مواضيع اليوم

فقه الثورة..وفقه الثريد..

جمال الهنداوي

2011-05-01 07:36:40

0

يكاد يصم الاذان هو كل ذلك الضجيج المنبعث من سوق الفتاوى هذه الايام..هتاف وزعيق وصفق وكل ينادي على بضاعته املا في بيع المزيد مما قدره الله عليه متصيدين رفعة وغنى ومكانة الزبائن المحتملين في هذه الايام التي كثر الطلب فيها على ما بطن من كلمة السماء ..

فتاوى ينادى عليها باعلى الصوت وفي اكثر وسائل الاعلام انتشارا وتحسن وتنمق وتعرض بضاعة مزجية تحرص على موائمة المزاج السائد في مجتمعاتنا ويروج لها حسب وزن وثقل الفقيه في عالم الافتاء..

كلام كثير يقال ويخاض ويفتى فيه عن حلية الخروج في الاحتجاجات الشعبية في البلدان العربية..فتاوى تجاوزت السماح الى الدعوة الى اعتبار الخروج جهادا في سبيل الله فيما تبسط آخرون في تزويد المحتجين برخصة لقتل الحاكم باعتباره من اسمى معاني الجهاد..فتاوى تعرض في واجهات الدكاكين الفقهية دون الالتفات الى الرفوف الخلفية التي ما زالت تحتوي على ما تقادم به العهد وتطاول عليه الزمان وبطلت سوقه ولم يعد مما يتماشى مع ذائقة اهل هذا الزمان..رفوف مليئة بما كساه الغبار ومجه الناس واصابه الكساد..الا انه ما زال محفوظا ليوم كريهة قد يكون له فيها فائدة ما.. فتاوى تتماشى مع نبض الشارع الثائر ومع هتافات الجماهير الغاضبة ولكنها تتعارض تماما  مع ما دس في الخزائن المغبرة من فتاوى تحريم الخروج على السلطان الجائر انتظارا ليوم اسود رغم انها كانت تصح حتى لو اغتصب المال وضرب على ظهور العباد..

فتاوى نادى بها البعض واخذت حظا من القبول ودفعت باصحابها الى صدر عناوين الصحف وعلى منصات الخطابة في ساحات الاعتصام والثورة..ولكنها لم تكن بالمصداقية التي تؤهلها لتترفع عن كونها مناورة معتادة من فقهاء السلاطين لدعم توجهات سياسية لاولي الامر والنعمة تجاه انظمة اخرى قد تناظرها في الاستبداد ولكنها تخالفها في الاسلوب والهدف والممارسات..

فلا يكفي ان ينادي العالم الجليل بحق المسلمين في أن يسيروا المسيرات وينشئوا المظاهرات في احدى البلدان..باعتبارها تعبيرا عن مطالبهم المشروعة وتبليغا بحاجاتهم إلى أولي الأمر وصنّاع القرار..وتحريمها على اقوام اخرى لانهم لم يستحصلوا على رضا وقبول من يملأ قصاع الفقيه بالثريد ويملأ جيبه بعملات الكفار الخضراء..

كما ان الدعوات التي تصدر عن من يدعو اهل الشام الى الثورة ورئيس اليمن الى التنحي والقذافي الى الاسلام..تكون اقرب الى الضحك على الذقون عندما يوصم نفس الشخص ابناء بلده المنادين بالاصلاح والحق في التعبير عن آرائهم بالفتنة والخروج عن المعلوم من الدين ومنازعة السلطان ما قمصه الله من ملك..

وقد يكون هذا التلون والمداهنة المنافقة من قبل حملة نور النبوة وبقية الله في الارض السبب الذي دفع البعض الى البحث في الرفوف المتربة وبين دفات الكتب العتيقة عن ما يظاهرهم به معلنا اهدار دمهم لتطاولهم على فقه كامل يؤيد حق السلطان في الحكم المطلق المؤيد من السماء وعلى النصوص التي بذل فيها اعلام الامة الاعلام من السلف الصالح الكثير من الجهد والبحث والتنقيب للاتيان بما يعد حجر الرحى والفتاوى الاكثر حصانة ومنعة وعناية من الانظمة الحاكمة منذ صدورها ولحد الآن..

فمن غير المقبول التغاضي عن تلك الفتاوى التي صدعت رؤوس المسلمين بسماعها لقرون طوال كانت لها فيها الاولوية على كل ما عداها عد المؤمنون بها هم الفرقة الناجية المتمتعة برضا ربها وبشر بالويل والثبور وعظائم الامور من لا يعدها ناموسا ودستورا لحياته وانذر بهوان الدنيا وعذاب القبر وبؤس الخاتمة..

قرون وهذه الفتاوى توضع في مصاف المقدس الذي لا يمس ولا يمس معه من قال بها ومن افتاها ومن كتبها ومن شرح ما كتب عنها ومن شرح الشرح ودون الحواشي على جوانبه..

فتاوى كان مجرد ورودها في كتاب او صحيح او مسند او مستدرك كافيا لكي يكون وكاتبه في خانة من لا ينطق عن الهوى وفي مقام النص الذي لا يصح معه اجتهاد ويحيل فورا من يناقشه او يستفهم منه الى خانة الزندقة والتبدع والاتيان بما يهز اركان العرش ولا يعرف له اصل في الايمان..

وهذا ما يرتب على الفقيه الذي يحاول ان يرتدي ثوب المصلح الديني ويريد ان يضع نفسه ومعرفته في خدمة تطلعات ومستقبل الشعوب يجب ان يوجه سهامه الى اصل المشكلة اولا ويعلن ان الحصانة التي منحت للسلطان لم تكن من الدين في شئ ..ذلك الدين الذي تركه لنا الرسول(ص) وهو يقول لنا انكم اعلم بامور دنياكم..

كما ان الفقيه الذي يفتي بحق الشعوب في الحرية والعيش بكرامة..يفقد مصداقيته تماما عندما ينتقي من يمنحه هذا الحق حسب خيارات الحاكم السياسية او انتمائاته الايديولوجية..ومن يريد ان يعد جهده في الافتاء علما ومعرفة لا يليق به ان يفتي باسقاط حرية التعبير عن شعب ما استنادا الى سمعنا وقيل لنا..

ان الجهد الحقيقي يجب ان يتوجه الى اعادة الاعتبار الى الحقيقة..وتقليب النظر فيما لوثته قرون الاستبداد من الفقه الاسلامي واعادة قراءة النصوص ضمن معطياتها التاريخية والسياسية ومحاولة تقديم فهم جديد للفقه مبني على روح الاديان ومتبنياتها في حماية الانسان واعلاء حريته وامنه وسلامته وادامة سبل حياته الحرة الكريمة..

وما دون ذلك لا يعد الفقيه الافردا ضمن جوق اعلامي بائس لا يطرب احدا في الحي ولم يعد احدا يريد ان يسمعه..




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !