عبد الهادي فنجان الساعدي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تاثر صديقي كثيرا لانه قرا تقريرا حول ادعاء بعض الغربيين بان الاسلام دين بدوي ، وان المجتمع الاسلامي هو مجتمع بدوي ، وكان منزعجا من هذا التقرير كثيرا !! مهما يكن التقرير مجحفا في تقديره للمجتمع الاسلامي الا انني ايدت هذه الفكرة في كثير من جوانبها لانها تتعرض للمجتمع الاسلامي اكثر من تعرضها لفكرة الاسلام ، حيث ان المجتمع العربي هو اصلا مجتمع بدوي وعندما جاء الرسول (ص) ووضع هذا الانسان البدوي على الطريق من خلال زرع الفكرة (الاسلام) في روح وعقل هذا الانسان ، استطاع تحويله الى انسان في اول سلم الحضارة ، لان الفكرة هي الاساس في التطور الذي يطرأ على أي انسان او أي مجتمع ولكن بعد وفاة الرسول (ص) بفترة وجيزة حدثت الانعطافة التاريخية التي اعادت هذا الانسان الى طريق البداوة حيث عاد الصراع قبليا (قرشيا - قرشيا) او بشكل ادق (قرشيا - هاشميا) واستعملت كل اساليب البداوة (المتطورة) في هذا الصراع واستمرت حتى اصبح الصراع (قرشيا - هاشميا) بقدر انحياز القبائل الى قريش وامويا - هاشميا بقدر انسلاخ القبائل من هذا الصراع ثم اصبح عباسيا - هاشميا حتى كادت تضمحل كل روح القبيلة في اواخر عهد العباسيين ، وبقيت روح البداوة راسخة في نفوس الناس .”ان الافكار تكون في مجموعها جزءا هاما من ادوات التطور في مجتمع معين، كما ان مختلف مراحل تطوره في الحقيقة اشكال متنوعة لحركة تطوره الفكري”(1) فهل حدث هذا ام ان ما كان يجري هو عكس مجريات التطور الفكري للمجتمع !!”وهنالك فضلا عن ذلك جانب اخر لاهمية الافكار في العالم الحديث: ففي القرن التاسع عشر كانت العلاقات بين الامم والشعوب علاقات قوة ، وكان مركز الامة بعدد مصانعها ومدافعها ، اساطيلها البحرية ، ورصيدها من الذهب . ولكن القرن العشرين قد سجل في هذا الصدد تطورا معلوما ، هو انه قد اعلى من الفكرة ، باعتبارها قيمة قومية ودولية . هذا التطور لم تشعر به كثيرا البلدان المتخلفة ، لان عقدة تخلفها ذاتها قد نصبت في طريقها ضربا من الغرام السقيم بمقاييس القوة ، أي بالمقاييس القائمة على “الاشياء”(2).عندما استلم هارون الرشيد الخلافة عند موت اخيه الهادي بعهد من ابيه المهدي محمد بن المنصور عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس . راى من ضمن ما راى من غنائم الخلافة احدى زوجات ابيه وكانت جارية جميلة وجذابة فلم ينم تلك الليلة حتى ارسل الى القاضي ابي يوسف ليجد له مخرجا حتى يتزوج هذه الجارية (زوجة ابيه) وعندما وجد له القاضي مخرجا اخذ كل منهم ما له وترك ما عليه . فالقاضي اخذ مكافأته والخليفة اخذ ما يرضي نزعاته الجنسية المحمومة وتركوا ما لله سائبا(3).وهنا تبدأ مرحلة “الحيل الشرعية” او اتمام القضاء بموجب فتوى تقع تحت مسالة ((يجوز للعبقري مالا يجوز لغير)) وهذه كلها حيل شرعية لا علاقة لها بالدين (فحلال محمد حلال الى يوم القيامة وحرامه حرام الى يوم القيامة) . وهنا تبدأ معادلة جديدة وهي ان الاسلام يبدأ عندما يوظف الانسان مصالحه للدين وينتهي عندما يوظف هذا الانسان الدين لمصالحة . “فالعالم قد دخل اذن مرحلة لا يمكن ان تحل فيها اغلبية مشكلاته الا على اساس نظم الافكار وفي مرحلة كهذه يتحتم على البلاد العربية والاسلامية ان تولي اكبر قدر من اهتمامها لمشكلة افكارها ، وبخاصة تلك البلاد التي لا تمتلك كثيرا من ادوات القوة المادية”(4).
قد يلتقي الاسلام مع البداوة في بعض المواقف الا انه يختلف عن البداوة في الكثير من عناصر التكوين لان البداوة جمود والاسلام حركة وتطور .
الحواشي:
(1) مشكلة الثقافة / مالك بن نبي / ترجمة عبد الصبور شاهين ، دار الفكر / ص10 .
(2) المصدر نفسه ص12 .
3) )تاريخ الخلفاء / السيوطي ص291 .
(4) المصدر السابق ص14 .
كاتب وصحفي عراقي
التعليقات (0)