فقه نصاري مصر ..
هذا الموضوع الشائك المتشعب الذي يصعب الولوج فيه الا بالمرور وسط عده مراحل فقهيه متداخله يمكن أن تؤدي الي ما لا تحمد عقباه أو العوده الي نقطه البدايه ولكن بدون الغوص في ثنايا الفقه سنجتهد ..
ولكن مبعث البحث هو السؤال المُلح وهو : من هم نصاري مصر وما هو التوصيف الصحيح لهم بعد أن تداخل الديني بالموروث المقدس بالحاله المزاجيه بالوضع السياسي وإختلفت بل تباينت الفتاوي والتصريحات بشأنهم , فتاره هم أهل عهد وأهل ذمه وتاره أخري هم شركاء في الوطن وتاره ثالثه هم كُفار ومشركين وتاره رابعه وخامسه وسادسه الي آخره ..
حتي أصبح الأمر اليوم بحاجه إلي فقه متخصص يسمي "فقه نصاري مصر" مجازا ..
والتفقه في هذا الأمر جد عسير فمصادر التفقه هي القرآن والسنه , والقرآن كما قال عنه علي بن أبي طالب "حمال أوجه" وهو أدري الناس بالقرآن والسنه ويعلم تمام العلم بأن من الناس من يستطيع تفسير أي القرآن طبقا لضوابط يرتضيها هو وربما تتوائم مع ثقافته وبيئته , ويمكن لكل مسلم أن ينتقى مايراه من الآيات والأحاديث حسب وجهة نظره فالمسلم المعتدل المتسامح سيجد بعض الآيات التى يفهمها فى تسامحها والمسلم المتطرف سيجد ثروة من النصوص الفقهيه العنيفة التى يتكئ عليها والدليل علي ذلك إختلاف الأئمه العدول في تفسيرائهم وفقههم حتي بلغوا ثلاثه وعشرين مذهبا فقهيا, حتي وإن أردنا أي القرآن فسنصطدم بالناسخ والمنسوخ وبالتالي نري أن عليا قد حسم هذا الأمر مبكرا وقال لعبد الله بن عباس " لا تخاصمهم بالقرآن فان القرآن حمال أوجه ، ذو وجوه ، تقول ويقولون ، ولكن حاججهم بالسنة ، فانهم لن يجدوا عنها محيصا " ..
وإن كان الغُلاه قد وجدوا في السنه والقرآن أيضا مناهل كثيره ينهلون منها ما يتوائم مع توجههم المتشدد , ليس هذا فقط بل وتوجيه العوام والجهلاء شطر الدين الذي يبتغون , حتي تجد أن مسلما لايجد قوت يومه يصب كل كراهيته وعدوانه صوب جاره النصراني بدلا من أن يثور في وجه النظام ويطالب بالعداله الإجتماعيه , أو تجد أن أسلمه فتاه مراهقه أو سيده تبغي طلاقا من زوجها من أسمي الأماني ونصره للدين , أو هدم وحرق كنيسه شرع النصاري في بناءها هو النصر المبين للإسلام ..
وما نحن بصدده هو أحد أنواع الفقه ويسمي فقه "الولاء والبراء" ومختصره هو أن إظهار الود للآخر "غير المسلم" والبعد عن كراهيته وبُغضه يجعل المسلم يدخل فى الكفر ويخرجه من إيمانه ويُلقى به فى أتون نار جهنم كونه تواد مع كافر ولم يمنحه الكراهية والبغضاء , ولديهم من الآيات والأحاديث التي يستدلون بها وتدعم توجههم الكثير منها علي سبيل المثال لا الحصر :
روى ابن عباس قال : ( من أحب في الله وأبغض في الله ، ووالى في الله وعادى في الله ، فإنما تنال ولاية الله بذلك ) ..
والآيه : "لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم" ..
وهنا مكمن الخطوره في عمليه إستدعاء النص الدينى وتثبيت مشهده فبدلا من أن يعتبره المؤمن حالة ظرف تاريخى وحدث سجل موقف فى حينه تبعا ل"اسباب النزول" يحاول أن يجعل مافيه نهج حياة دائم الحضور حتي وإن كان لا يصلح إعمال "القياس" فيه ..
وهذا الفقه المسمي "الولاء والبراء" وبتشدده التام مع غير المسلم كان من الممكن جدلا أن يؤخذ به في حاله نصاري مصر اليوم لو لم يكن هناك فقها آخر يتعارض معه بل ويجُبه يمكن أن نُطلق عليه مجازا "فقه نصاري مصر" أو "فقه الوصيه" , فالنبي (صلعم) أوصي وصيه واضحه لا لبس فيها وهذه الوصيه موجهه بالدرجه الأولي للصحابه , والوصيه هي شيئ إختص به الموصي للموصي له تدل علي علو شأنه وتميز منزلته وهي :" إذا افتتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيرا ، فإن لهم ذمة و رحما" ..
- إذا فتحت مصر فاستوصوا بالقبط خيرا فإن لهم دما ورحما وفي رواية إن لهم ذمة يعني أن أم إسماعيل كانت منهم
الراوي: كعب بن مالك المحدث: الهيثمي - المصدر: مجمع الزوائد - الصفحة أو الرقم: 10/66 خلاصة حكم المحدث: [روي] بإسنادين ورجال أحدهما رجال الصحيح
- إذا فتحت مصر فاستوصوا بالقبط خيرا ، فإن لهم ذمة و رحما
الراوي: كعب بن مالك المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 698 خلاصة حكم المحدث: صحيح
- إذا افتتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيرا ، فإن لهم ذمة و رحما
الراوي: كعب بن مالك المحدث: الألباني - المصدر: السلسلة الصحيحة - الصفحة أو الرقم: 1374 خلاصة حكم المحدث: صحيح على شرط الشيخين
وهذه الوصيه الصحيحه تخرج أقباط مصر من بين براثن فقه "الولاء والبراء" وتضعهم في مرتبه إستثنائيه خاصه إسمها "الذمه والعهد والرحم" فهم معاهدين وليسوا بحربيين ولم ينادوا بكفار ولا مشركين ولكن "أقباط" يتوجب وصلهم لكونهم أهل رحم , ولكن عمليه تسييس الدين تتطلب إخفاء هذه الوصيه تماما فأين الذمه والرحم من الولاء والبراء ..؟
تسييس الدين يعني عدم تحيه النصراني وتضييق الطريق عليه مما يجعل الإنسان المتلقي للدعوه طبقا للفقه الموجهه به وطبقا لحالته المزاجيه والمناخ العام المهيمن عليه "مشروع فتنه" جاهز في أي وقت , وكل ذلك ناتج عن غياب المشروع الوطني والإجتماعي الذي يحقق طموحات وحاجات هذا الإنسان ..
فإن توفر هذا المشروع الوطني والإجتماعي تحقق الإندماج المجتمعي لهذا الإنسان وإنصرف عن فقه العنف , ولكن تهميش الإنسان وسحقه بعنف ثم إعطاءه جرعات من فقه العنف فماذا ننتظر منه إذا أفرغ شحناته في الآخر النصراني , إذ يتعذر عليه تفريغها في الدوله عندما يؤمر بطاعه أولي الأمر من نفس الفقه حتي ولو كانوا ظالمين ويتوجب عليه عدم الخروج عليهم ..
وهكذا بإعمال فقه الولاء والبراء وتجاهل وإخفاء الوصيه النبويه يؤدي الي درب واحد هو فصم عري الأمه المصريه وطمس الإنتماء اليها مع تعليه إنتماء أكبر للدين ليس حبا في الدين أو خالصه لوجه الله ولكن لتفتيت هذا البلد وجره الي فتنه كبري تأتي علي الأخضر واليابس وتنزع عنها اللباس الحضاري وتجرها الي غياهب البداوه والتخلف تحت رايه الدين والدين منها براء ..
مجدي المصري
التعليقات (0)