رائحة المطر وهي تعانق الارض المتعطشة للحظة اللقاء تأسره ، وتأخذه من نفسه بعيدا حيث الخصب والنماء ، بعيدا في اعماق الارض ، هناك عند الجذور المنغرسة الضاربة في البعد ، يلتقيان راسم والمطر .. راسم والأرض .
يرقب الغيمة بوله شديد ، ولوعة الانتظار ، وكأنه عاشق على ناصية الطريق بقي ينظر معشوقته سنين .. راسم لا يمل من الانتظار .. مجبول مع تراب الارض ، معجون من طينها ، قوي كصخرتها العصية على التحطم او العزل ، مرهف.. لين .. كما لو ان عشبة طرية لينة تخترق الصخر .. مدفوعة بارادة الحياة .. مدفوعة بقوة النمو .. ورغبة الاخضرار .. في قسوة التصحر والصخر ..
يعشق الأرض والتراب والصخر .. تماما كما يعشق النبتة والعشبة ، وكما يعشق الخصب والعطاء ، مدفوعا بوجع قديم يحز في جرح ما برح يدميه .. ينبت على ضفتيه حلم قديم عتيق قادم من الأعماق البعيدة من وجع بردلا والساخنة وبيسان وطوباس .. يرسو به على شاطىء الحرمان والبعد ، على ناصية اللجوء في الزاوية الغربية من المخيم قرب ..ارض أحبها ..وعشقها .. تعلق بها ..ولعلها تعلقت به .. وارتبطت ..
يدرك لغة المحراث .. يفهم لغة الانجراف .. ويتقن لغة الحصاد لأنه نذر ما فيه لها .. وبقي صادقا لنفسه
مولعا بها ..يربت عليها كما يربت على باسم ... كما يدلل بناته .. يدللها .. يحنو عليها .. يدرك في لحظة ما تريد ومتى تريد وكم تريد وكيف تريد أن يتم كل ذلك .. هي مدللة تدرك .. كأنها تدرك إنها تتدلل عليه وهو يعرف إنها تعرف مقدار عشقه وغرامه وتعلقه ... فيبذل من وقته وجهده وماله .. ويجلس يرقبهاوهي تتفتق عن الحبِ والحب .
ينتظر على الشرفة بوجع الانتظار كله ، تلبد الغيم وتراكمه .. يحسب حساب الأشهر القمرية والميلادية ينتظر مواسم الخير والهطول ..وما ان تتراكم الغيمة فوق معشوقته التي أحب حتى يقف كناسك في معبد ..
صامتا يرقب الأفق الأسود القادم .. يتلهف لصوت الرعد .. يبتهج للمعان البرق .. يصغي لصوت المطر .. يترقب وصوله كضيف عزيز .. يتشمم رائحة التراب وهو يعانق حبات المطر .. يرهف السمع .. يستمع لسيمفونية عزفتها قدرة الخالق .. يرشف من كاس الشاي الساخن وهو يرقب بشوق وحب تكون السيل .. يتحسس بقلبه تشعب وتشرب الماء في الأرض .. يدخل في مسامات الارض يتبع الماء وكأنه يوزعه بمعرفته على حبات الرمل .. بحب وعدل ...
وما ان يطمئن إلى ذلك يخلد إلى مقعده هانئا مطمئنا .. يرقب الغيمة القادمة .. وينثر ألاماني العظام على مائدة الأطفال ..قرب موقد يترقرق بنار هادئة تبث الدفء والأمان .. ينثر ألاماني ..لموسم حصاد قادم ..
يبتسم الصغار يبتسم باسم وام باسم .. يشعرابو باسم ( راسم ) انه على أبواب الجنة .. ويبذر في مخيلته البذار ، يرقبه ينمو ، يرعاه ، يحميه .. يحصد الحصيد .. وتنشأ في قلبه أناشيد وقصيد .. ويغني بأغنيته الكبيرة الأثيرة .. الموسم عال العال........ .
هذا هو صديق راسم يدرك كل ذلك كما يحب الأطفال وعمله كمدرس للغة الإنجليزية لأطفال الصف الخامس والسادس .أراه يغني معهم .. ويلعب مثلما يلعبون .. طفل صغير هو بثوب رجل كبير ، ينسى للحظات انه على عبر دهليز الأربعين ليوغل في درب مشرعة على الخمسين .. يدرك بمصداقية وحب ، وعفوية غير مقصودة أن دروب الحصاد لم ولن تكون درب واحدة ..
فكما يحصد القمح والحب والخضار .. يحصد النجاح والأمل المزروع في قلوب وعقول أطفال مدرستنا .. ذلك حصاد وهذا حصاد ولكنه حصاد الفكر والعقل والنجاح ، نراه ابتسامات ورضا في عيون الإباء والأمهات
راسم ...
أراك غابة زيتون وباقة ورد ، ونبع ماء ..
أراك موسم حصاد ، ومنجل فلاح
أراك كتابا مفتوحا على السماء
وجوقة فرح تغني ،
وعشرات النجوم ترقص ،
وكرم عنب يورق من الأرض إلى السماء.
سميتك عاشق الأرض ، فتفاخرت بك الأسماء
ورقصت على الضفاف شجرة دفلى
وفر طائر
وزغردت لصوت البارود حسناء
فأشرقت شمس وتلاشت افياء
موسمك مطر وحفنة قمح،
وببدرك حبً
وعرسك حفلة حناء
التعليقات (0)