(فكر على ورق) جديد مروة كريدية
كتاب يفكِّك مملكة الارهاب الفكري عبر مقاربة وجودية
"فكرعلى ورق" كتاب غزير المعاني يطرح أعقد الاشكاليات وأعمقها بهدوء، تبتعد فيه الكاتبة مروة كريدية عن مألوف الكتب الفكرية الرصينة فهو لا يخلو من سرد تجربة أو رسم لوحة واقعية تنبض حياة، فتطرق باب السياسة من عالم المثال بأبسط العبارات، وتخوض في معالجة الفكر دون ان ترهق القارئ بالمصطلحات، وتقارع فيه سيوف السلطة بقلوب العارفين.
تلخّص المؤلفة على الغلاف الخلفي منطلقات الكتاب ومآلاته فتقول:
"من قلبٍ تَعشَّق بالمُكون وجْدًا، وتجلّى بالكوْنِ وجودًا
ومن روحٍ حرّة تََحرَّرت من كلّ معتقدٍ
ومن عقل أبَى أن تحتكره أيديولوجيا أو تُصادره فلسفة
ومن انسان لايحب الوصايا ولا كرّاسات الشرائع
ومن وعْيٍ بأنّي كفردٍ كونيّ بنّاءٍ للحياة .
أقدّم بين يدي القارئ بعْضًا من فِكرٍ على ورق :
لا أوجِّه من خلاله بمقتربٍ فكري تام، ولا أطرح عبره بديلا مقدَّسًا، ولا أدعي فيه ملكية الحقيقة، ولا أسعى منه للتبشير بشيئ، ولا أقدمه على انه وصفة سحرية لداء فتاك …
فَجُلّ ما سعيت إليه محاولة فتح ثغرة بسيطة، في أفق كونية الانسان اللامتناهية، في عصرٍ تنازعته فيها شهوة السلطة والسيطرة، وغَالبه جشع الاستهلاك، واكتوى فيه بأتون الحروب، وغرق فيها في دماء الصراعات، وأضحى أسير عنف دائمٍ مستديم … أدى إلى بتره عن كونيته الأصيلة وحُوصِر في دائرة أناه وانفعالته."
الكتاب ينتقد عقم النقد، ويطرح استراتيجية التفكيك، ويعرض الواقع المرّ لأسباب فشل الفكر الإنساني، الذي مازال يعتبر أن الكون بكل مقوماته وعناصره ماهيّة منفصلة عنه مغايرة لسيروريته، ويناقش علاقة السلطة بمفاهيم الحقيقة ليطرح رؤية الفكر من خلال نزعة كونية ترتكز على تعددية الواحد و وحدة الكثرة في ضوء التكامل المنفتح على الوجود.
تطل المؤلفة مروة كريدية الى القارئ عبر إضاءة أولى تحدد فيها الهدف من الكتاب و تطرح جملة تساؤلات حول جدوى تدوين الافكار والاصدارات الورقية في عصر التقانة وتساءل نفسها عن فائدة التأليف والى اي شريحة من القراء تتوجه لتؤكد بها الصدد بقولها :
"أن هذا الكتاب هو مجرد وجهة نظر قد يُكتَب لها النجاح وقد يكتب لها الفشل، انتقد فيها حتى النقد .. انتقد انغلاق بعض النماذج الفكرية المؤسِسَة للفعل الثقافي والسياسي… انتقاد لا يستهدف الانتقاص بقدر ما يهدف إلى الإفصاح عما نعانيه في آنتنا الرّاهنة. والتي تعود لأفكار تكرس الصراع وتخل بتوازن المجتمعات البشرية .
وأدون خيالات فكرٍ لأشارك بعض من أحبّ أن يُطل إلى الفكر الإنساني بعيون وجودية؛ حيث تلك الطبيعة المُستترة في عمق حقيقتنا الكونيّة الساميّة التي تتجاوز حتى الفكر نفسه. "
الفصل الاول جاء بعنوان النقد وإستراتيجية التفكيك حيث تطرح الكاتبة عناوين ثلاث، تنطلق فيها من مأزق النقد المعمول به حاليًّا كونه لا يخرج عن الاطر التيارية المشحونة بالخلفيات والمواقف المسبقة التي تستجلب نمطًا جدليًّا عقيمًا، لتشير الى ان الفكر عندما يكون إيقاعا وجوديا فإن النقد لا يكون عندها متراسًا وبالتالي لا تُقابَل فيه الحقائق بالحقائق بل يكون هو خروجًا عن الذات للكشف عن اللامفكر فيه في فكرنا . وتؤكد المؤلفة أن حرية الفكر ليست حلاّ توفيقيًّا أم توليفيًا كما الطروحات "الترقيعية"، بل الحرية تقتضي التحرر حتى من توصيفات الحرية نفسها، لتصل الى ان النقد هو نَقد للنَقد وتفكيك له أيضًا .
الفصل الثاني ينتقد واقع الفكر العربي وقد جاء بعنوان:" الواقع العربي بين الذات الحضارية المنفعلة والطروحات الفكرية العاجزة" حيث تعرض الكاتبة "للإرث الفكري المرّ والايديولوجيا المستعادة " للعرب الذين يحملون إرثهم الحضاري المشحون بالجراح ويتمسكون به مما أدى بهم الى نتاج فكري "انفعالي بائس " سببه تمسكهم بحقائق السماء وخزائن الارض وأعادهم الى مرحلة ما قبل البداوة …
وتعود الكاتبة وتتساءل عن ماهية جغرافية الفكرالعربي وما هو مستقبله في ضوء السياق العالمي في وقت انفتحت فيه الدول شكلا فيما انغمست الشعوب ببناء سياج هوية عال تكرس حالة الانفعالية لا تنتج الا نفايات المنطق .
