فكرة عن ... كيف نحاسب كل من تعدى على الأراضي الزراعية بالبناء.؟؟
منذ حاولي ست سنوات أو أكثر وتحديدا قبيل انتخابات مجلس الشعب وانتخابات الرئاسة المصرية في 2005م ـ انتشرت ظاهرة غريبة جدا ومفزعة جدا في معظم أنحاء مصر ، وهي جريمة ترتكب في حق الشعب المصري وفي حق الأراضي الزراعية.
فالشعب المصري الذي عاش تاريخه الطويل يعشق الأرض الزراعية ويرتبط بها ارتباطا وثيقا ويحبها حبا عميقا ، قد نجحت أنظمة الفساد في مصر على يد حسنى مبارك وأعوانه في تضييق الخناق على المصريين بكل فئاتهم ، وجعلت الزراعة عبء على الفلاح بعد أن كانت مصدرا أساسيا من مصادر تحسين الدخل ، وما حدث للقطن المصري هو أوضح مثال و خير دليل على هذا الفساد ، فرضت الدولة قواعد وقوانين غريبه مع ارتفاع أسعار السولار الذي يستخدم في تشغيل ماكينات الري ، وارتفاع مفاجيء ومفزع في أسعار الأسمدة ، والمستفيد الوحيد من رفع هذه الأسعار هم أذناب الحزب الوطني الذين تحولوا بقدرة قادر إلى تجار أسمدة تقف أمام منازلهم كسّاحات محمّلة بالأسمدة بينما يعاني كل فلاح بسيط من أجل الحصول على حقه وحصته من هذا السماد بأسعار خياليه ، وعلى الرغم أن كلاهما مواطن مصري لكن الأول عضو أو أمين وحدة حزبية أو أمين لجنة سياسات أو يعمل في أي عمل يخدم الحزب الوطني ، والثاني فلاح من عامة الشعب لا حول له ولا قوة.
فرضت الحكومة على الفلاحين زراعة أنواع محددة من المحاصيل ، وقدمت لهم يد العون والمساعدة بتوفير واستيراد بذور فاسدة ، واستخدام موبيدات فاسدة ومسرطنة بأسعار باهظة لصالح أباطرة الفساد في الحزب الوطني ، وكل هذا يصاحبه انخافض في أسعار الحاصلات الزراعية مما يضع الفلاح آخر العام أو عند الحصاد في مأزق قد يصل لخروجه مدينا لم يتحصل حتى على أجرة عمله وعرقه طوال العام ، بالإضافة للبطالة التي يعاني منها أبناء الفلاحين ، وعدم توفير أي وظائف لهم بعد معاناة طويلة يعانيها هؤلاء البسطاء في تعليم أبنائهم وحصولهم على مؤهلات عليا أو متوسطة ، كل هذا جعلهم يلجأون للسفر للخارج بحثا عن فرصة عمل وتكوين مبالغ مالية قد تساعدهم في بناء بيوت لهم لكي تسير عجلة الحياة ، ولكن كانت الضحية هي الأراضي الزراعية الثروة المتجددة للمصريين منذ فجر التاريخ المصري القديم ولا ننسى أن مصر كانت سلة غذاء العالم في عهد يوسف الصديق عليه السلام ، رغم قلة المساحات المزروعة وقتها ، وقلة الإمكانات أيضا.
فتزعزعت العلاقة الوثيقة والحب العميق للأرض الزراعية من جهة المواطن بسب طغوط الحياة وهذا الفساد ، إضافة لكل هذه العوامل سالفة الذكر.
واستمر التعدي على الأراضي لدرجة أن معظم الفلاحين ومعظم المصريين يلجأون للبناء على الأراضي الزراعية بمساحات كبيرة جدا ، وذلك بحثا عن حلول لمشاكل أولادهم الذين بلغوا سن الزواج ولا يجدون بيوتا يسكنون فيها.
فساد الدولة ككل وخصوصا فساد وزارة الزراعة والمجالس والوحدات المحلية وكل الهيئات التي لها رقابة مباشرة للمحافظة على الأراضي الزراعية بما فيها وزارة الداخلية التي كانت تساعد فقط في تأمين إزالة البيوت المخالفة ، فكل هؤلاء مجتمعين ساعدوا المواطن المصري الضحية في التعدي على الأرض الزراعية بالبناء.
وهذا التعدي له أوقات محددة يزداد فيها بدرجة كبيرة جدا ، يقوم بتحديدها موظفوا الوحدات المحلية والمهندس الزراعي لأنهم من يعطون تصريح البناء ويحددون أن الأرض المبني عليها داخل الكردون السكني أو يحيطها مبانى من جميع الجهات مما يخفف العقوبة على صاحب الأرض بعد كتابة تقرير يفيد أو يضر المواطن ، وذلك يتوقف على المبلغ الذي دفعه على سبيل الرشوة ، فهم دائما ينصحون أن يكون البناء ليلا وفي آخر أيام الأسبوع ، ويفضل أن يكون البناء في توقيت مناسب وفي حالة انشغال أجهزة الدولة بحدث هام مثل الانتخابات بكل أنواعها ، أو بحلول إجازة عيد من الأعياد ، فهذه الطريقة هي باب ظاهره الرحمة ومن قبله العذاب لأن هؤلاء الموظفون المرتشون الفاسدون يظهرون حبهم للفلاح وأنهم ينعون هَـمَّه وهَـمْ أولاده ولذلك يساعدوه في إيجاد حل لمشاكلهم ـ (مقابل حصولهم على رشوة) ـ ، ولكنهم يرتكبون جريمة في حق المصريين جميعا وفي حق الأرض الزراعية التي يجب ان نحافظ عليها ، ومن المخزي أثناء ثورة 25 يناير قام كثير من المصريين بأعمال بناء في الأراضي الزراعية ، في الوقت الذي كان يكتب فيه شباب مصر تاريخا جديدا للبلاد ـ كان هؤلاء منشغلون بأنفسهم ومصالحهم الشخصية منفصلين عن الواقع وعن هذا الحدث التاريخي ، وسبب هذا هو رواسب ثقافة حب الذات وثقافة أنا ومن بعدي الطوفان ومصلحتي أولا ، وهي جرائم صنعها مبارك وأصـّلها داخل معظم المصريين خلال مدة حكمه.
قد بلغت المخالفات التي وقع فيها المصريون في هذا الشأن ستة آلاف مخالفة في محافظة الشرقية فقط وكلها أمام القضاء الآن ، وتتراوح المساحات فيها بين 175متر مربع إلى 4200متر مربع أو يزيد.
ولذلك أعرض فكرة قد تساهم في زيادة مساحة الأراضي الزراعية بصورة تغطي العجز الذي حدث في السنوات القليلة الأخيرة ، وهذه الفكرة قبل أن أعرضها يجب ان أسأل سؤال.
س ـ كيف نتعامل مع المصريين الذين قاموا بالبناء على الأراضي الزراعية .؟
ج ـ مع اقتناعي التام أن البناء على الأرض الزراعية خطأ ومخالف للقانون وأنا أرفضه شخصيا ، لكن لا يمكن أن يكون الحل هو هدم هذه المباني ، كما قال أحمد شفيق قبيل رحليه بأيام ، أنه سوف يهدم هذه المباني بنفسه ، لأنه من المنطق هذه المباني كلفت الدولة مليارات ، والمصريون جميعا في حاجة إليها ، لأنها على قسمين القسم الأول : بيوت سكنية أصحابها في حاجة إليها.
القسم الثاني : من هذه المباني مزارع دواجن ومزارع ماشية وهذه مشاريع هامة جدا لتمنية المجتمع وتوفير الثروة الحيوانية والثروة الداجنة ومنتجات الألبان ، وكذلك توفير عدد محدود من الوظائف البسيطة لبعض الشباب ، والأهم من هذا أن إزالة أو هدم هذه البنايات سواء كانت بيوت أو مزارع فهو فتح صفحة من العداء بين المصريين والحكومة ، وهذا ما يجب تجنبه في المستقبل لأننا نفكر في البناء وندين الهدم بكل أنواعه سواء هدم المباني أو هدم العقول .
ولذلك يمكن تقدير المساحة التي استخدمها وتعدى عليها كل مواطن بالبناء ولو زادت عن مساحة 300 متر أو 400 متر ، أو ما يزيد عن ذلك فعليه دفع غرامة تكفي لإستصلاح فدان من الأراضي الجديدة التي يمكن إستصلاحها ، على سبيل المثال قام مواطن بالبناء على مساحة 300 متر وأضر بمساحة حول هذا البناء حوالي 100 متر فهذا يفرض عليه غرامة عشرة آلاف جنيه إذا كان استصلاح الفدان يحتاج لهذا المبلغ ، وكلما زادت مساحة الأرض التي تم البناء عليها كلما زادت الغرامة وتضاعفت ، وهذه التقديرات ليست ظالمة لسببين:
السبب الأول : أن تصريح البناء في أي مكان (في أرض غير زراعية) يـُكلف المواطن حوالي خمسة آلاف جنيه أو يزيد حسب المساحة المصرح بها.
السبب الثاني : أن المواطن الذي يستطيع الاستغناء عن مساحة فدان من أرضه الزراعية ويقوم بالبناء عليها بيوتا أو مشاريع أعتقد أنه في حالة مادية ميسورة تسمح له بدفع الغرامة المقررة.
وقبل ذلك يتم فتح حساب أو تأسيس صندوق خاص بهذه المسألة للإنفاق منه على استصلاح مساحات من الأراضي الصحراوية في الساحل الشمالي أو في أي مكان صالح للزارعة في ربوع مصر ، والمتخصصون في هذا المجال من الممكن أن يستعينوا بهذه الفكرة التي قد تساعد في الحصول على رأس مال سريع يساعد في قيام نهضة زراعية للمصريين تساعدهم في مواجهة المستقبل وتعوض الفاقد الكبير في الأراضي الزراعية الذي يقدر بحوالي نصف مليون فدان تقريبا في جميع أنحاء مصر ، وكذلك سنوفر عددا من الوظائف للشباب.
ولمزيد من الحرص على ما تبقى من الأراضي الزراعية يقوم رئيس الحكومة بإعلان عن هذه الفكرة بعد دراستها دراسة مقننة وموسعة لوضع ضوابط لها حسب لجان متخصصة ، ويتبع ذلك ـ التنبيه والإعلان عن غرامات من نوع آخر بدءا من تاريخ هذا الإعلان على كل من تسول له نفسه البناء على الأرض الزراعية مرة أخرى، وتكون الغرامة هذه المرة بالسجن ، ولكن قبل ذلك يجب أن يتم الإعلان في جميع وسائل الإعلام عن هذا بوضوح ، ومشاركة المواطن في المسئولية القومية والوطنية في كل شيء ووضعه في الصورة بكل جوانبها وإعلامه بأضرار ذلك عليه وعلى الدولة ، وإعلامه بالعقوبات المفروضة.
أخيرا ::
غير مقبول على الإطلاق محاسبة المصريين بهذه القسوة بهدم المنازل أو المزارع أو دفع غرامات مبالغ فيها ، والجريمة هي أنهم تعدوا على أرض يملكونها ، وإذا تم التعامل معهم بهذا الأسلوب (بإزالة المباني مع دفع غرامات ) ـ من منطلق تطبيق العدل والقانون فلماذا لا تتم محاسبة من سرقوا أراضي ملك الشعب المصري ونزعوا ملكيتها لأنفسهم بثمن بخث وبمخالفات واضحة للقانون ، وشيدوا عليها مشاريع جبارة وفنادق وقرى سياحية ومدن خيالية ليس في استطاعة معظم المصريين الإقامة فيها لمدة ساعات قليلة ، والشعب المصري في الأساس شريك في ملكية هذه الأرض ، أليس من العدل تطبيق القانون على هؤلاء المجرمين أولا قبل التفكير في هدم وإزالة وتغريم الفلاحين الذين ارتكبوا أخطاء لم يخططوا لها ولم يفهموا ضررها ، وقد لجأوا إليها رغما عنهم بسبب فساد المجرمين الكبار ، حاكموا كل مجرم سرق حقوق المصريين أولا ، وبعد ذلك فكروا في محاسبة من ارتكب هذه الأخطاء البسيطة وليكن حسابهم بقليل من التعقل ومزيد من العدل.
التعليقات (0)