مواضيع اليوم

فقدناك يا فضل الله

سلمان عبدالأعلى

2012-07-06 02:11:48

0

فقدناك يا فضل الله


بقلم: سلمان عبد الأعلى


كثيرة هي العناوين التي يمكن أن نتناول فيها الحديث عن السيد محمد حسين فضل الله "رحمه الله"، غير أن إختزاله في عنوان واحد هو أمر في غاية الصعوبة -على الأقل لمن هو على شاكلتي- فالرجل كان منفتحاً على أكثر من جانب ومجال، فهو رجل دين ويمثل إحدى المرجعيات الدينية البارزة، وهو خطيب بارع يعرف كيف يعظ الناس ويخاطبهم على قدر عقولهم، وهو الكاتب والمؤلف الذي أغنى المكتبة الإسلامية بالعديد من الكتب في شتى المعارف الإسلامية والنواحي الفكرية –كالتفسير والفقه والعقيدة والأخلاق والسياسية وغيرها- وهو الأديب والشاعر الذي عرف كيف يوظف موهبته الأدبية في خدمة قضيته الرسالية –ومن يراجع قصائده يجد هذه السمة واضحةً فيها- بالإضافة إلى ذلك نجده المجاهد القوي الذي لم يخضع ولم يستسلم حتى في أحلك الظروف واللحظات، والذي كادت آراءه السياسية ومواقفه الجهادية الصلبة أن تودي بحياته أكثر من مرة.


أجل، في كل هذه المجالات وغيرها تميز السيد محمد حسين فضل الله "رحمه الله"، فلقد كان بحق مرجعاً دينياً متميزاً، وخطيباً متميزاً، ومفكراً متميزاً، وكاتباً متميزاً، ومجاهداً متميزاً ... إلى غير ذلك من النعوت التي نستطيع أن نطلقها عليه دون أن نوفيه حقه.

ولم يكن السيد "رحمة الله" متميزاً في هذه الميادين فحسب، بل تميز وأبدع كذلك في كيفية توظيفها وجعلها –بأجمعها- في خدمة الرسالة الإسلامية. نعم، الرسالة التي حَرَمَ السيد على نفسه الراحة من أجلها، وفي سبيل نشرها وغرسها في نفوس الناس، ولهذا تنوعت الأساليب والأدوار التي أتبعها لذلك.

ولهذا فإننا في الذكرى الثانية لرحيله لا نزال نفتقده، وإن كان له حضور لا يمحوه الغياب، ولكننا نفتقده رفيقاً ومرشداً، وموجهاً وملهماً يرافقنا ويلهمنا في معالجة قضايانا الجديدة والمتجددة، وإنني منذ رحيله لا زلت أفتش عن من يملئ الفراغ الذي خلفه، ولكنني في كل مرة أصاب بخيبة أمل، لأن السيد "رحمه الله" لم يترك فراغاً واحداً، بل خلف ورائه فراغات متعددة يصعب ملئها، وذلك في العديد من المجالات، في الدين والأخلاق، في الثقافة والفكر، في الجهاد والسياسة، في العمل الإجتماعي وغيرها من الأمور.

لذلك فإننا كلما تقدم بنا الزمن وطالت بنا المدة نستشعر فقده أكثر، فلقد فقدناك يا فضل الله، وفقدنا برحيلك عالماً عاملاً ومرجعية منفتحة تحملت مسؤوليتها ومارست أدوارها وتفاعلت مع قضايا وهموم مجتمعها، وكيف لا نفتقدك؟ ونحن نجد الكثير من العلماء والمرجعيات الدينية قد غابت عن مجتمعها –عجل الله فرجها- ولم تتحمل مسؤولياتها وانشغلت عن ذلك بأمور هامشية وسطحية.

فقدناك يا فضل الله، وفقدنا برحيلك عالماً عاملاً وازن بين الأصالة والتجديد، فلم يؤدي به تمسكه بمبادئ وقيم الإسلام إلى الانغلاق والتحجر والتعصب، كما لم يجعله انفتاحه يبتعد عن الإسلام وقيمه ومبادئه، كما أدى ذلك ببعض العلماء والمفكرين الحداثيين الذين ضلوا الطريق وهم ينشدون التجديد.

فقدناك يا فضل الله، وفقدنا برحيلك عالماً أفنى حياته من أجل قضية الوحدة الإسلامية، إذ لم يتخذ الوحدة الإسلامية شعاراً ووسيلةً للوصول إلى أهداف أخرى، بل وضعها هدفاً ومارسها ممارسةً في كل حياته، وفي كل ما أعطى من فكر، وفي كل ما مارسه من سلوك، في الوقت الذي نجد الكثير من دعاة الوحدة الإسلامية يتخذون من هذه القضية شعارات جوفاء خاوية دون أي ممارسة فعلية.
فقدناك يا فضل الله، وفقدنا برحيلك إرادةً صلبة لا تتزعزع ولا توقفها التحديات والصعوبات ومحاولات التصفية الجسدية والفكرية عن مواصلة العطاء الفكري ودعم الجهاد وتوعية الأمة.

فقدناك يا فضل الله، وفقدنا برحيلك فقيه مجدد، وعالم كبير، ومثقف بصير، وشاعر واعي، وكاتب خبير، لديه الشجاعة والجرأة للجهر بآرائه ومواقفه التي يعتقد بها، في الوقت الذي نجد فيه بعض الفقهاء والعلماء والمثقفين والشعراء والكتاب جبناء لا يستطيعون المواجهة ويخشون الجهر بآرائهم، لأنهم يخشون الناس ويسعون لإرضائهم.
فقدناك يا فضل الها، وفقدنا برحيلك إنساناً بكل ما للكلمة من معنى، إنساناً يملك العاطفة الواعية الصادقة، والوعي العاطفي الصادق، إنساناً أسيء إليه وترفع عن الإساءة أو الرد على من أساء إليه.

نعم، فقدناك يا فضل الله وفقدنا برحيلك من يستطيع أن يملأ كل هذه الفراغات الذي خلفتها، ولا ندري هل ستجود علينا الأيام بإنسان مثلك في القريب العاجل أم لا؟.

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !