عليك منا السلام يا وطن العلم والحضارة ، والسلم والأمان ، والرّقي والإزدهار .. ووطن الأمّية المتفشية والفقر المدقع ، والحرب والخراب والدمار .. وطن الصور الزاهية منها والقاتمة .. ووطن الحلم الجميل والكابوس المريع .. وطن الديكتاتوريات التي تحكمه بأيدٍ من حديد والديمقراطيات التي تنسفه وتبعثر أشلاء مواطنيه وتخلط أوراق حكوماته ؟! ..
المتنافضات ليست أمراً غير إعتيادي حين يتعلق الأمر بالعراق تحديدا ، فقد قيل إن الأزمات تعصف بالعراق في سنواتٍ عجافٍ ، فيدب القحط في أرجائه وتعمّه الفوضى ، ويفقد الكثير من خيرة أبنائه وعلمائه ومفكريه ومبتكريه ، وفي خضم تلك الفوضى يخرج قائد صاحب قوة جبارة ، وحزماً لا يقلُّ عن حزم الحجّاج بن يوسف الثقفي ، وهو من يستطيع أن يوقف العراق على قدميه ، ويعيده إلى سكة التنمية والتطور ! ..
نشعرُ بالتفاؤل حين نسمع أقاويل كهذه ، لأنها تقودنا إلى تحليل الوضع العراقي تحليلا تاريخيا وموضوعيا ، بوضع مقارنة بسيطة بين فترات الأنظمة الديكتاتورية التي حكمت العراق ، وبين نظيرتها الديمقراطية ، وبما أن فترة الراحل صدام حسين كانت الأقرب فسنقارنها بالديمقراطية الحالية .. فصدام حسين (رحمه الله) إستطاع أن يخلق جوا من الألفة ـ حتى ولو على مضض من الكثيرين ـ بين جميع الطوائف العراقية ، وجعلهم يعيشون ضمن نسيج موحد ، حتى وإن كان الشعب يدفع ضرائب باهضة لسياسته بالضغوطات الخارجية وبالحصارات ، لكننا حينها على الأقل كنا نتعاطف مع الشعب العراقي ليس لأنه يموت من الجوع جرّاء إستنزاف سلطوي للثروات ، بل لأن القوى الضاغطة منعت بيعه أدنى مستلزمات الحياة ..
أما اليوم في ظل الديمقراطية المزعومة فنحن نرثي حال العراقيين الذين يموتون جوعا ، وقوى ضغط الأمس هي نفسها سمسار السوق العراقي تستنزف خيراته بعدما (فرّقت وسادت) ، كل ذلك يحدث وعملائها منشغلون بآلياتٍ تخدم الجميع ـ ماعدا المواطنين طبعا ـ في تقسيم (الطّرطة) العراقية ، فهؤلاء لن يزيدوا الشارع العراقي إلا خبالا ، وديمقراطيتهم ستجرّ العراق إلى المزيد من التصعيد والتأزيم والدموية .
ـــــــ
تاج الديــن : 08 ـ 2010
التعليقات (0)