من السلبيات البارزة للتيارات الدينية السائدة أن القائمين عليها، لا يفرحون بالنضج العقلى والتفكير النقدى لأتباعهم أكثر من فرحهم بالولاء بالتنظيمى..
وهم عادة ما يتملصون من النقد بأساليب شتى، تبدأ من تسفيه الرأى الآخر وتجاهله، مروراً بالتأثيم، وانتهاءً بالتخوين.. ويبقى المنتظمون فى تلك التيارات قطيعاً فى انتظار الراعى ووجهته، يتخبطون يمنة ويسرة كلَّما هشّ بعصاته عليهم..وهم يفرضون حالة من القداسة على هذا الراعى أو ذاك على طريقة "إن كانَ قال فقد صدق"!
وليس ذلك هجوماً على هذه الحركات التى نعيش بين ظهرانيها، ونقف معها اليوم على ظهرِ سفينة واحدة، وإنما محاولة للأخذ على أيديهم إذا هم أرادوا خرقها.. وفى هذا السياق، وقد بدأت أكبر المعارك السياسية فى تاريخ مصر، لنا أن نتساءل؛كيف يسمح المهندس خيرت الشاطر لنفسه – كما نقل عنه الأستاذ عبدالله المسيرى- أن يقول:
إن من ينتخب الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، آثم مرتين، مرة لأنه ترك الجماعة! ومرة لأن فى ذلك خطر على مصر؟!
قد يكون الأمر مقبولاً جداً ومنطقياً أن يقرر الشاطر نقداً سياسياً، وتبريراً منطقياً لرفض حالة (أبو الفتوح)، لكن أن يزج بالأمر فى باب (الحلال والحرام)؛ فإن ذلك يكشف توجه الحركة نحو اتخاذ مبدأ "السمع والطاعة" منطلقاً شرعياً لتقييم الآخر.. متجاوزة عدالة المبدأ ووجاهته فى أن يكون وسيلة للتماسك التنظيمى الدنيوى.
والمهندس خيرت الشاطر ليس محباً للجماعة ولا منتسبا ولا عابر سبيل على مكتب الإرشاد،فهو يعبر عن الجماعة، إن لم يكن (هو الجماعة)، وغلطة "الشاطر" بألف مما تعدون!
إن تأثيم الآخر لأنه خالف الجماعة، لا يدعونا الآن للتساؤل عن موقف الإخوان الشرعى من أبو الفتوح، الذى ارتدّ عنها، ونكص على عقبيه!بل يدعونا للسؤال عمن هم خارج الجماعة أصلاً، فلم تصبه حلاوة الإيمان بها، ولذة التسليم لها! إنها مؤشر لدكتاتورية أشدّ، نخشى أن تتخذ من (الفقه الخاص) وسيلة لجلد (الهراطقة) من المخالفين للجماعة، وذبحهم باسم الشرع!
كما أن المنطق الفقهى للشاطر وتبريره لحالة الإثم هذه؛ يدعونا لمحاولة استكشاف أصول الفقه التى استند إليها؛ فجعل من هذه مقدمات وعللاً، وجعل من تلك نتائج وأحكاماً!
وإن الذين يتشفون بمنتهى الإيمان والتُّقى والورع فى حيلة "البلكيمى" وافترائه الكذب على الناس؛ فيتخذون من ذلك وسيلة لإعلاء ذواتهم، وطرح النموذج البديل للتدين الصادق والعقل السياسى الراجح؛ لا بد لهم أن يحذروا من غض الطرف عن قوله تعالى:
(وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ).
وللأسف فإن الحالة المتلبسة لأفراد الحركة الإسلامية؛ هى حالة مَنْ فقد عقله وإرادته، كما وصفها الشيخ الغزالى، وهو الذى قذفَه – هو وزميله الشيخ سيد سابق- بعضُ شباب الإخوان بعد فصلهما من مكتب الإرشاد: بأنهما من أهل النار!!
وقد مرت السنون، ولا يزال استسهال إصدار الأحكام الشرعية على المخالفين لوجهة الجماعة سياسياً أو إدارياً، وسلب التدين منهم، وانتقاص عقولهم ورجاحتها، كما هو! ثم فى المقابل: حالة من التسليم المطلق للقطيع الذى استخفَّه الراعى فأطاعه! ويجب أن يتنبه المخلصون إلى أن جماعة تضيق بفرد واحد من مخالفيها فى نقطة سياسية محددة تحتمل الصواب والخطأ، وتلقى على من يقترب منه تهمة (الإثم)، أضيق بكثير من أن تتسع لوطن يحمل بين جنباته من المخالفين أكبر من المنتظمين فى سلكها. وكان الأمر سابقاً لا يعنى كثيراً من أبناء الأمة، فمن رغب عن الجماعة كان فى حلّ من تحليلها وتحريمها وتأثيمها،
أما الآن فقد ركبنا (جميعاً) سفينة واحدة، وعلينا (جميعاً) أن نستفيق، قبل أن نغرق (جميعاً)!
ياسر غريب
yaserghareb@yahoo.com
http://www.almesryoon.com/news.aspx?id=107669
أما بعد
يبدو أن الآفة الكامنة والمتوغلة بفكر جماعة "الأخوان المسلمون" والقائمة على مبدأ السمع التام والطاعة العمياء لرأس الجماعة ..
