عبـد الفتـاح الفاتحـي
على الرغم من السعي المتزايد للجهات الراغبة في توثير العلاقات بين المغرب وإسبانيا، فقد تمكنت الرباط ومدريد من احتواء التوتر الذي تصاعد على خلفية ارتفاع حالات اعتداء الشرطة الإسبانية على مواطنين مغاربة في الحدود الوهمية لمدينتي سبتة ومليلية.
وشكلت زيارة عمل قام بها وزير الداخلية الإسباني "ألفريدو بيريز روبالكابا" للرباط، واستقباله من قبل خلالها الملك المغربي محمد السادس فرصة لنزع فتيل الأزمة التي شجعت عليه أيدي خارجية، وصلت إلى حد دعوة البوليساريو والجزائر إلى زيارة مخيمات تندوف للرد على الرباط.
إلا أن تصريحات مسؤولي المغرب وإسبانيا أجمعت على "متانة العلاقات الأخوية" التي تجمع بين الملك محمد السادس والعاهل الاسباني خوان كارلوس وكذا بعمق الروابط بين حكومتي البلدين وبين الشعبين المغربي والإسباني اللذين "يتقاسمان التشبث بقيم الحرية والديمقراطية والتسامح" وهو ما يعني أن ملكي البلدين قد لعبا دورا أساسيا في حل الأزمة الدبلوماسية بين البلدين.
وعبّر روبالكابا، عن إرادة بلاده في العمل على تعزيز روابط التعاون مع المغرب، عقب جلسة عمل مع نظيره المغربي الطيب الشرقاوي، تم خلالها، التأكيد على الطابع المتميز للتعاون بين مصالح وزارتي الداخلية بالبلدين والتنويه بالنتائج الجيدة التي أسفر عنها.
وقرر الوزيران إثر تفعيل اللقاءات الدورية للجنة الأمنية المشتركة وفتح مراكز شرطة مشتركة والرفع من عدد ضباط الربط وتطوير عمله.
احتواء الأزمة كان على أعلى مستوى وأفضى إلى مزيد من اللقاء لقطع دابر الخلافات بين البلدين، وفي هذا الصدد بحث الملك المغربي محمد السادس خلال لقاء جمعه في نيويورك مع خوسي لويس رودريغيث ثباطيرو العلاقات بين اسبانيا والمغرب، وخاصة المصالح المشتركة بين البلدين. في انتظار زيارة ملك اسبانيا خوان كارلوس في الأمد القريب.
ولا تزال العلاقات المغربية محط اختبارات حقيقية بسبب المحاولات القوية للإيقاع بين الرباط ومدريد. فلم يتوان الحزب الشعبي الإسباني المتطرف وعدد من الهيئات الموالية لجبهة البوليساريو في العمل على إثارة كل ما يسهم في تقويض العلاقات بين المغرب وإسبانيا.
وتستمر معاول هدم العلاقة بين الرباط ومدريد بالزيارة التي قام بها زعيم الحزب الشعبي لمليلية، وباستمرار التحرش الإسباني بالمغاربة العابرين للحدود الوهمية لمدينتي لميلية وسبتة، حين ختمت الشرطة الوطنية الإسبانية المُشتغلة بباب مليلية على معبر بني أنصار الحدودي على جوازي سفر مغربيين بخاتم حارم من ولوج الثغر المحتل لمدّة 5 سنوات، وهو الأمر الذي لم يستسغه المُحتجّون لحدوثه على مرأى منهم ودفعهم إلى التهديد بإعادة تفعيل الحصار الاقتصادي على الأغذية الطريّة التي تلج مليلية عبر المعابر.
واستنكرت الأحزاب السياسية المغربية والهيئات الجمعوية الزيارة التي قام بها رئيس الحزب الشعبي الإسباني "ماريانو راخوي" بها لمليلية المحتلة، واعتبرت الزيارة استفزازية بكل المقاييس في وقت تم فيه التفاهم بين الحكومات على جملة من المشاكل التي أججت التوتر بين دبلوماسيية البلدين.
واعتبر الأمين العام لحزب الاستقلال عباس الفاسي أن هذه الزيارة تعد أيضا "إساءة إلى المشاعر المتجذرة والراسخة لدى جميع مكوِّنات وشرائح الشعب المغربي، وسلوكا يتنافى مع روح الصداقة ومبادئ حسن الجوار والاحترام المتبادل والعلاقات الصريحة والصادقة بين المملكتين المغربية والإسبانية، ولن يساهم إلا في تعكير الأجواء الودية بين البلدين".
