مواضيع اليوم

فـي الـذكرى الأولى للحـرب الإسرائيـليــة على غزة... غـــزة إلــى أيـــن؟؟

فلسطين أولاً

2009-12-21 23:30:20

0

فـي الـذكرى الأولى للحـرب الإسرائيـليــة على غزة... غـــزة إلــى أيـــن؟؟

إعــداد / أكــرم أبــو عمــرو

كثيرة هي الكتابات حول قطاع غزة وما جرى ويجري فيه ، لكن استطيع القول أن القليل من تناول القطاع بشمولية الحاضرة وبنظرة فاحصة ، فغزة ذلك الجزء الصغير جدا في المساحة الجغرافية بالنسبة لباقي أقاليم ودول بل ومدن العالم ، احتلت مكانا بارزا على مسرح الأحداث العالمية، وفي كثير من الأحيان احتلت مكان الصدارة في هذه الأحداث ولم يختطف هذه المكانة منها سوى بعض الأحداث العالمية الكبرى مثل أحداث الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2001 ، والحرب الأمريكية في أفغانستان 2001 ، والحرب الأمريكية على العراق عام 2003 ، وبعض الأحداث الأخرى ، ولكن سرعان ما تعود لمكانتها، واعتقد بان لا أحدا في هذا العالم لا يعرف غزة، ليس بفضل الجغرافيا وخرائطها، ولكن بفضل أعمدة الدخان ولهيب النيران المتصاعدة من غزة ، من لون الدماء وصور الأشلاء ، من صرخات الأطفال والنساء ، من آهات الثكالى وأنات اليتامى، من صور الدمار والخراب التي تقشعر لها الأبدان وتنعق فوقها الغربان، من حالة غزة الصامدة الصابرة التي تشهد الموت بالجملة بسبب الحصار، اقتصاد متهالك أو يمكن القول لا اقتصاد اللهم من اقتصاد الأنفاق الغريب والفريد من نوعه في العالم ، حصار بحري ومياه مسروقة وكهرباء كثبره الغياب ، ومع ذلك وغزة لم تهدأ... فمنذ العام 1948 أي منذ النكبة ... النكبة التي كان من نتائجها أن جعلت نحو 66.5% من سكان قطاع غزة لاجئين، كانت دائما مهد الثورة والمقاومة، مهد الصمود والتصدي، مهد الرفض لكل محاولات التدويل والتوطين، منها انطلقت أول ثورة من نوعها عرفها التاريخ... ثورة الحجارة والانتفاضة، غزة التي تجيش لها الجيوش وتشن عليها حرب، صحيح أنها ليست الأولى في تاريخها ولكنها بالتأكيد هي الأشرس والأقوى ، حرب استهدفت كل شيء على هذه الأرض، غافل من يعتقد أنها استهدفت فصائل المقاومة حماس كانت أم الجهاد أو فتح وغيرها ، فعندما تهتز الأرض بمن عليها من شدة قوة انفجارات احد قنابل طائرات أل F16 الكثيرة ، وعندما لا تدري أين ومتي تسقط القنبلة الثانية والثالثة والألف ، وعندما يشعر الجميع انه مستهدف ، وعندما تشاهد الأطفال والنساء والشيوخ العزل يصرعون تحت الأنقاض وبقنابل الفسفور الأبيض عندها تدرك أن الكل مستهدف ... الشعب الفلسطيني مستهدف من هذه الحرب سواء أكان في غزة أم خارجها لان غزة جزء من الحالة الفلسطينية وما يجري في غزة ليس بمعزل عن قضية الشعب الفلسطيني فغزة دائما شرارة الثورة ، ووقود النضال . في الذكرى السنوية الأولى نرى من الضروري لوقفة تأمل لبانوراما الأحداث في غزة ، وعلاقتها بالكل الفلسطيني لعلنا نساهم في استخلاص بعض العبر والدروس من وراء هذا الحرب ، فسكان غزة طال انتظارهم ، ظنوا أن هذه الحرب ستكون سببا قويا ودافعا لإنهاء الانقسام الفلسطيني ، وأن هذه الحرب ستكون الأخيرة على الأقل لبعض سنوات قادمة ، وان الحصار سيرفع ، توقعوا أن تصبح غزة ورشة عمل للإعمار والبناء ولكن واقع الحال كما هو بل ازداد سوءا ، فما زالت تلال وأكوام الحجارة وأتربة المنازل التي دمرها الاحتلال تنتظر إزالتها لإفساح الطريق أمام إعادة بنائها ، وما زال أصحابها يعيشون في الخيام وفي أماكن غير مناسبة ، وما زالت إسرائيل تواصل اعتداءاتها ضد شعبنا في قطاع غزة ، حيث تمارس أعمال القتل والاقتحام والتجريف ، ما زال الحصار الخانق يطبق على غزة من كل جانب لتتواصل معاناة أهل غزة في مختلف جوانب حياتهم ، وما زال النظام العربي والدولي عاجزا على إن يتقدم خطوة واحدة نحو رفع الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع ، كما أن الموقف الأوروبي والأمريكي متردد في اتخاذ موقف حازم وقوي من إسرائيل وممارساتها في كل مكان من الأرض الفلسطينية، وما زال الانقسام ينخر في عظام الشعب الفلسطيني ربما يكون أقوى واشد من صواريخ الطائرات وقنابل الفسفور الأبيض ، هنا نتساءل ... لماذا غزة ؟ ولماذا الحرب عليها ؟ وهل حققت إسرائيل ما تريد من وراء هذه الحرب؟ ثم ماذا بعد وغزة إلى أين؟

