في اي محاولة لتلمس الهوية الجمعية المتفردة لهذا الجيل.. والتي عادة ما تعتمد على المتميز اجتماعيا او سياسيا او عقائديا.. اوالمتسيد العام والمشكل للهوية الثقافية والفكرية لابناء هذه الحقبة الزمنية او تلك..يصطدم المرء مباشرة بالصوت العالي والسطوة الطاغية لبعض التيارات الدينية السلفية المضطردة التغول والانتشار..والساعية من اجل تسييد الثقافة القطيعية المعتمدة على اليات النص والنقل .. كنظام واسلوب حياة.. مستندين الى الترويج لصورة مفرطة النرجسية عن ماضي جميل مليء بالقيم والاخلاقيات التي تحفظ للمجتمع تماسكه وديمومته كخيار اوحد..
فبالاستعانة بمحترفي العاب الخفة الفقهية والضالعون بالتقافز ما بين الايات والاحاديث الشريفة.. والتوسع في النص من المقدس امتدادا حتى التاريخي.. يتم العمل –وبلا كلل – على تثبيت الهوية الثقافية او المعتقدية المراد ترويجها كصفة مميزة لهذا العصر.. والتي ليس من العسير التوصل الى ان هذه المتسيدات غالبا ما تكون خيارات النخبة الحاكمة ومتطلبات استمراريتها في الحكم اكثر من كونها خيارات شعبية حرة.. ..وان كل الغرض منها هو تمرير المنظومة الفقهية الساندة لعمليات شرعنة الاستبداد والتسلط ومشروع التشبث بالموروث الديني والتاريخي لغرض التأبد على سدة الحكم.
حيث يتجدد سعي الفقهاء والمحدثون –وباستمرار - بانتقاء شذرات وأحاديث من تجربة الرسول محمد"صلى الله عليه وسلم" في ادارة دفة الحكم وبعض الممارسات السياسية في بواكير الدولة الاسلامية الوليدة وتركيبها على منصب الخلافة التاريخية ومن ثم على كل من يتصدى للحكم حتى في العصر الحديث، بالرغم من ابتعاد الغالب الاعظم –القريب من الكلية المطلقة - من الحكام عن احكام ومتطلبات الشريعة الإسلامية،حتى في امور المعاملات والمعلوم بالضرورة من الحلال والحرام.. أو تميزهم بالاستيلاء على السلطة بطرق ملتوية وغير شرعية، وبناء مجمل المنظومة الفقهية على الحديث الذي رواه البخاري عن أبى هريرة عن النبي "صلى الله عليه وسلم" :أنه قال: (من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع الأمير فقد أطاعني ومن عصى الأمير فقد عصاني).
إن الباحث في التاريخ السياسي العربي لن يجد صعوبة في اكتشاف حرص الانظمة الحاكمة عبر العصور على تأسيس نظام فقهي رديف يتصدى لمهمة تأويل وتزييف الوعي الديني بما يسند ويدعم موقع الحاكم ويتسامى به الى مستوى النقاء الألهي المؤيد بالسماء. وكنتيجة للتراكمية التحريفية للدين اكتسب الحاكم قداسة تماهي القداسة المسبغة على النبي ..من خلال الترويج لرسالية التكليف الالهي الملهم للسلطان والدأب الملح في اختلاق كل ما يواكب الحكم من احاديث او تفاسير بدون رادع ولا حياء..
ولقد تبوأ هذا النظام الفقهي دوره الاهم في التحالف الديني والسياسي من خلال ممارسة القمع والارهاب الفكري لكافة حركات التحرر والانعتاق على ظلم الحاكم الجائر.. وعن طريق تخليق التباسات مقصودة ومغلوطة حول قضايا التوعية والتنوير.. وتشكيل تيار ممانعة للضرورة الحتمية لإعمال العقل والمنطق في المقاربات الفكرية للمعضلات الاجتماعية التي تهم الفرد والجماعة.. وعن طريق تشويه الغايات والدوافع الحقيقية لهذه الحركات واصمة اياها بالمروق والكفروالزندقة والشعوبية.. مبررة وفاسحة المجال امام التنظيمات التكفيرية المتشددة المتمتعة والمستندة على الدعم السياسي الرسمي العربي.. لانتاج وتعميم ثقافة التناحر والتقاتل المذهبي والطائفي عبر اعلاء فلسفة الكراهية والاقصاء والتهميش اعتمادا ً على التراث المزيف الذي اضفيت عليه قسرا وتدليسا صفة المقدس والمعلوم من الدين بالضرورة الواجب الاتباع تحت طائلة الخروج من الملة..
ونحن هنا..مع الاعتراف بصعوبة تجاوز تراكمات التسييس المنظم للنصوص الدينية لاكتساب هذه المنظومة للرسوخ التاريخي المتقادم ..فان الواجب الاخلاقي يحتم على كل القوى المحبة للخير وللانسانية العمل على تغليب مبدأ التعايش والتحاور وتقبل الاخر ..والعمل على اعلاء واحترام الجانب الانساني في الاديان واحترام الخيارات الفلسفية السلمية للانسان..تحت قدسية حق الاعتقاد..والعمل على تعميم استيعاب انساني شامل لمباديء الحرية والديمقراطية وضمان حق الرأي والمواطنة ..ومناهضة العدائية المنظمة لمباديء حقوق الانسان من خلال تطوير اليات عمل منظمات المجتمع المدني..والتأكيد على اولية الجانب الانساني للمجتمع على الجانب الديني ..وعندها لن يكون مهما من سينتصر في الجدال الازلي لتحديد هوية وملامح الفرقة الناجية يوم القيامة..
التعليقات (0)