اثار الموضوع القيم الذي طرحه الاستاذ زين الدين الكعبي والمعنون" هل نحترم نبينا حقا "والمنشور على مدونات ايلاف .. جملة من التساؤلات التي تتناول مسألة الاعتماد على سن معين لتشريع الزواج اعتمادا على سن ام المؤمنين السيدة عائشة "رض" عند البناء بها من قبل رسول الله " صلى الله عليه وآله وسلم" ..ولاهمية الموضوع اتمنى على الزملاء المدونين والقراء الكرام ان يتقبلوا مني اعادة نشر هذا النص الذي كتبته تحت تأثير قضية فتاة بريدة السعودية منذ شهور ..كمساهمة مني في اغناء البحث من زاوية قد لا تكون متطابقة..ولاني اجد ان به بعض الافكار القابلة للنقاش والتطوير من قبل الاساتذة المعنيين بالشأن الانساني للشريعة..مع الشكر والامتنان للاستاذ زين الدين الذي اثار هذه القضية..
.................................
فقه الانحراف..شرعنة النخاسة
لسنا في معرض الاعتراض على حكم قضائي صادر عن المحاكم السعودية ..ولسنا معنيين بذلك..وقد لا يكون ذلك من حقنا..ولكننا لا نستطيع إخفاء الشعور الأقرب إلى الاشمئزاز ..والذي يصفع المرء وهو يطلّع على الخبر الذي نقلته وكالة الأنباء الفرنسية (الكافرة) عن رفض محكمة سعودية طلب تطليق طفلة في الثامنة من عمرها من رجل في الثامنة والخمسين من عمره، زوجه إياه والدها مقابل بعض المال, مما أعاد إلى الأذهان قصة الطفلة اليمنية نجود محمد علي ذات الثماني سنوات والتي كانت اسعد حظاً بحصولها على الطلاق من زوجها بعد شكوى تقدمت بها ضد المفترض أن يكون والدها والمنعوت بزوجها السابق .
وهذه الحوادث أعادت لدائرة البحث قضية زواج الرسول – صلى الله عليه وسلّم – من أم المؤمنين السيدة عائشة – رضي الله عنها – والسن الحقيقي الذي كانت عليه حين عقد نكاحها وعند البناء بها , لكونه الأساس الفقهي الذي يستند عليه الفقهاء في تحديد الحد الأدنى لعمر الزوجة في الإسلام وهو قطب الرحى في فقه متكامل يمكن أن نطلق عليه – وبلا تأنيب ضمير - فقه نكاح الرضيعة..والذي يعتمد بصورة شبه تامة على الحديث المثبت في البخاري.. باب تزويج النبي عائشة و قدومها المدينة و بنائه بها 3894 : حدثني فروة بن أبي المغراء ، حدثنا على بن مهر عن هشام عن أبيه عن عائشة (رضي) قالت : ” تزوجني النبي (ص) و أنا بنت ست سنين ، فقدمنا المدينة.. فأسلمتني أمي إليه و أنا يومئذ بنت تسع سنين.
ولكون هذا الزواج أيضا هو الأكثر إثارة للبحث والتحليل والتأويل، وهو النقطة الأكثر إحراجا واقتراباً من الخوض في المقدس عند دراسة السيرة النبوية المعطرة , خصوصاً مع ظهور دراسات جديدة تحاول ان تؤكد على أن سن السيدة عائشة كان 19 سنة حسب الدراسة المنجزة من طرف الباحثة السعودية "د. سهيلة زين العابدين حمّاد".. و17 عاماً حسب الأستاذ إسلام بحيرى.
ولدفع أي التباس أو سوء ظن ممكن..ولدرأ اي محاولة لحرف الموضوع عن مقاصده.. فأنا أتقبل مسألة أمهات المؤمنين أزواج النبي- صلى الله عليه وسلّم – التي ذكرتها السير بمنتهى التسليم والقبول وأؤمن بأن أي مبرر للخلط أو التأويل في الموضوع إنما راجع لاجتهاد إنساني من هذا المؤرخ أو ذاك رجل الدين الذي ربما لم يحالفه التوفيق في جزئية ما أو ربما اخطأ في نقل الحدث أو تفسيره أو في استنباط المرجحات الممكنة للتعليل التاريخي المقنع والمحقق للفائدة المرجوة, وأؤمن بكونه زواجا مخصوصاً بنبينا الكريم وحده ,مثل خاصية الزواج بالمرأة التي تهب نفسها للرسول..وأؤمن أن كل زواج له قصته وسببه وحكمته ودوافعه وكلها بأمر الله ولم تأتي اعتباطاً ..