كما لم يتأخر الرد الشعبي المغربي، حيث نظم فاعلون جمعويون وسياسيون أمام بوابة مليلية بمعبر بني انصار الحدودي وقفة للتنديد بزيارة زعيم الحزب الشعبي "مَاريَانُو رَاخُويْ" للمدينة الرازحة تحت التواجد الإسباني بنيّة تأجيج الخلاف المغربي الإسباني واستغلال الوضع لأغراض انتخابوية بحتة.
وتصر عدد من الجهات في إسبانيا على تقويض التقارب المغربي الإسباني، الذي تم الإعلان عنه عقب تجاوز الخلافات الدبلوماسية الأخيرة بين الرباط ومدريد حول ما بات يعرف بأزمة المعابر الحدودية الوهمية في مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين.
وتأكدت استمرار معاول هدم العلاقات المغربية الإسبانية، بتسارع وثيرة ذلك من قبل اللوبي المؤيد للبوليساريو والجزائر، عشية إعلان البلدين أن علاقاتهما إستراتيجية ولم تتأثر بالأزمة الأخيرة.
عدد من المراقبين اعتبروا أن حماسة الحزب الشعبي لتقويض العلاقات بين الرباط ومدريد لا تخلو من تنسيق مع جهات خارجية، وهي المسؤولة أيضا عن تجنيد الأبواق الإعلامية اليمينية لقيادة حملة تحريضية ضد المغرب بلغت إلى حد مطالبة بعض الصحفيين اليمينيين بقنبلة المغرب.
ولقد تجسد عصاب اليمين الإسباني الجامح إلى العنف في ما عبر عنه الصحفي المثير للجدل "فيدريكو خمينث لوسانطوس" الذي دعا في برنامج إذاعي على إذاعة "إس راديو" إلى "قنبلة قصور محمد السادس" لحل النزاع مع المغرب، قبل أن يستدرك ويقترح قنبلة "بيت فليبي غونثالث" في المغرب. واعتبر أن حل الأزمة يمر أيضا ب "الهجوم على أملاك الإسبان الذين يخدمون ملك المغرب، وتدميرها"، قبل أن يدعو إلى طرد "السفير المغربي من اسبانيا".
كما اتهمت صحف يمينية أخرى المغرب في افتتاحيات "تحريضة" بممارسة ضغط غير مفهوم على اسبانيا، حتى أن الأخيرة تعيش حاليا على وقع حصار المغرب لها. واعتبرت صحيفة "ألموندو" الواسع الانتشار أن الرباط تسعى منذ عدة أشهر على الضغط على إسبانيا من أجل تليين مواقفها ودعم مخطط الحكم الذاتي الذي تعتبره الحل للنزاع، وهو ما ستدافع عنه الدبلوماسية المغربية في نيويورك عقب مشاركة محمد السادس في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وأشارت الصحيفة إلى أن أزمة المعابر بين المغرب وإسبانيا في الصيف على الحدود مع مليلية، وكذا رسالة الاحتجاج "غير المسبوقة" للوزير الأول المغربي احتجاجا على زيارة راخوي للمدينة هي ضغوط يمارسها المغرب على اسبانيا.
عدد من المحللين السياسيين أكدوا أن الأزمة الأخيرة بين الرباط ومدريد لازالت على محك الاختبار بسبب استمرار عناصر التشويش، وحتى وإن كانت قناعة المسؤوليين المغاربة والإسبان قد دعت إلى مزيد من تطوير علاقاتهما إلى مستويات أعلى.
وهو ما قابله شروع أيادي من داخل وخارج إسبانيا إلى إعلان حملة تحريض مكشوفة على المغرب، تجلت في تجييش نشطاء إسبان للمس بسيادة المغرب في الأقاليم الجنوبية، حينما رفعوا شعارات مؤيدة للبوليساريو وحملوا أعلام ما يسمى بـ"الجمهورية الصحراوية" بمدينة العيون، قبل أن يتدخل المواطنون المغاربة لوقفهم عند حدهم.
ومن أجل مستقبل جيد للعلاقات المغربية الإسبانية سارع رئيس الوزراء الإسباني "خوسي لويس رودريغيث ثباطيرو" إلى إدانة الحادث، داعيا مواطني بلاده إلى احترام قوانين المغرب وعناصر سيادته، وهو الرأي الذي أعاده وزير الخارجية الإسباني بالقول أن الحكومة الإسبانية غير متفقة مع النشطاء الإسبان.
محـلل سياسـي
elfathifattah@yahoo.fr
التعليقات (0)