مواضيع اليوم

فقه الطغيان..تداخل التاريخي مع المقدس ج3-3

جمال الهنداوي

2009-01-12 12:19:35

0

وحتى الشيخ  سيد إمام الشريف الذي يعتبر المنظر الأول للفكر السلفي الجهادي فنراه يقول في الحلقة الخامسة من وثيقة ترشيد العمل الجهادي بعد أن ذاق عينات من الجور المقدس " وقد وقعت في صدر الإسلام حوادث خروج على السلطان بسبب المظالم، وقد نجم عن الخروج مفاسد كثيرة، والذين خرجوا كأهل المدينة في الحرة (61هـ) والحسين بن علي رضي الله عنهما (64هـ) وابن الأشعث (81هـ) وغيرهم أخذوا بعموم أحاديث تغيير المنكر باليد كحديث أبي سعيد مرفوعًا (من رأى منكم منكرًا فليغيره...) وحديث ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا (فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن...)، وهذا خطأ لأنه إذا جاز تغيير المنكر باليد عند القدرة بين الرعية فإنه لا يجوز مع السلطان للنهي الخاص الوارد في ذلك وهو مقدم على الأمر العام الوارد في الأحاديث السابقة."

إذن نحن نتعامل الآن مع كم هائل من التراث والفكر الفقهي الذي تأثر كثيرا بالاضطرابات والفتن السياسية والصراعات القبلية والمذهبية الدينية، وهو إرث اعتمد علي إقحام قدسية ملتبسة على الثقافة القبلية العربية مما أدى إلى إصابة الأمة بداء الاستبداد العضال الممانع لأي شكل من إشكال المشاركة الشعبية في الحكم ,وتغويل الحاكم ليصبح المصدر الوحيد لسلطة من هو دونه ولتكون أقواله وقراراته أسمى من الدستور والقانون-إن وجدا- ووضع جميع مقدرات الأمة طوع يمينه واستعصائه على أي نوع من المسائلة والمحاسبة.محمياً بفقه يختلف بل ويتعارض مع ما ذهب إليه القرآن وما مارسه الرسول ,أي ليس بفقه القرآن ولا فقه الرسول إنما فقه الفقهاء كما يقول الأستاذ جمال البنا .

وقد امسك الحاكم بهذه التوجه وعض عليه بالنواجذ متجاهلاً الالتزامات الدينية الباقية لأنه وجد في تلك النظريات والنظم ما يشبع رغبة الاستبداد فيه, فتشبث بهذا الفقه الذي يمد السلطان بأحزمة أمنية متينة محاطة بنصوص وحراس وفتاوى تتوالد فيما بينها لتكون حقول ألغام شرعية تحيط بقصر الحاكم وتمنع الأمة من الاقتراب منه تحت تبعات التعرض لطوارق التكفير والخروج عن الجماعة.

والمفارقة في هذا الفقه هو أن الثائر المسلم الذي يخرج على السلطان مجرم وخارجي و كلب من كلاب أهل النار و إن قتل فهو شر قتيل تحت أديم السماء ولكنه لو صادفه التوفيق في حملته وتغلب على الأمة بالسيف و استتب له الأمر فهو خليفة مبايع يحرم الخروج عليه حسب الضوابط المتبعة في فقه التملق للقوي.

أي أن هذا الثائر لا يحتاج -إذا أحس بقدرته على تغيير النظام القائم- إلا إلى تجاهل السادة العلماء الأفاضل لحين انجازه المهمة لأنهم سيبايعونه تلقائيا حسب مقتضيات فقه الغلبة وتطبيقاً لعقائد توارثوها و لم يحاولوا مناقشتها و لا نقدها ،وسيدعون الناس له إلى السمع و الطاعة و لو ضرب ظهورهم و أخذ أموالهم وركل مؤخراتهم وبصق في وجوههم ووجوه العلماء الاجلاء, فسيسكتون ويأمرون الناس بالسكوت وإلا يكونوا خوارج هذا الزمان ويفقدوا مقاعدهم في الفرقة الناجية.

أن الوضع السياسي السائد في الدول الإسلامية وخصوصاً العربية منها يؤكد الحاجة الملحة للإصلاح الجذري والحقيقي والتعاطي مع الحقوق المدنية والحريات العامة للمواطن بطريقة منفتحة والقبول بمبدأ المشاركة في صنع القرار السياسي.الذي لن يتحقق إلا بتشكيل وعي مجتمعي بان الحكم الفردي لم يعد النظام المثالي أو هو النظام الوحيد الذي يحقق رضا الله ورضا الرسول،بل هو مجرد وجهة نظر وقرار غير ملزم اتخذ في وقته لاعتبارات قد تحتمل الصواب أو قد تكون فلتة وقى الله المسلمين شرها ومحض اجتهاد لا يمثل الإيمان به أو محاولة مناقشته تناقضاً مع انتماء الفرد العقائدي .

وهذا الهدف يحتاج أولا إلى فك الاشتباك بين التاريخ والعقيدة ,والتعامل مع الإرث التاريخي بنظرة نقدية فاحصة وبأسلوب علمي رصين ,وان نظريات الحكم التي سادت طوال الفترة الماضية هي نتاج ظرف تاريخي مربوط بحيثياته الزمانية والتي قد لا تكون صالحة للتمدد إلى زماننا هذا.وهذا ما يستلزم ضرورة التوافق على مشاعية الحقيقة وإنسانيتها وان أي فرد ملتح كان أو حليق لا يملك الحق في استلابها من الآخرين.

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !