مواضيع اليوم

فقه التراحم سماحة العلامة السيد محمد علي الحسيني

فقه التراحم

http://www.mohamadelhusseini.com//pic//12466167b6.jpg

*السيد محمد علي الحسيني


إن مقدار القسوة الذي بتنا نراه في حياتنا اليومية يجعلنا نتساءل: أين نحن من الإسلام الذي جعل تحيته سلاما ورحمة من الله؟ ولماذا قست القلوب حتى أصبحت كالحجارة أو أشد قسوة؟ ولاشك أن الشعور بالرحمة يريح القلب والروح، بل هو شفاء للنفس وبلسم للعلاقات الاجتماعية، لذلك أولى الإسلام اهتماما كبيرا بضرورة التراحم بين الناس، بل جعله الله مدعاة لرحمته لذلك قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار ):"الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء".


مكانة الرحمة في الإسلام

قبل التغلغل في مكانة الرحمة في الإسلام نتأمل بداية في البسملة باعتبارها أول آية تسبق كل سورة في القرآن الكريم والتي تحتوي على اسمين من أسماء الله كلاهما يصنفان ضمن اسم الرحمة "بسم الله الرحمن الرحيم"، وهذا له مدول عظيم وعميق يوحي إلى أهمية الرحمة التي شملت كل مخلوقاته فهو القائل سبحانه وتعالى :"وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ"الأعراف 156 / 157، لذلك فإن الحديث عن مفهوم الرحمة ومكانتها في الإسلام هو موضوع لاسقف له، خصوصا أنها من أسماء الله، بل هي من أسباب بعث الرسل إلى الخلائق "وماأرسلناك إلا رحمة للعالمين" وقوله تعالى:" لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيم "التوبة 128، ولاشك أن أنبياء الله ورسله جسدوا آيات الرحمة التي تجسدت في أخلاقهم، فكلنا نعلم أنه لايوجد قصة أو موضع إلا لمسنا فيه الرحمة في أقوالهم وأفعالهم عليهم السلام، ومن القصص المؤثرة قصة المسيح عليه السلام مع المرأة التي أراد قومها رجمها لاتهامها بالفاحشة، فهنا تصدى لهم المسيح بالقول:"إن كان أحد منكم بلا خطيئة، فليتقدم ويرجمها بالحجر".

فالمبدأ والأصل دائما في الأمور الرحمة والتراحم وقصص رحمة رسول الله -صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار وسلم -كثيرة ومؤثرة منها التي تتعلق بالأطفال وقصته مع اليهودي وإنسانيته مع أسرى الحرب، والنساء وهنا نذكر كيف كان عليه الصلاة والسلام، عندما تأتي إليه السيدة فاطمة(عليها السلام) يقبّلها ويُجلسها في مكانه، وقد أكثرمن الوصيّة بالنساء رحمة ورأفة بهن، فقال -عليه الصلاة والسلام-: "أَلَا واسْتَوْصُوا بالنساءِ خيرًا، فإنما هُنَّ عَوَانٌ عندَكم، ليس تَمْلِكُونَ منهن شيئًا غيرَ ذلك إِلَّا أن يَأْتِينَ بفاحشةٍ مُبَيِّنَةٍ".



التراحم من أسباب ترسيخ مفهوم الوحدة والترابط الاجتماعي

إن حياة الانشقاق التي بدت ظاهرة في حياتنا الاجتماعية تعود أسبابها إلى غياب التراحم والتعاطف بين الناس، ولاشك أن التعايش الإنساني والترابط الاجتماعي قائم على الرحمة والمودة التي من شأنها أن تقوي الروابط بين الأفراد و المجتمعات في كل الأوقات خاصة الصعبة منها، ونضرب مثالا حيا عن ذلك عندما تحدث كارثة معينة تتسبب في أضرار كبيرة كالزلازل، فلولا رحمة الناس بعضهم لبعض لما رأينا هذا التعاون والتكافل وروح المبادرة، وهنا صدق رسول الرحمة عندما قال: " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"، فرسولنا الكريم دعانا إلى تجسيد مفهوم الرحمة على أرض الواقع، فالتراحم والتوادد والتعاطف بين المؤمنين يبني أسسا متينة للوحدة التي وصفها بالجسد الواحد، كما أن المولى عزوجل أشاد بالرسول والصحابة تأكيدا منه على أهمية التراحم بينهم في قوله:" مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ "، فالمطلوب العودة إلى قيم الإسلام التي تدعو تعاليمها إلى ترسيخ مفاهيم الرحمة في أقوال الإنسان وأفعاله من خلال كل مظاهرها وصورها، سواء فيما يتعلق بالأهل واليتامى والضعفاء والفقراء والأطفال ورحمة المسلمين وغير المسلمين الذي أوجب الإسلام عدم إيذائهم  ليعم الخير على هذه الأرض  ويسود السلام والمحبة بين الشعوب والأمم.





التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات