مواضيع اليوم

فكر قبل أن تعمل

أسامة هوادف

2011-11-22 15:55:22

0

 

السلام عليكم ورحمة الله و بركاته

 


روي أن أحد الولاة كان يتجول ذات يوم في السوق القديم متنكرا في زي تاجر ،

 

وأثناء تجواله وقع بصره على دكانٍ قديمٍ ليس فيه شيء مما يغري بالشراء ،

 

كانت البقالة شبه خالية ، وكان فيها رجل طاعن في السن ، يجلس بارتخاء على مقعد قديم متهالك ،

 


ولم يلفت نظر الوالي سوى بعض اللوحات التي تراكم عليها الغبار ،

 

اقترب الوالي من الرجل المسن وحياه ، ورد الرجل التحية بأحسن منها ،

 

وكان يغشاه هدوء غريب ، وثقة بالنفس عجيبة .. وسأل الوالي الرجل :

 

دخلت السوق لاشتري فماذا عندك مما يباع !؟

 

أجاب الرجل بهدوء وثقة : أهلا وسهلا .. عندنا أحسن وأثمن بضائع السوق !!

 

قال ذلك دون أن تبدر منه أية إشارة للمزح أو السخرية ..

 

فما كان من الوالي إلا ابتسم ثم قال :

 

هل أنت جاد فيما تقول !؟

 

أجاب الرجل :

 

نعم كل الجد ، فبضائعي لا تقدر بثمن ، أما بضائع السوق فإن لها ثمن محدد لا تتعداه !!

 

دهش الوالي وهو يسمع ذلك ويرى هذه الثقة ..

 

وصمت برهة وأخذ يقلب بصره في الدكان ، ثم قال :

 

ولكني لا أرى في دكانك شيئا للبيع !!

 

قال الرجل : أنا أبيع الحكمة .. وقد بعت منها الكثير ، وانتفع بها الذين اشتروها ....!

 

ولم يبق معي سوى لوحتين ..!

 

قال الوالي : وهل تكسب من هذه التجارة !!

 

قال الرجل وقد ارتسمت على وجهه طيف ابتسامة :

 

نعم يا سيدي .. فأنا أربح كثيرا ، فلوحاتي غالية الثمن جدا ..!

 

تقدم الوالي إلى إحدى اللوحتين ومسح عنها الغبار ، فإذا مكتوبا فيها :

 

( فكر قبل أن تعمل ) ..تأمل الوالي العبارة طويلا .. ثم التفت إلى الرجل وقال :

 

بكم تبيع هذه اللوحة ..!؟

 

قال الرجل بهدوء : عشرة آلاف دينار فقط !!

 

ضحك الوالي طويلا حتى اغرورقت عيناه ، وبقي الشيخ ساكنا كأنه لم يقل شيئا ،

 

وظل ينظر إلى اللوحة باعتزاز .. قال الوالي : عشرة آلاف دينار ..!! هل أنت جاد ؟

 

قال الشيخ : ولا نقاش في الثمن !!

 


لم يجد الوالي في إصرار العجوز إلا ما يدعو للضحك والعجب ..

 

وخمن في نفسه أن هذا العجوز مختل في عقله ، فظل يسايره وأخذ يساومه على الثمن ،

 

فأوحى إليه أنه سيدفع في هذه اللوحة ألف دينار ..والرجل يرفض ، فزاد ألفا ثم ثالثة ورابعة

 

حتى وصل إلى التسعة آلاف دينار .. والعجوز ما زال مصرا على كلمته التي قالها ،

 

ض حك الوالي وقرر الانصراف ، وهو يتوقع أن العجوز سيناديه إذا انصرف ،

 

ولكنه لاحظ أن العجوز لم يكترث لانصرافه ، وعاد إلى كرسيه المتهالك فجلس عليه بهدوء ..

 


وفيما كان الوالي يتجول في السوق فكر ..!!

 

لقد كان ينوي أن يفعل شيئا تأباه المروءة ، فتذكر تلك الحكمة ( فكر قبل أن تعمل !! )

 

فتراجع عما كان ينوي القيام به !! ووجد انشراحا لذلك ..!!

 

وأخذ يفكر وأدرك أنه انتفع بتلك الحكمة ، ثم فكر فعلم أن هناك أشياء كثيرة ،

 

قد تفسد عليه حياته لو أنه قام بها دون أن يفكر ..!!

 


ومن هنا وجد نفسه يهرول باحثا عن دكان العجوز في لهفة ،

 

ولما وقف عليه قال : لقد قررت أن أشتري هذه اللوحة بالثمن الذي تحدده ..!!

 

لم يبتسم العجوز ونهض من على كرسيه بكل هدوء ، وأمسك بخرقة ونفض بقية الغبار عن اللوحة ،

 

ثم ناولها الوالي ، واستلم المبلغ كاملا ، وقبل أن ينصرف الوالي قال له الشيخ :

 

بعتك هذه اللوحة بشرط ..!!

 

قال الوالي : وما هو الشرط ؟

 

قال : أن تكتب هذه الحكمة على باب بيتك ، وعلى أكثر الأماكن في البيت ،

 

وحتى على أدواتك التي تحتاجها عند الضرورة ..!!!!!

 

فكر الوالي قليلا ثم قال : موافق !

 

 

وذهب الوالي إلى قصره ، وأمر بكتابة هذه الحكمة في أماكن كثيرة في القصر ،

 

حتى على بعض ملابسه وملابس نسائه وكثير من أداواته !!!

 

وتوالت الأيام وتبعتها شهور ، وحدث ذات يوم أن قرر قائد الجند أن يقتل الوالي لينفرد بالولاية ،

 

واتفق مع حلاق الوالي الخاص ، أغراه بألوان من الإغراء حتى وافق أن يكون في صفه ،

 

وفي دقائق سيتم ذبح الوالي !!!!!

 

ولما توجه الحلاق إلى قصر الوالي أدركه الارتباك ، إذ كيف سيقتل الوالي ،

 

إنها مهمة صعبة وخطيرة ، وقد يفشل ويطير رأسه ..!!

 

ولما وصل إلى باب القصر رأى مكتوبا على البوابة : ( فكر قبل أن تعمل !! )

 

وازداد ارتباكا ، وانتفض جسده ، وداخله الخوف ، ولكنه جمع نفسه ودخل ،

 

وفي الممر الطويل ، رأى العبارة ذاتها تتكرر عدة مرات هنا وهناك :

 


( فكر قبل أن تعمل ! ) ( فكر قبل أن تعمل !! ) ( فكر قبل أن تعمل !! ) .. !!

 

وحتى حين قرر أن يطأطئ رأسه ، فلا ينظر إلا إلى الأرض ، رأى على البساط نفس العبارة تخرق عينيه ..!!

 

وزاد اضطرابا وقلقا وخوفا ، فأسرع يمد خطواته ليدخل إلى الحجرة الكبيرة ،

 

وهناك رأى نفس العبارة تقابله وجها لوجه !!( فكر قبل أن تعمل !!) !!

 

فانتفض جسد ه من جديد ، وشعر أن العبارة ترن في أذنيه بقوة لها صدى شديد !

 


وعندما دخل الوالي هاله أن يرى أن الثوب الذي يلبسه الوالي مكتوبا عليه :

 

( فكر قبل أن تعمل !! ) ..

 

شعر أنه هو المقصود بهذه العبارة ، بل داخله شعور بأن الوالي ربما يعرف ما خطط له !!

 

وحين أتى الخادم بصندوق الحلاقة الخاص بالوالي ، أفزعه أن يقرأ على الصندوق نفس العبارة :

 

( فكر قبل أن تعمل ).. !!

 

واضطربت يده وهو يعالج فتح الصندوق ، وأخذ جبينه يتصبب عرقا ،

 

وبطرف عينه نظر إلى الوالي الجالس فرآه مبتسما هادئا ، مما زاد في اضطرابه وقلقه ..!

 


فلما هم بوضع رغوة الصابون لاحظ الوالي ارتعاشة يده ،

 

فأخذ يراقبه بحذر شديد ، وتوجس ، وأراد الحلاق أن يتفادى نظرات الوالي إليه ،

 

فصرف نظره إلى الحائط ، فرأى اللوحة منتصبة أمامه ( فكر قبل أن تعمل ! ) ..!!

 

فوجد نفسه يسقط منهارا بين يدي الوالي وهو يبكي منتحبا ، وشرح للوالي تفاصيل المؤامرة !!

 

وذكر له أثر هذه الحكمة التي كان يراها في كل مكان ، مما جعله يعترف بما كان سيقوم به !!

 

ونهض الوالي وأمر بالقبض على قائد الحرس وأعوانه ، وعفا عن الحلاق ..

 


وقف الوالي أمام تلك اللوحة يمسح عنها ما سقط عليها من غبار ،

 

وينظر إليها بزهو ، وفرح وانشراح ، فاشتاق لمكافأة ذلك العجوز ، وشراء حكمة أخرى منه !!

 

لكنه حين ذهب إلى السوق وجد الدكان مغلقا ، وأخبره الناس أن العجوز قد مات !!


 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !