذه الأخيرة، وبذلك فالذهاب إلى الأمم المتحدة في شتنبر القادم يمر عبر الضغط على الولايات المتحدة ومقايضتها سياسيا واقتصاديا مقابل الاعتراف بدولة فلسطين عاصمتها القدس الشريف. فالعرب اليوم يملكون الكثير ليقايضوا به أمريكا وليضغطوا عليها، فإضافة إلى سلاح النفط والغاز، هناك مصالحها الاقتصادية الكبيرة واستثماراتها الكثيرة في المنطقة العربية التي تعتبر صيدا ثمينا للضغط عليها، علاوة على ذلك، فالعرب يملكون شعوبا عظيمة قادرة على تغيير وإصلاح أنظمتها الخانعة والضعيفة .
إن الفرصة مواتية اليوم للفلسطينيين لكي يضغطوا على بعض الحكام العرب المتخاذلين في مساندتهم، والسبيل الوحيد لديهم هو اللجوء إلى الشعوب العربية للضغط على حكوماتها لمساندة إخواننا في فلسطين. فالتغيير تصنعه الشعوب بنفسها، والنصر يأتي بالصبر والتضحية والوعي بالحقوق والواجبات، وهذا ما أصبحنا نعيشه عند شعوبنا العربية اليوم .
إن التصور السياسي لتأسيس دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشريف، ولدحر الاستعمار الصهيوني، يمر عبر الاستفادة من الثورات العربية وبوادر الإصلاح التي تمر بها العديد من الدول العربية، ومن الوعي السياسي الذي بدأ يتجلى واضحا عند الكثير من الشعوب العربية التي خلقت حركية سياسية وفكرية جديدة ساهمت في التخلي عن ثقافة الخوف والجمود والموات التي عمرت لعقود كثيرة كانت كافية لقتل إرادة الإصلاح والتغيير لولا ثورة البوعزيزي التونسية وثورة الشعب المصري العظيم، وباقي الشعوب العربية الأخرى التي خرجت عن صمتها وقررت الإصلاح والتغيير .
ورغم عدم موافقة أمريكا وبعض الدول الغربية على قرار السلطة الفلسطنية، إذ ينظرون إلى الغاية من هذا القرار التي تهدف إلى تحقيق دولة مستقلة ورفع الغطاء الاستعماري الصهيوني على فلسطين، مما يحيل إلى إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي الذي استنزف الأمة العربية التي تريد الخروج منه نحو البناء والتطور، وهذا لا يخدم الإمبريالية الغربية التي تريد الإبقاء على إسرائيل شوكة في حلق الأمة العربية وإغراقها في المشاكل التي تحول دون إصلاح أحوالها وأوضاعها، ولذلك فالفرصة الآن مواتية لأصحاب القضية جميعهم لإنهاء هذا الصراع، أولا بالتوجه إلى المؤسسات الدولية وأحراج العالم، وثانيا بعدم التخلي عن خيار المقاومة المسلحة التي تعتبر الوسيلة الناجعة للضغط على العدو الصهيوني للتنازل، والتفكير ألف مرة كلما أقدم على قرار سياسي أو عسكري معاد .
لقد تأسست الأمم المتحدة لإشاعة المثل العليا لحقوق الإنسان والحفاظ على السلم العالمي، ولذلك فعلى كل من يحس بالظلم وأن حقوقه مهضومة أن يلتجأ إليها قصد رفع هذا الظلم وإحقاق الحقوق إلى أهلها. والشعب الفلسطيني تنطبق عليه هذه الصفات، فهو مظلوم وحقوقه مهضومة وأرضه محتلة وأمنه واقتصاده يُسرق على أيدي المحتلين والمستعمرين، وبذلك عليه أن يرفع شكواه إلى الأمم المتحدة لإرجاع حقوقه وإخراج المحتل من أرضه ووطنه .....
عزيز العرباوي
كاتب وباحث
التعليقات (0)