وكذلك اؤمن بان زواج سيد الخلق بأم المؤمنين عائشة-رض- في أي سن كانت هي حالة متفردة تفرد شخصيته الفذة- صلى الله عليه وسلّم – ولحكمة أكيدة يعلمها الله سبحانه وتعالى ،
ولكن..وبسبب ايماني هذا.. أجد من المستهجن.. بل ومن المثير للقرف.. تعامل بعض الفقهاء مع هذه الحادثة كحالة مفصلية في الإسلام.. وكمصداق وتبرير وحجة دامغة لشرعنة نكاح الأطفال القصّر،والتخندق خلف التسع سنوات..كفتح مبين ومخرج وحيد من الظلمات إلى النور.. يحرم المساس به تحت طائلة التصنيف في خانة الرجس الذي هو من عمل الشيطان.. والذي هو واجب الاجتناب .. دون الإشارة حتى إلى خصوصية الحالة ولا النظر إلى الخصائص الاجتماعية في الجزيرة العربية في تلك الفترة ..
لقد ابتلى مجتمعنا بقوم من الفقهاء المسعورين بالشبق المهووسين بالجنس المغاير للطبيعة البشرية والعاملين على شرعنة الزنا والنخاسة بفتاوى لا تقل خطورة عن العبوات المتفجرة المدسوسة في الأسواق وقرب المدارس وملاعب الأطفال.. فتاوي تجعل الجنس كل مدار النشاط البشري وهوسه..ويدعون للشذوذ من خلال تحليله.. فكيف نفسر اغتصاب طفلة صغيرة في الثامنة من عمرها تحججاً بزواج الرسول-صلى الله عليه وسلّم – من أم المؤمنين عائشة.. فهل يمكننا اعتبار هذا الشيخ المتصابي بلحيته المضمخة رسول الله.. وهل هذا الموصوف بوالدها الذي انكحه إياها مقابل بعض الدريهمات هو أبو بكر الصديق –رض-.
إن استمرار الإفتاء بجواز هكذا زواج بدون الإشارة إلى خصوصية الحالة المستند عليها وعدم ملائمتها للعصر الذي نعيشه هو جريمة يعاقب عليها في أي مجتمع يؤمن بالقيم الإنسانية السامية التي يعد الإسلام تاجها وذروة سنامها.ويجب أن يقذف بمقترفها خارج المنظومة الإنسانية أو يزج بالمصحات العقلية.
وأدعو ولاة الأمر بسم الله والإنسانية تحديد عمر للنكاح لا يستهدف قدرة الفتاة على تحمل الوطء ولا حتى مجرد البلوغ , بل العمر الذي يؤهل المرأة لتحمل تبعات ومسؤولية مؤسسة الزواج المقدسة لدورها الحاسم في ديمومة الأسرة التي هي اللبنة الأساسية في بناء الكيان المجتمعي ، وفي تكوين النمو الفردي السليم للإنسان وبناء شخصيته،
أن استمرار الرهان على رفض الحاضر سيؤدي بنا – كمجتمع إسلامي- يوماً ما إلى وضعنا نحن وعلماؤنا الأجلاء في محمية تاريخية في تورا بورا أو لا اعلم أين .. يمر بنا الناس في سيارات جيب مغلقة خوف العدوى ويلتقطون لنا الصور ويرموننا بفتات الطعام واللب..فلا تتوقعوا أن بإمكاننا اقسار المجتمع الإنساني على البقاء معنا بين دفات الكتب العتيقة وجدب الصحراء.. ومنعه من تنفس وتلمس القيم الحقيقية للإسلام ..دين الفطرة النقية الإنسانية التي تشمئز من ذلك التعاطي المغلق مع التاريخ.
ولولاة الأمر اتخاذ الخطوات الصحيحة لتنقية المجتمع من ممارسات قد تدك الأسس الاجتماعية التي يقوم عليها..ولا تخافوا من فقهائكم فهم لا يقوون إلا على الإفتاء بعدم جواز الخروج على السلطان حتى وان كان جائراً..فمصيرهم مرتبط ببقاء السلطان..ولن يقامروا بهذه الوجاهة والرفاهية التي ينعمون بها مقابل امتياز الاعتراض على قراراً تتخذونه مؤيداً بمشاعر شعوبكم ودعاء رعاياكم من الناس الطبيعيين الذين يؤمنون بالله الرحمن الرحيم وبرسوله وبالإنسان الذي هو بناء الله ومعجزته الكبرى الملعون بكل الديانات من يحاول هدمه.
التعليقات (0)