(مقالي في جريدة الوفد يوم السبت 8 مايو 2010)
أطلق الفقيه العراقي المعروف المقيم في الإمارات الشيخ أحمد الكبيسي مجموعة من الآراء الجريئة والمثيرة في برنامج "نشرة الرابعة" على قناة العربية، وأشار موقع القناة على الإنترنت إلى عدد من هذه الآراء، وذكر أن الشيخ انتقد بشدة الفقهاء المتحجرين الذي يريدون أن يعودوا بنا 15 قرنا إلى الوراء، وأشار إلى أنهم صاغوا إسلاما على مقاسهم، وقال: "أن تفرض عليّ ما كان قبل 15 قرناً فهذا مزاجك ولك حدود في هذا العقل المتحجر". وأوضح أن التشدد يرتبط بأمزجة القائمين على تطبيق الدين لغايات في أنفسهم.
وأبدى "الكبيسي" رأيا واضحا في الرد على من يطالب بهدم المسجد الحرام وإعادة بنائه بصورة تمنع الاختلاط بين الرجال والنساء، مؤكدا أن المجتمع الإسلامي لم يعرف الفصل بين الجنسين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد كان الاختلاط سائدا في جميع مجالات الحياة، تجد النساء مع الرجال في مناسك الحج والعمرة، وفي التعليم والقضاء والأسواق والأعراس والأعياد، واستمر الحال على هذا المنوال في العصر الأموي، ودخلت فكرة منع الاختلاط على المجتمع الإسلامي في العصر العباسي. وشدد "الكبيسي" على أن حجاب المرأة تغطية جميع الجسد ما عدا الوجه والكفين "أما إذا رغبت في أن تغطي كامل وجهها فلا أحد يمكنه منعها، لكن لا يمكن فرض هذا على الناس باسم الشرع لأنه ليس شرعًا". ومن الآراء الجريئة التي طرحها هذا الفقيه المتبصر المتبحر أن اللحية ليست من صميم الدين، وذلك بقوله: "أما اعتماد مظهر معين كاللحية أو العمامة المختلفة الألوان، فهذه دلالات على اختلاف الجماعات والأحزاب".
ما طرحه "الكبيسي" هو رد على الفقهاء المتجمدين الذين شغلونا بالشكل عن جوهر الدين، فقد تحول المجتمع الإسلامي من التدين بمعناه المتكامل الذي يشمل العبادات والمعاملات، إلى التدين الشكلي الذي يهتم بالمظهر الدال على إسلام صاحبه، وقد تكون معاملاته بعكس ما أمر به الدين، فيجلب الكراهية للمسلمين بتنفيره الناس من متع الحياة. وترى ذلك التدين الشكلي واضحا جليا في حياتنا اليومية، تجد بعض أصحاب اللحى من الموظفين حريصين على الرشوة حرصهم على أداء الصلوات في أوقاتها، وتصل إلى أذنيك –دون أن تقصد- عبارات في حوار بين امرأتين منتقبتين، فتدرك أن الورع لديهما لا يتعدى المظهر، بل إنك تجد بعض المنتقبات يرتدين عباءات تكاد تتمزق من شدة تضييقها، فتبعث في نفوس الرجال والشباب إثارة تتجاوز مثيلتها لدى المبهرجات.
ومن عجب أن تلاحظ أن الإسلام تحول إلى شعار يرفعه كثير منا، ترى الفتاة حريصة أشد الحرص على ارتداء الإيشارب على رأسها ليؤكد أنها محجبة، لكنك حين تنظر إلى ما تبقى من زي على جسدها تجد أنه لا علاقة له بالحجاب على الإطلاق، بما يدل على التناقض الشديد، ويدفع إلى التساؤل: لماذا أبقت الفتاة الإيشارب على رأسها؟ ولو أسدلت شعرها.. أيعنى هذا لديها أنها مقصرة في حق دينها؟.. في الحقيقة لا أدري.
نحن مسلمي هذا العصر وضعنا الشكل على رأس أولوياتنا، وتركنا الجوهر مهجورا، بل إن ديننا دعانا إلى التفكر في الكون وعمارة الدنيا، لكننا اهتممنا بالمظهر وأهملنا نفوسنا فأصبحت خربة تعشش فيها الأفكار المتحجرة، في الوقت الذي طبق فيه الناس في العالم المتقدم ما دعا إليه الإسلام من إتقان للعمل واحترام للمواعيد والاتفاقات، فوجدوا النتيجة ظاهرة أمام أعينهم وأعيننا، زيادة في التقدم، وكثيرا من الإنجازات.. أما نحن فموعدنا مع كثير من الإخفاقات، مع أسفي الشديد!
التعليقات (0)