هذه الآفة التي كشف عنها الإمام الراحل محمد الغزالي والتي حاول مخلصاً أن يزيلها من الأدمغة مبتغياً صالح الجماعة وصلاح طريقها الدعوي
إلا أن الصدود والعزل والمكابرة كان جزاء الإمام الغزالي رحمة الله عليه..ومضت الجماعة في طريقها محملة بإصر قيد السمع والطاعة مطوقاً رقاب الأتباع وأتباع الأتباع .. وربما انحصرت آثار هذا القيد في إطار الجماعة لا يتعدى أتباعها كفلسفة وأسلوب وسلوك ونهج حياة.في الزمن الماضي .. .
أما وقد دانت البلاد لرموز الجماعة وأضرابها من باقي التيار المثيل .. فإن هذا القيد قد اتسع وتهيأ ليطوق رقاب شعب بأكمله صار رهيناً بفكر تيار لم يتخلص أبداً من تلك الآفة المدمرة القاتلة التي نبه إليها وحذر منها الإمام الغزالي " الصغير" رحمه الله ..
وقد تبدى هذا القيد المقيت في يد خيرت الشاطر رمز رموز جماعة "الأخوان المسلمون " والذي لوح بهروب " عبدالمنعم أبو الفتوح " المرشح المحتمل لرئاسة مصر" منه ..لذا كانت عبارة التأثيم المثناة التي رمى بها من يقترب من أبو الفتوح أو تأييده هذه العبارة الخطيرة التي رصدتها عين و التقطتها أنامل الدكتور ياسر غريب فطرحها تحت مجهر الفحص وعلى طاولة التشريح ليعيد إلينا ذات التحذير وليقرع ذات الجرس الذي قرعه من قبل الشيخ محمد الغزالي فيما يخص طغيان فلسفة السمع والطاعة الشمولية لدى جماعة الأخوان المسلمون والتي تلغي كافة وأعتى العقول في مواجهة عقل واحد له الأمر وله الحكم وإليه ينصتون .. العقل الرمز.. الآمر الناهي .. الكائن مقره بمكتب الإرشاد ..
قرأت واقعة الشيخ الغزالي في كتاب له تحت باب السمع والطاعة .. وهذا الكتاب إختفت كافة آثاره من الأسواق ..وربما اختفى ذكره ..
إلا أن عقلاً واعياً راشداً وقلماً رصيناً راصداً.. ومقالاً رائعاً ناقداً .. ل ياسر غريب يؤكد لنا أن مصر حبلى دائماً وعلى الدوام بمن يشدون لجامها ..ويمسكون زمامها .. ويضبطون ميزانها لتبقى عنواناً ورمزاً للإسلام الوسطي المعتدل الذي يطرد التطرف الجهول والعصبية المقيتة كما تطرد مدينة النبي الأكرم الخبث من أرضها ..
لو أنصفت جماعة" الأخوان المسلمون" حينما يطالع أحد من رموزها أو أتباعها مقال الدكتور ياسر غريب المنشورتحت عنوان (فقه الشاطر وفلسفة الإثم ) بجريدة المصريون المطبوعة بتاريخ أمس الخميس لجعلتها فرصة تاريخية لتكفر عن صممها وعن ذنبها وعن خطئها في الإعراض عن نصيحة الشيخ الإمام محمد الغزالي ..
ولتستشعر من مقال ياسر غريب المنشور عاليه رؤية شاملة تعكس صورة الجماعة الحقيقية أمام نفسها وأمام المجتمع ..
ولتتيقن أن الكاتب قد رصد ذات ما رصدته عين ..وقرع ذات الجرس الذي قرعته يد الإمام الرحل الشيخ محمد الغزالي ..
لتعيد ضبط نهجها خاصة في ظل هذه المرحلة غير المسبوقة وغير المتخيلة في تاريخ مصر وتاريخ الجماعة التي صارت أمام تجد تاريخي ..
إما أن تطبع بصمة لطالما حلم مؤسسها الإمام حسن البنا أن يطبعها على صفحة تاريخ الأمة الإسلامية ..
وإما تظل حاملة لذات الآفة التي رافقتها مع تحذير الشيخ الغزالي إلى تصريح خيرت الشاطر لتكون هي ذاتها أداة القضاء عليها وإلى الأبد..
وبالمناسبة .. الدكتور ياسر غريب ليس غريباً على إيلاف ..فله مدونة تحمل إسم " لوجه الله" انقطع عنها ولكن لم تنقطع منها الرصانة والمعلومة والعقلانية والأمانة في الطرح. وهذا رابطها لمن شاء الاستزادة
http://www.elaphblog.com/yaser
تنويه .. تركت الكومبيوتر مفتوحاً على المقال وعندما عدنا وفي محاولة إكمال تنسيقه فوجئنا بحذفه دون قصد منا ولكن بقيت التعليقات استطعنا الوصول إليها ونسخها .. لذا نعتذر لأصحابها .. وسنعيد نشرها بحالتها .. عقب إعادة نشر الموضوع .. مع التعليق عليها .. ونأسف للخطأ غير المقصود ..
التعليقات (0)