منذ العام 1948 وقطاع غزة شوكة في حلق إسرائيل ، خاصة بعد أن لجأ إلى القطاع أعداد كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين بعد اغتصاب مدنهم وقراهم وارتكاب المجازر بحق الشعب الفلسطيني فاقت عدد السكان في القطاع في عام 2007 بلغت نسبة أعداد سكان قطاع غزة من اللاجئين الفلسطينيين 66.5% من السكان حسب نتائج الإحصاء الشامل الذي قام به الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني عام 2007 .

آخذ الفلسطينيون ينظرون بعين الحسرة والألم على منازلهم ومزارعهم ، مصانعهم ومدنهم وقراهم التي اغتصبتها العصابات الصهيونية، وفي ظل هذه الظروف لم يشعروا بالراحة، وسرعان ما تفاعل الفلسطينيون مع تأثيرات الموقع الجغرافي لقطاع غزة والإرث التاريخي العريق ليعلنوا تصميمهم على مقاومة الاحتلال من اجل العودة إلى ديارهم التي أصبحت حلما لا يفارقهم ، في البداية بداية الخمسينات من القرن الماضي حاول العديد منهم التسلل عبر الأسلاك الشائكة لنصب الكمائن لجنود الاحتلال ، وأوقعوا خسائر كبيرة بين صفوفهم الأمر الذي دفع إسرائيل بشن غارت ليلية على سكان القطاع ، بل قصفت القطاع بالمدافع لتوقع المزيد من الشهداء والجرحى، ثم تشكلت كتائب الفدائيين بقيادة القائد المصري الشهير مصطفى حافظ ، في هذه الظروف كان الشباب الفلسطيني في قطاع غزة يتفاعل بحماس مع عملية إحياء المد القومي العربي التي جاءت مع نجاح ثورة 23 يوليو بقيادة الرئيس جمال عبد الناصر، حيث عمت المظاهرات قطاع غزة رافضة دعاوي التدويل والتوطين، وفي غزة تشكلت الطلائع الأولى لجيش التحرير الفلسطيني ، وهكذا كانت غزة دائمة الغليان من اجل التحرير والعودة .


