علي جبار عطية
قال لي ان امه حزينة لانه مازال يفترش الرصيف ويبيع الصحف وبالكاد يسد قوت يومه وقد قالت له جملة مازالت ترن في رأسه اذ انها قالت : تمنيت ان اراك ياولدي موظفاً راتبك اربع مئة الف دينار !
ويعلق بائع الصحف قائلاً : قلت لها : لماذا لم تتمني ان يكون راتبي مليون دينار مثلاً وهل هو تقشف حتى في الامنيات ؟
كنت افكر في هذه الحكاية فاذا بي اقع على حكاية اغرب منها نشرتها احدى الصحف اليومية قبل ايام ملخصها : ان سائقاً اوقفه رجل مرور ثلاث ساعات على الخط السريع الذي يربط بغداد ببابل ولم يكن في اوراقه الرسمية مايثير الريبة الا انه عرف بعد نزول الركاب من سيارته وكان نوعها (ستاركس ) ان السبب هو وضعه عباره ( مسكينة ) على الزجاجة الخلفية لسيارته وقد اثارت هذه العبارة رجل المرور بينما لم تثره عبارات اخرى في سيارات كثيرة مثل ( اتركني مخطوبة ) و (الشيخة علاهن ) و ( يارب اعطهم مايتمنون لنا وزدهم) .
لماذا ؟
لان ( مسكينة ) هو اسم ام رجل المرور وهو معتز بها اشد الاعتزاز وقد قال رجل المرور بصراحة انه لولا رعاية امه ( مسكينة ) لما تمكن من الحصول على هذه الوظيفة اذ ان امه كانت تدعو ربها غروب كل يوم بان يكون ابنها جندياً او شرطياً وبلهجتها القروية كانت تتمنى ان يكون ابنها ( داير توه ) اي رجل مرور !
وكم كنت اتمنى ان تتمنى هذه الام الطيبة ان يكون ابنها وزيراً لوزارة سيادية او نائباً لكتلة كبيرة او مديراً عاماً كثير الايفادات او نجماً كروياً ذا رجل ذهبية ونحو ذلك من المهن التي تبيض ذهباً والتي هي تجارة لن تبور اما ان تتمنى ان يكون ابنها رجل مرور فتلك والله من الامنيات المتواضعة والخطرة فكم من رجل مرور قضى نحبه بكاتم صوت وكم من رجل مرور تعرض لاستهتار بعض السواق او طلب منه ان يصيد عشر مخالفات يومية ونحو ذلك !
المهم عدت من تلك الافكار السوداوية بنتيجة ان الفقراء حتى وهم يحلمون او يتمنون فان احلامهم متواضعة جداًَ ويمدونها على قدر الغطاء بل هم فقراء احياناً حتى في الاسماء والكنى والالقاب .
فأين هؤلاء من اصحاب الامال العريضة والذين يقبلون على الحياة المادية بشراهة ويقولون هل من مزيد ؟
الأربعاء 14-09-2011
التعليقات (0)