فقدان مصداقية !

علي جبار عطية
يقول الشاعر :
جزى الله النوائب كل خير عرفت بها عدوي من صديقي !
وهذا يحصل باستمرار مع كل واحد منا وقد صدمت بفقدان المصداقية في اللافتات التي يعلقها أصحاب الحرف _ ولا أقول شعارات بعض الكتل _ إذ يرفع صاحب فرن الصمون لافتة تقول ( نزودكم بالصمون الحار ليلاَ ونهاراَ ) فتذهب إليه بعد التاسعة مساءَ فتجد فرنه مظلماَ موحشاَ كئيباَ ليس فيه صمون حار ولا بارد !
تحتاج إلى دواء ضروري لإسعاف مريض فلا تجد صيدلية خافرة بعد العاشرة مساءَ وإذا وجدت فدائياَ من الصيادلة فلن تجد الدواء المطلوب ! في ساحة من ساحات باب الشرقي قرأت لافتة تقول : نشتري ونبيع الأقلام الحبر والجاف ..فأخرجت له قلم الحبر الذي لا استعمله لأنه لايتناسب مع إيقاع العصر وهو ينتمي لزمن الارستقراطية وقلت له : آلا تشتريه ؟ فرد عليّ بالنفي فسألته : لكن أنت معلن انك تشتري مثل هذه الأقلام ؟ رد عليّ بجفاء : لكني لن اشتري قلمك !
وقبل أيام حدث تماس كهربائي في بيتي أدى إلى احتراق محول التيار الكهربائي وتحوله إلى فحم وكادت إن تحدث كارثة لولا اللطف الإلهي وانقطعت الكهرباء الوطنية واللاوطنية وعدنا إلى عصر اللالة ليومين فهرعت إلى أصحاب محال الكهربائيات وقد حرص اغلبهم على وضع أرقام هواتف نقالة للكهربائيين المستعدين للإصلاح أو تأسيس خطوط الكهرباء وبدأت بالاتصال بهم وكم كانت خيبة أملي كبيرة إذ أنهم يتذرعون بانشغالهم وعدم تفرغهم مع إني ابسط لهم الموضوع باختصار واعدهم باجر جيد لكن دون جدوى وبدت إغراءاتي لهم كمن يحاول يدعو حافياَ للسير على شارع إسفلتي ظهيرة يوم قائظ !
ماذا افعل إزاء فقدان المصداقية وقد انقطعت عن العالم الخارجي وبدأ هاتفي النقال يفقد كهرباءه الشحيحة وكبرياءه فلا اتمكن من سماع موسيقى حلاق اشبيلية وهي نغمة التنبيه .
لم يبق سوى الاعتماد على النفس وترديد قول الشاعر :
ماحك جلدك مثل ظفرك
فتول أنت جميع أمرك !
وأي جلدٍ هذا انه جلد الكهرباء مثخنة الجراح !