أما في الفصل الثالث فتطرح الكاتبة إشكالية بالغة الأهمية تسأل من خلالها عن "الفكر السياسي: أهو صراع حتميات أم تكامل وجودي؟" لتناقش ذلك من خلال محاور ثلاث فتخترق "حدود الفكر السياسي المعاصر وتفكك الطروحات "الملفقة " ، لتبيِّن للقارئ انه يكرس العنف والأنوية المتعالية ، ثم تقوم بطرح مقاربة جديدة لدخول عالم السياسة من باب الجمال عبر مقاربة فكر سياسي "وجودي "يحترم الانسان وحقوقه الضرورية الفطرية من خلال دولة علمانية في مجتمع مدني "إيجابي " منسجم مع القيم الوجودية ، يكون السياسي فيها "نخبة الصالح " يدير الحقوق المدنية ويعمل لاحلال "العدالة " مستندًا على سياسة تنبذ العنف بالكامل.
وفي محاولة منها للكشف عن أسباب الصراعات ترجع الكاتبة في الفصل الرابع معظم اسباب الصراعات الى ادعاء الفرد امتلاك الحقيقة الأمر الذي يؤدي إرادة الهيمنة والسلطة التي تلعب عندها دور استراتيجية تحوّل القوى وتُجَسِّد اهدافها من خلال أجهزة الهيمنة المتمثلة بالدولة التي تسوغ العنف عبر القانون.
وتصل الكاتبة مروة كريدية الى نقطة تطرح من خلالها مفهوم تعددية الحقيقة ونسبية المعايير التي تكسر فيها جدار المألوف والنموذج المُتَصَوَّر في الذهنيات عبر أطروحة تعددية وتجاوزية تلغي فيه منطق الادعاء بالتحكم بالقوانين وتقوض من خلاله الانظمة الأحادية .
في الفصل الاخير من الكتاب تدعو الكاتبة مروة كريدية الى "انقلاب فكري" من خلال ما اسمته " تفكيك مملكة الارهاب " القائمة على عنف المنطق المعمول به ، لتطرح رؤية جديدة للدخول الى العلم عبر ما أسمته "روحنة العلوم من خلال رؤية تكاملية تنفتح على الوجود ؛ وتنهي كتابها كما بدأته بحسٍّ صوفيّ ومقاربة فلسفية قائمة تتمحور حول وحدة الجوهر والأصل "وحدة الوجود " كمستوى أول ، المنعكسة بصور "الكثرة" التي تتضمن تعددية لا متناهية في مستوى ثان ، المشمولة بلحمة تكاملية وهو المستوى الثالث .
أخيرًا ، الكتاب يعكس رؤية (مروة كريدية ) الإنسانة التي طالما قدمت نفسها على انها " كونية الهوية" وهي كما تصرح في احدى مقابلاتها بأنها "عبروطنية " حيث تقول "عاقلة روحي هي هويتي والكون كلٌّ لا يتجزأ " والانسان بنظرها لا يختزل بعقيدة او بقعة جغرافية والحرية عابرة للجغرفية. وتقول في هذا الصدد: "المشكلة اننا كبشر أسرى تقسيمات شتى جغرافية ودينية واجتماعية …لم نختارها ومنذلحظة ولاداتنا ونحن نستجدي "اعتراف الاخرين بنا " الحرية تقتضي تنحية كافةالمرجعيات وسلطتها على الاقل من نفوسنا ورؤوسنا!
اسم الكتاب : فكر على ورق
المؤلف : مروة كريدية
دار النشر : دار الدوسري
الطبعة الاولى : 2009
مروة كريدية
تعد الكاتبة مروة كريدية واحدة من المهتمات بالقضايا الإنسانية واللاعنف، حيث تطرح العلاقات الاجتماعية والسياسية من خلال رؤية وجودية تتجاوز الانقسامات الاثنية والدينية والجغرافية، وقد عملت في ميادين فكرية متنوعة، ولها العديد من الأعمال الأدبية و الفنية التشكيلية والخواطر الشعرية والأبحاث الميدانية في علم الاجتماع السياسي. شاركت في أعمال حوار الأديانواللاهوت المقارن ، كما نشطت في ميدان الإعلام الثقافي .
منأبحاثها :
الخطاب الإيديولوجي والسياسي عند حركات الإسلامالنضالي.
حوارالحضارات بين العقلية الدوغمائية والعقلية التواصلية.
الاستشراقوالجغرافية العربية.
سلطة الايديولوجية في السياسةاللبنانية .
التعددية الثقافية بينمستويات الواقع والوحدة الوجودية.
حوارالحضارات وعملية فهم التاريخ .
الهوية وتوق التمسكبالجذور.
المواطنية في مجتمع متعدد
الأنا والآخر- مناقشة طرحفلسفي لمفهوم الذات و الغير.
أصيل ودخيل - مقاربة نقديةلمفهوم الأصالة و المعاصرة و أطروحات ما بعد العولمة.
اللاهوت السياسي في الشرق الأوسط /مقاربة نقديةلعلاقة الديني بالسياسي.
من اصداراتها :
أفكارمتمردة - في الفكر والثقافة والسياسة .
معابر الروح – خواطر .
مدائن الغربة – في الفنون التشكيلية
استراتيجيات الامل في عصر العنف.
لوامع من بقايا الذاكرة – خواطر
لها مدونات عدة على شبكة الانترنت منها :
http://marwa-kreidieh.maktoobblog.com
http://marwakreidieh.unblog.fr/
البريد الالكتروني :
Marwa_kreidieh@yahoo.fr
http://marwa-kreidieh.maktoobblog.com/
التعليقات (0)