في عام 1967 وقعت غزة تحت الاحتلال الإسرائيلي في أعقاب حرب الخامس من حزيران ، ولم تمض أيام قليلة على انتهاء الحرب حتى انطلقت أعمال المقاومة ضد المحتل ولتمتد هذه المقاومة إلى باقي أجزاء الوطن الفلسطيني المحتل مكبدة إياه خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات ، في ديسمبر 1987 اندلعت الانتفاضة في أول ثورة من نوعها عرفها التاريخ ليس في غزة وفلسطين فحسب بل في العالم لدرجة أن دخل مصطلح الانتفاضة لأول مرة في القاموس السياسي ، كانت ثورة أبطالها أطفال صغار واجهوا بصدورهم العارية الجنود الإسرائيليين المدججين بأحدث أنواع الأسلحة ، ثورة أذهلت العالم بقوتها وإصرارها وصمودها ، قدم فيها شعبنا أروع آيات التضحية والفداء سقط مئات الشهداء وآلاف الجرحى وآلاف الأسرى الذين زج بهم في السجون والمعتقلات الإسرائيلية، ومئات البيوت هدمتها قوات الاحتلال التي مارست أساليب العقاب الجماعي ضد شعبنا ، في هذا الأثناء شهدت الساحة الفلسطينية والدولية حراكا سياسيا أسفر عن توقيع اتفاقية إعلان المبادئ في واشنطن بالولايات المتحدة الأمريكية في سبتمبر عام 1993 بعد جهود مضنية بدأت منذ العام 1988 مرورا بمؤتمر مدريد للسلام ، كانت اتفاقية باعثة للأمل للفلسطينيين على الرغم من إجحافها وكان عنوانها غزة أريحا أولا هكذا غزة كانت أولا دائما وذلك قبل إن تمتد إلى باقي الأراضي الفلسطينية بعد توقيع الاتفاقية المرحلية في 28/9/1995 التي تقضي بإعادة انتشار قوات الاحتلال في الضفة الغربية وانطلق الفلسطينيون من غزة بوضع الأساسات الأولى للدولة الفلسطينية وهذه المرة على ارض فلسطينية حيث أنشئت أول سلطة وطنية بزعامة الرئيس الخالد الشهيد ياسر عرفات وبدا الرئيس عرفات بإنشاء المؤسسات كالوزارات والهيئات المختلفة لإدارة شئون المواطنين ، وبدأت البلاد ورشة عمل كبيرة من أعمال البناء بناء ما خربة الاحتلال شمل العديد من المرافق الصحية والتعليمية والاجتماعية والأمنية ، فتم إصلاح العديد من الطرق وشق طرق جديدة وازداد عدد المدارس ومراكز الرعاية الصحية بل وأقيم أول مطار فلسطيني يربط قطاع غزة بباقي أنحاء العالم ، وانتعشت القطاع الصناعي والزراعي والتجاري في مؤشرات لاتجاه الاقتصاد الفلسطيني إلى النمو سواء في الناتج المحلي أو في ارتفاع معدل دخل الفرد ، واستمر هذا الوضع حتى عام 2000 تخلل هذه الفترة الكثير من الممارسات الإسرائيلية كفرض الأطواق الأمنية على قطاع غزة وباقي الأراضي الفلسطينية في أعقاب كل عملية استشهادية ، وتصدى المواطنين الفلسطينيين للجنود الإسرائيليين في هبة النفق في أيلول 1996، ولكن ابرز الممارسات الإسرائيلية هي المماطلة والتسويف في تنفيذ الاتفاقيات التي أبرمتها مع منظمة التحرير الفلسطينية ، في عام 2000 اندلعت الانتفاضة الثانية بعد محاولة ارئيل شارون رئيس الحكومة الإسرائيلية فيما بعد تدنيس الأقصى بمساعدة رئيس الحكومة الإسرائيلي آنذاك أيهود باراك وسرعان ما امتدت شرارتها إلى قطاع غزة ، وبدأت المواجهات الدامية بين الشعب الأعزل والجنود المدججين بأحدث أنواع الأسلحة وأشدها فتكا وخطورة حيث استخدمت إسرائيل الذخائر المستخدم فيها اليورانيوم المنضب والذخائر المحرمة دولية مثل القنابل المسمارية وغيرها ، الأمر الذي الحق بالشعب الفلسطيني خسائر بشرية ومادية فادحة حيث سقط خلال الفترة من 29/9/2000 وحتى 26/12/2008 م 5864 شهيد من بينهم 3369 شهيد في قطاع غزة ، ومن بين الشهداء 1007 طفل منهم 609 شهداء في قطاع غزة و 330 شهيدة منهن 206 في قطاع غزة ، أما عدد الجرحى فقد بلغ نحو 53000 جريح منهم 35000 في قطاع غزة ومئات المباني الحكومية على رأسها المقار الأمنية الفلسطينية وكذلك منازل المواطنين حيث تم تدمير 8103 منزل تدميرا كليا منها 5248 منزل في قطاع غزة و 69330 منزل دمرت تدميرا جزئيا منها 26579 في قطاع غزة ، وأعمال التجريف للأراضي الزراعية واقتلاع الأشجار، كما شهدت قيام قوات الاحتلال الإسرائيلي بأعمال الاغتيالات بحق رموز وقيادات الشعب الفلسطيني ، ومنهم أبو على مصطفى ، والشيخ احمد ياسين ، والرئيس أبو عمار بعد محاصرته في المقاطعة برام الله في 11/11/2004، منذ هذا التاريخ والأراضي الفلسطينية تشهد حراك سياسي هو الأخطر في التاريخ الفلسطيني فبعد تولي الرئيس محمود عباس مقاليد السلطة بعد انتخابات رئاسية نزيهة شهد بها العالم اجمع وذلك يوم 9/1/2005 ، مضى الرئيس عباس في مسيرته وفق برنامجة الانتخابي المعلن والذي ابرز ما فيه المضي قدما في المفاوضات السلمية مع الجانب الإسرائيلي ورفضه الدائم لما يسمى بعسكرة الانتفاضة ، شهدت السنة الأولى من ولاية الرئيس عباس اخلاءاً إسرائيليا آحادي الجانب للمستوطنات الإسرائيلية في قطاع غزة وكان ذلك يوم 12/9/2005 ، كما شهدت توقيع اتفاقية المعابر التي تنظم الدخول من والي قطاع غزة عبر معبر رفح البري ، كما شهدت أول انتخابات للمجالس المحلية، هنا بدأت تظهر المؤشرات التي تنذر بحدوث تغيير في النظام السياسي الفلسطيني بعد التقدم التي أظهرته نتائج الانتخابات للتيارات الإسلامية، في السنة الثانية لولاية الرئيس عباس نظمت الانتخابات التشريعية الفلسطينية وكانت النتيجة فوز حركة حماس بمعظم مقاعد المجلس التشريعي وهنا لابد من التوقف قليلا للإجابة على هذين السؤالين اللذين خطرا ببال الجميع ، الأول : لماذا كان هذا التقدم الكبير لحركة حماس في الشارع الفلسطيني ؟ والثاني : لماذا قبلت حماس الانخراط في هذه العملية السياسية التي هي وليدة اتفاقات أوسلو الرافضة لها حركة حماس ؟ بالنسبة للسؤال الأول فإن التقدم الكبير لحماس إنما يرجع إلى أربعة أسباب رئيسية وهي:

· النزعة الدينية الفطرية للشعب الفلسطيني والتي استخدمتها حماس بشكل جيد عبر مئات المساجد المنتشرة في قطاع غزة، حيث تشير الإحصاءات إلى تزايد عدد المساجد بنسبة كبيرة خلال السنوات الأخيرة ففي سنة 1998 كان عدد المساجد في قطاع غزة 408 مسجد ارتفع عددها لتصيح 795 مسجدا عام 2007 أي بنسبة زيادة قدرها95%.
· انخراط حركة فتح في السلطة مبتعدة عن كل أشكال التأطير والتنظيم والاتصال بالقاعدة الأوسع من الجماهير خصوصا في ظل عدم انعقاد الموتمر العام الدوري لحركة فتح لمدة وصلت إلى 18 عاما ، الأمر الذي جعلها غير قادرة على ضخ دماء جديدة في الحركة.

· بعض التجاوزات التي مارسها بعض أفراد الأجهزة الأمنية وقادتها، تجاه المواطنين تم استغلالها بشكل جيد من قبل حركة حماس وباقي فصائل المعارضة في مختلف وسائل الإعلام وفي جميع المناسبات مثلما حصل في العام 1997 عندما نشر تقرير هيئة الرقابة العامة .

· الأضرار الكبيرة التي لحقت بالأجهزة الأمنية جراء الاعتداءات الإسرائيلية خلال انتفاضة الأقصى ، حيث سقط المئات شهداء من قوات الأمن الوطني وجهاز الشرطة ، وتم تدمير المباني والمقار التابعة للأجهزة الأمنية مما افقد هذه الأجهزة فسطا كبيرا من إمكاناتها وقدراتها التي أثرت بشكل مباشر على أداؤها .

· ضعف الأداء الإعلامي الرسمي للسلطة الوطنية الفلسطينية من جهة وضعف الأداء الإعلامي لحركة فتح والفصائل المناصرة لها في إيصال طبيعة وأهداف ورسالة السلطة الوطنية الفلسطينية من جهة أخرى ، هذا الأداء الذي بالغ كثيرا في إظهار السلطة وكأنها دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وهي غير ذلك حيث أنها لا تعدو كونها مجرد حكما ذاتيا محدودا تمثل مرحلة انتقالية مدتها 5 سنوات يتخللها مفاوضات الحل النهائي وتنتهي بإقامة الدولة الفلسطينية بغض النظر عن المماطلات والتسويفات الإسرائيلية وتنصلها من تنفيذ الاتفاقيات المبرمة مع منظمة التحرير الفلسطينية أثناء هذه المرحلة وبعدها .


شكلت حركة حماس الحكومة الفلسطينية العاشرة التي واجهت رفضا من الكثير من دول العالم، الدول الأوروبية ، والولايات المتحدة الأمريكية وبالطبع إسرائيل وسارعت إسرائيل بتشديد الحصار على الأراضي الفلسطيني ، وأعلنت عن وقف الاتصالات مع الحكومة الفلسطينية ، كما قامت باحتجاز أموال السلطة الوطنية الناتجة عن تحصيل ضريبة القيمة المضافة ، من جهتها أوقفت الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية تحويل الأموال إلى خزينة السلطة ، بل هددت الولايات المتحدة الدول والمؤسسات بعدم تحويل الأموال إلى مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية ، في ظل هذه الظروف وجدت الحكومة الفلسطينية نفسها أمام حصار دولي جعلها تقف عاجزة عن تلبية التزاماتها تجاه المواطنين الفلسطينيين مثل رواتب الموظفين والنفقات الإدارية الجارية، والقي هذا الحصار بظلاله على مختلف جوانب الحياة للشعب الفلسطيني ونستطيع القول أن عجلة التنمية قد توقفت وتوقف العمل أيضا في العديد من المشاريع التي كانت تنفذها المؤسسات الدولية، وأصاب الشلل الحركة التجارية الناتجة عن ضعف القوة الشرائية لدى المواطنين ، كما تقلص النشاط الصناعي بعد أن توقفت أعداد كبيرة من المصانع عن العمل بصورة جزئية وكلية نظرا لنقص المواد الخام نتيجة للحصار، في هذه الأثناء بدأ الحديث يدور في الأوساط الفلسطينية بضرورة الخروج من هذا المـأزق ومن بدأت المناكفات والسجالات بتنازع الصلاحيات بين مؤسسة الرئاسة ومجلس الوزراء مرورا بالدعوة لتشكيل حكومة وحدة وطنية هدفها رفع الحصار ، وقد زادت الأمور تعقيدا بعد العملية الفدائية التي قام مجموعة من أفراد المقاومة واسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط وذلك يوم 25/6/2006 وما أعقب ذلك من تدمير إسرائيلي لمرافق البنية التحتية الفلسطينية في قطاع غزة كمحطة الكهرباء والجسور الرئيسية واعتقال قوات الاحتلال الإسرائيلي لعدد كبير من نواب المجلس التشريعي والوزراء في الضفة الغربية ، عقدت العديد من جلسات الحوار في غزة ورام الله والقاهرة ودمشق وأخيرا تم توقيع اتفاق مكة الذي يقضي بتشكيل حكومة وحدة وطنية وتم تشكيل الحكومة التي لاقت ترحيبا واسعا في الداخل والخارج وطوال هذه الفترة التي شكلت السنة الأولى من عمر الحكومة العاشرة لم تهدأ حوادث الفلتان الأمني وسقوط الضحايا انتهت بالانقلاب العسكري أو الحسم العسكري الذي نفذته حركة حماس راح ضحيته المئات من أبناء شعبنا شهداء وآلاف الجرحى .

لقد احدث الانقلاب شرخا عميقا في العلاقات الفلسطينية الفلسطينية ومحدثا انقساما بين شقي الوطن الفلسطيني مازال شعبنا يعاني جراء تداعيات هذا الانقسام .

في التاسع عشر من يونيو 2008 توصلت الفصائل الفلسطينية إلى اتفاق تهدئة مدته 6 شهور مع الجانب الإسرائيلي بوساطة مصرية تتوقف بمقتضاه الفصائل عن إطلاق الصواريخ من قطاع غزة تجاه إسرائيل وتتوقف إسرائيل عن اعتداءاتها على الشعب الفلسطيني وفتح المعابر ورفع الحصار، لم تلتزم إسرائيل بهذا الاتفاق وانتهى يوم 19/12/2008 ولم تفلح الجهود الفلسطينية والمصرية في تمديد هذا الاتفاق ، وسارعت إسرائيل عبر قياداتها إطلاق سلسلة من التهديدات بتوجيه ضربة إلى قطاع غزة بهدف منع إطلاق الصواريخ على إسرائيل ، والقضاء على حركة حماس وفصائل المقاومة .

في الساعة الحادية عشر من صباح السبت الموافق 27/12/2008 وجهت إسرائيل ضربة جوية عنيفة إلى المراكز الأمنية الفلسطينية في قطاع غزة ، وكانت هذه الضربة إيذانا ببدء حرب إسرائيلية ضد شعبنا في قطاع غزة أطلقت عليها اسم الرصاص المسكوب ، ولم تنتهي هذه الحرب إلا بعد مرور 23 يوما أي في صباح يوم 18/1/2009 بعد جهود عربية ودولية ، كان ثمرتها المبادرة المصرية وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1860 والذي صدر يوم 8/1/2009 .

ارتكبت القوات الإسرائيلية جرائم كبيرة اعتبرتها المؤسسات الدولية جرائم حرب يحق الإنسانية ، حيث دمرت آلاف المنازل فوق رؤوس أصحابها ، وارتكبت المجازر الجماعية بحق الأطفال والنساء والشيوخ ، واستخدمت الأسلحة المحرمة دوليا مثل الفسفور الأبيض وقنابل السهام الخارقة ، واتخذت من المدنيين العزل دروعا بشرية لحماية قواتها ، ودمرت المزارع والمصانع والمؤسسات ، وسقط في هذه الحرب 1413 شهيدا من بينهم 318 طفل و 111 شهيدة ، و13 شهيد من أفراد الأطقم الطبية و4 من الصحفيين ، كما أصيب 5300 بجروح مختلفة وصل بالكثير منها إلى حد الإعاقة، كما تم تدمير 5356 منزلا تدميرا كليا أو لحقت بها أضرار كبيرة ، و 16000 منزلا تدميرا جزئيا ، كما دمرت 455 من المباني العامة و 614 منشأة والعديد من الخسائر في مختلف القطاعات .

لقد زادت هذه الحرب من معاناة شعبنا إذ أنها جاءت تتويجا لحملة الاعتداءات التي بدأتها إسرائيل من مطلع العام 2008 ضد قطاع غزة ، وبعد حصار محكم استمر طوال حوالي السنتين والنصف قبل الحرب ، الأمر الذي جعل قطاع غزة في حالة إنهاك وإعياء من تأثير هذا الحصار الذي أصاب مختلف جوانب حياة المواطنين ، حيث النقص في المواد الغذائية والأدوية والوقود معظم السلع ومنع تنقل المواطنين ، وتفشي ظاهرة البطالة والفقر التي بلغت معدلات غير مسبوقة ليس في قطاع غزة فحسب بل في العالم حيث بلغ معدل البطالة الى40.6% حسب المعايير الدولية هذا يعني أن البطالة الفعلية في قطاع غزة تجاوزن أل 60% كما معدلات الفقر بلفت87% .انتهت الحرب ، وما زال قطاع غزة على حالة .


انتهت الحرب ولم تحقق إسرائيل أهدافها المعلنة على الأقل ، ولن تحقق أهدافها الغير معلنة وهي الأخطر، ولكي لا تحقق إسرائيل أهدافها لابد من وقفة فلسطينية جادة ، لا بد من العودة إلى النفس ولا نسمح للانقسام أن يستمر ، فالظروف سانحة الآن لإنهاء الانقسام

النتائج


· إن غزة ذات التاريخ الموغل في القدم وموقعها الجغرافي المتميز استطاعت الصمود في وجه الغزوات والحروب التي واجهتها على مر تاريخها ، على الرغم من فداحة الخسائر التي تعرضت لها في كل غزوة أو حرب، وهي فوهة بركان الثورة والمقاومة الحي ضد كل المشاريع الصهيونية في منطقتنا، لهذا كان استهدافها فبل وأثناء وبعد الحرب الأخيرة.

· أن الشعب الفلسطيني يواجه عدوا شرسا مدعوما بلا حدود من اكبر القوى الاقتصادية والعسكرية في العالم وبالتحديد الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية ، ولا يمكن الرهان مواقف هذه القوى التي تضع إسرائيل على سلم أولوياتها وسياساتها.

· إن الدعم العربي للفلسطينيين أصبح دعما مجزئا ومرهون بسقف محدد وفق مصالح وحسابات وعلاقات كل دولة عربية مع العالم الخارجي خصوصا أوروبا وأمريكا.

· إن غزة تتعرض الآن إلى مؤامرة كبرى، بدأ تنفيذها بإعلان فك الارتباط الأحادي الجانب، وإخلاء المستوطنات الإسرائيلية منها في سبتمبر عام 2005 ، صحيح إن الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة والضفة الغربية والقدس هو أول المطالب الفلسطينية، وكان على رأس جداول الاجتماعات واللقاءات التي عقدت بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي في إطار المفاوضات التي استمرت طوال أربعة عشر عاما قبل فك الارتباط ، فلماذا لم يتم إلا خلاء أو الانسحاب الإسرائيلي من خلال هذه المفاوضات ، والهدف من ذلك هو خلق نوع من الانقسام بين الفلسطينيين ، ومن ثم إنهاك قطاع غزة وسكانه، اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا عن طريق:

- تشديد الحصار على قطاع غزة برا وبحرا وجوا ، وهذا تم مباشرة بعد تشكيل الحكومة الفلسطينية العاشرة التي شكلتها حركة حماس بعد فوزها في الانتخابات التشريعية 2006 ، ثم إحكام الحصار بعد الانقلابالحسم العسكري التي نفذته حركة حماس في 14/6/2007 وتقليص إدخال كافة السلع التجارية والمواد الغذائية ، والوقود إلى الحد الأدنى وعدم إدخال أي نوع من أنواع المواد الخام اللازم للصناعة ومواد البناء خاصة الاسمنت والحديد .

- إلحاق اكبر الخسائر البشرية بين صفوف الشعب الفلسطيني، وزيادة التأثيرات النفسية السلبية على الأجيال الفلسطينية بدءاً من الأطفال بهدف تصدع المجتمع الفلسطيني بخلق ثقافة العنف والأمراض الاجتماعية التي من شأنها تهديد امن واستقرار المجتمع ومن ثم تفككه .

- تدمير مقدرات الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وتدمير بنيته التحتية لخلق مزيد من المعاناة لدى شعبنا في قطاع غزة.

- صرف أنظار الشعب الفلسطيني في قطاع غزة عن قضيته الوطنية، وتحويلها إلى قضية إنسانية تطلب مد يد العون والمساعدات الإنسانية التي تقدمها المؤسسات الدولية وبعض الدول.

- إطفاء وتدمير شعلة الثورة والصمود والمشتعلة منذ 62 عاما في وجه كل محاولات التصفية للقضية الفلسطينية.

· الانقسام الفلسطيني هو اخطر ما يتعرض له الفلسطينيين ، وهو انقسام غير مبرر ، وهو سيمنح إسرائيل فرصة تحقيق مخططاتها وأهدافها.

· لن تقوم دولة فلسطينية بدون غزة فغزة دائما هي بداية الوطن ومفتاحه.

التوصيات

من خلال ما سبق فإننا نرى :

أولاً : ضرورة التصدي للإجراءات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني والمتمثلة في التوسع الاستيطاني ، وتهويد القدس ، وتكريس الانقسام من اجل تصفية القضية الفلسطينية .


ثانياً : ضرورة العودة إلى إعادة اللحمة الفلسطينية والوحدة الوطنية وذلك بإنهاء الانقسام وهو ضرورة وطنية وسياسية وتاريخية للشعب الفلسطيني وذلك بعودة السلطة الوطنية الفلسطينية إلى غزة لتولي مهامها في إعادة إعمار غزة والتفرغ لمواجهة التحديات التي تواجه الشعب الفلسطيني
ثالثاً : حسم نتائج الحوار بتوقيع جميع الفصائل الفلسطينية على الورقة المصرية دون العودة إلى عقد جلسات إضافية للحوار.

رابعاً : الأخذ بما أمكن من ملاحظات على ما جاء في الورقة المصرية بعد التوقيع وبمساعدة جمهورية مصر العربية .

خامسا: يجب مصاحبة التوقيع التوقف النهائي عن كل المناكفات والسجالات الإعلامية ومناقشة المسائل الخلافية في إطار المؤسسات الرسمية وليس على شاشات الفضائيات .

سابعا : ضرورة خلق ثقافة حوارية في وسائل الإعلام الفلسطيني المقروء والمسموع والمرئي وإتاحة الفرصة للنخب الفلسطينية من قيادات وكتاب وأدباء وصحفيين ومثقفين من كل ألوان الطيف الفلسطيني للتحاور والنقاش في برامج إعلامية هادفة .








التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !