تقديم:
طالعتنا وتطالعنا وسائل الإعلام -هذه الأيام والأشهر الأخيرة- بأخبار حول الثورة والثوار: ثورة الياسمين بتونس الخضراء، ثورة الشباب المصري في أرض الكنانة، ثورة أبناء اليمن السعيد بإيمانه وحكمته، وثورة أبناء الشام في سوريا التضحية والفداء، ثم ثورة شباب ليبيا عمر المختار.
وفي الوقت الذي لايسع المرء إلا أن يفرح لهذه الثورات، في نفس الوقت لايملك إلا أن يضع يده على قلبه خوفا من سرقتها، بعد أن لاحت بوادر هذه اللصوصية في سماء تونس الحبيبة، وعلى أرض مصر الشقيقة. بل الخشية كل الخشية أن تتحول إلى حقيقة، لاقدر الله، "نبوءة" أحد قناصي الدينارات –أو الدولارات- القذافية من أبناء بلدي، لما قال عن الثوار، منطلقا من "عقل" يساري مغلق، أنهم يعبرون عن "ثورة بورجوازية أقل وطنية تحالفت مع الإمبريالية ضد رأسمالية الدولة" (1).
أجل، أرجو ألا يصح ذلك، خاصة وأن صيحات التكبير كانت تدوي مجلجلة في هذه الثورات، صيحات تتزلزل لها قلوب الطغاة المتجبرين من أهل الأرض، كل الأرض!
كما أرجو ألا يثق إخوتنا الثوار بأمريكا وساستها، فهي "أم الشرور" في العالم الإسلامي، تكفي الإشارة إلى دعم مخابراتها لنظام الطاغية المتوحش القذافي إلى ليلة سقوطه كما ذكرت ذلك الوثائق التي حصل عليها الثوار.
ولأسيادنا الثوار في سوريا وغيرها من أرض الشام، أقدم كلمة عن كتاب في فضائل شامنا وأهله، فأقول وبالله التوفيق:
أ-كلمة عن أحاديث فضائل البلدان:
يلاحظ محقق كتاب "فضائل الشام" للحافظ ابن عبد الهادي، السيد مروان عطية، أن التأليف في فضائل البلدان ركز أولا على الفضائل الدينية، وانتقل بعد ذلك إلى الحديث –بالإضافة إلى الفضائل الدينية- عن الفضائل على "أساس حضاري"، كما في كتاب "فضائل بغداد" ليزدجرد بن مهمندار، وكتاب "تاريخ بغداد" للخطيب البغدادي...ثم إلى الحديث عن "الفضائل العلمية". ولذلك "فإن ابن حزم ألف رسالته كلها للافتخار بعلماء الأندلس، وما ألفوه من تصانيف كانت مرجعا في كل فن. فكأن العلم وحده هو مصدر الفضائل، وكأن العلماء وحدهم هم الذين يحق للبلدان أن تتفاضل بهم" (2).
ويمكن القول أن التأليف في فضائل البلدان، من خلال كتاب الله وأحاديث رسوله وأقوال الصحابة والتابعين رضي الله عنهم، بدأ قديما. غير أن هذا التأليف لم يسلم من أحاديث ضعيفة أو موضوعة. لذلك قد نجد من العلماء من انبرى لهذه الأحاديث بعرضها على المنهجية العلمية الصارمة لعلماء الحديث في الجرح والتعديل، أو من حاول الاقتصار على الأحاديث الصحاح في تلك الفضائل. ولذلك نعثر، في هذا الجانب، على كتب قيمة مثل: كتاب "السمو إلى العنان بذكر صحيح فضائل البلدان" للشيخ أحمد سليمان رحمه الله، وكتاب "إسعاد الأخصا بذكر صحيح فضائل الشام والمسجد الأقصى" لهمام بن فهمي بن موسى العارف، وأبي عبدالرحمن السلفي المقدسي، ومثل " صحيح فضائل الشام ودمشق" للألباني رحمه الله، وهي أحاديث استخرجها من كتاب " فضائل الشام ودمشق" للحافظ أبي الحسن الربعي، بالإضافة إلى ماكتبه ابن تيمية رحمه الله حول "مناقب الشام وأهله"...
وقد عمد بعض العلماء إلى وضع قواعد في معرفة صحيح وضعيف أحاديث تلك الفضائل، ومن أمثلة ذلك ما جاء في قول ابن قيم الجوزية رحمه الله: "وكل حديث في مدح بغداد أو ذمها، والبصرة والكوفة ومرو، وعسقلان والإسكندرية ونصيبين وأنطاكية فهو كذب" (3).
وقال أيضا:
"وكل حديث فيه إن مدينة كذا وكذا من مدن الجنة أو من مدن النار فهو كذب" (4).
وذكر السيوطي رحمه الله في "تدريب الراوي" أن "من الموضوع أيضا حديث الأرز والعدس والباذنجان والهريسة، وفضائل من اسمه محمد وأحمد، وفضل أبي حنيفة وعين سلوان وعسقلان، إلا حديث أنس الذي في مسند أحمد على ما قيل فيه من النكارة" (5).
وللإمام الشوكاني رحمه الله كلام نفيس حول أحاديث فضائل البلدان، لما تكلم عن حديث: " إني لأجد نفس الرحمن من اليمن"، إذ قال رحمه الله:
" قال في المختصر : لم أجده .
فائدة : الأحاديث التي يرويها المؤرخون من أهل اليمن في فضل صنعاء لا يصح منها بشيء . ولا أعرف له إسناداً في كتاب من كتب الحديث . وقد جمعها بعضهم . فكانت أربعين حديثاً .
وكذا ما يذكرونه من الأحاديث في فضل : زبيد .كحديث اللهم بارك في زبيد ، وفي رمع .
وكذا الأحاديث التي يذكرونها في فضل : جامع صنعاء ، وفضل البقعة المسماة بين المسورة والمنقورة في مؤخرة : كلها باطلة .
وكذا الأحاديث التي يذكرونها في : فضل جامع الجنة ، من بلاد اليمن "(6). ثم أضاف: "وقد توسع المؤرخون في ذكر الأحاديث الباطلة في فضائل البلدان ، ولا سيما بلدانهم . فإنهم يتساهلون في ذلك غاية التساهل ، ويذكرون الموضوع ، ولا ينبهون عليه ، كما فعل الديبع في تاريخه الذي سماه : قرة العيون ، بأخبار اليمن الميمون وتاريخه الآخر الذي سماه : بغية المستفيد ، بأخبار مدينة زبيد ، مع كونه من أهل الحديث وممن لا يخفى عليه بطلان ذلك . فليحذر المتدين من اعتقاد شيء منها أو روايته ، فإن الكذب في هذا قد كثر ، وجاوز الحد . وسببه : ما جبلت عليه القلوب من حب الأوطان والشغف بالمنشأ" (7).
وكتاب ابن عبدالهادي رحمه الله ليس هو الكتاب الوحيد في ذكر فضائل الشام. فقد سبقه إلى ذلك كثيرون ولحقه كثيرون. ومصنفات بعضهم لاتزال مخطوطة تنتظر من ينفض عنها الغبار بتحقيقها وإخراجها إلى القراء. ومن المصنفات المطبوعة، غير كتاب ابن عبدالهادي:
فضائل الشام ودمشق لأبي الحسن علي بن محمد الربعي (ت 444 ه)، وقد حققه د. صلاح الدين المنجد، وخرّج المرفوع من أحاديثه الشيخ الألباني رحمه الله، ومعه مناقب الشام وأهله للإمام ابن تيمية كما سبق .
فضائل الشام للحافظ أبي سعد عبدالكريم السمعاني (ت 562 ه)، وقد حققه وخرّج أحاديثه عمرو علي عمر.
فضائل الشام للحافظ ضياء الدين المقدسي (ت 646 ه)، حققه مطيع الحافظ.
ترغيب أهل الإسلام بسكنى الشام لسلطان العلماء وبائع الأمراء الإمام العز بن عبدالسلام رحمه الله (ت ¬¬660 ه). طبعه أحمد سامح الخالدي بالقدس، ثم طُبِع بعناية محمد شكور أمرير المياديني سنة 1407 بالأردن، ثم بعناية إياد خالد الطباع في دمشق سنة 1413 .
نزهة الأنام في محاسن الشام لأبي البقاء عبدالله بن محمد البدري، من علماء القرن التاسع الهجري.
حدائق الإنعام في فضائل الشام لعبدالرحمن بن إبراهيم بن عبدالرزاق الدمشقي (ت 1138 ه)، تحقيق السيد يوسف بديوي.
بغية المرام في سكن المدينة والشام للشيخ عبدالمطلب بن محمد الخطيب الحسني (ت 1327 ه).
الإعلام بسن الهجرة إلى الشام للعلامة برهان الدين إبراهيم البقاعي، طبع بعناية محمد مجير الخطيب الحسني سنة 1997 م(8)...بالإضافة إلى مصنفات أخرى بعضها ذُكِر أعلاه.
ب- صاحب الكتاب:
هو محمد بن أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة المقدسي الحنبلي (شمس الدين)، أبو عبد الله الجماعيلي (بتشديد الميم) الأصل ثم الدمشقي الصالحي، ويقال له ابن عبد الهادي نسبة إلى جده، كما يقال له ابن قدامة نسبة إلى جده الأعلى .
ولد سنة خمس وسبعمائة بقرية "جمّاعيل"، وهي قرية في فلسطين تخرج فيها علماء كبار، ومنهم موفق الدين بن قدامة صاحب (المغني) .
كان والد المترجَم من كبار العلماء والمقرئين الزهاد، سمع من ابن أبي عمر، وابن شيبان، وزينب بنت مكي وغيرهم. وسمع منه ابنه وابن رافع والحسيني وغيرهم. وعاش بعد ابنه ثماني سنوات. فابن عبدالهادي نشأ إذن في بيت علم، وتلقى العلم عن عدة علماء منهم:
أ-في الحديث: 1-أبوبكر بن أحمد بن عبدالدائم. 2- عيسى المطعم. 3- القاضي تقي الدين سليمان بن حمزة. 4-أحمد بن أبي طالب الحجار. 5-محمد الزراد. 6-القاضي شرف الدين عبدالله بن الحسن بن عبدالله، ابن الحافظ عبدالغني المقدسي، وقد قرأ عليه "صحيح مسلم". 7-زينب بنت الكمال...وغيرهم.
ب-في علم الرجال: الحافظ أبو الحجاج يوسف بن عبدالرحمن المزي، ذكر ذلك الحسيني في "ذيل تذكرة الحفاظ": "أكثر عن شيخنا أبي الحجاج المزي ولازمه نحو عشرسنين"(9).
ج-في الفقه: 1-شمس الدين بن مسلم. 2-مجدالدين الحراني.
د-في العربية: أبوالعباس الأندرشي.
ه-في القراءات: ابن بصخان محمد بن أحمد.
و-في أصول الدين: الشيخ تقي الدين أحمد بن تيمية...
وغير هؤلاء العلماء كثيرون.
من تلامذته: 1-الحافظ شمس الدين الذهبي، ذكر في آخر "تذكرة الحفاظ" سماعه منه فقال: "...وسمعت من الإمام الأوحد الحافظ ذي الفنون، شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الهادي". 2-السروجي. قال الحسيني في "ذيل تذكرة الحفاظ": "...وروى شيخنا الذهبي عن المزي عن السروجي عنه". 3-صلاح الدين الصفدي، خليل بن أيبك، كما صرح هو بذلك (10).
أثنى عليه أهل العلم كثيرا، ومما قالوه:
-" ما التقيت به - يعني : ابن عبد الهادي - إلا استفدت منه" ( الحافظ المزي) (11).
-"... الشيخ الإمام العالم العلامة الناقد البارع في فنون العلوم" (الحافظ ابن كثير) (12). وقال أيضا :" حصل من العلوم ما لا يبلغه الشيوخ الكبار وتفنن في الحديث والتعريف والفقه والتفسير والأصليين والتاريخ والقراءات وله مجامع وتعاليق مفيدة وكثيرة وكان حافظاً جيداً لأسماء الرجال وطرق الحديث وعارفاً بالجرح والتعديل وبصيراً بعلل الحديث ، حسن الفهم له ، جيد المذاكرة صحيح الذهن مستقيماً على طريقة السلف وأتباع الكتاب والسنة مثابراً على فعل الخيرات "(13) .
-"المقرئ الفقيه المحدث الحافظ الناقد النحوي المتقن، درس الحديث وكتبه بخطه الحسن المتقن الكثير") الحافظ ابن رجب)(14).
-" الإمام العلامة شمس الدين، اعتنى بالرجال والعلل، وبرع وجمع وصنف وتصدر للإفادة والاشتغال في القراءات والحديث والفقه والأصلين والنحو واللغة، وولي مشيخة الحديث بالضيائية والغيائية، ودرس بالمدرسة المنصورية وغيرها، وسمع منه طائفة ، وروى شيخنا الذهبي عن المزي عن السروجي عنه"(الحافظ أبو المحاسن في ذيل تذكرة الحفاظ)(15).
- " سمعت من الإمام الحافظ ذي الفنون شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الهادي ..."، إلى أن قال:"اعتنى بالرجال والعلل وبرع وجمع وتصدى للإفادة والاشتغال في القراءات والحديث والفقه والأصول والنحو وله توسع في العلوم وذهن سيال" ) الإمام الذهبي )(16).
-"مهر في الحديث والأصول والعربية وغيرها" ) الحافظ ابن حجر)(17).
-" الإمام الأوحد المحدث الحافظ الحاذق الفقيه الورع المقرئ النحوي اللغوي ذو الفنون شمس الدين أحد الأذكياء مهر في الفقه والأصول والعربية" ) الإمام السيوطي)(18).
-"لوعاش كان آية ، كنت إذا لقيته سألته عن مسال أدبية وفوائد عربية فيتحذر كالسيل وكنت أراه يوافق المزي في أسماء الرجال ويرد عليه فيقبل منه " ) الصفدي)(19).
مصنفاته :
وأما مصنفاته فكثيرة جداً تزيد عن خمسين مؤلفاً، على الرغم من العمر القصير الذي عاشه. ومن أشهرها: 1 الصارم المنكي في الرد على السبكي . 2 المحرر في أحاديث الأحكام . 3. قواعد أصول الفقه 4. تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق لابن الجوزي 5. رسالة لطيفة في أحاديث متفرقة ضعيفة 6. زوال الترح في منظومة ابن فرح في مصطلح الحديث 7. العقود الدرية في مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية...
وفاته رحمه الله :
يذكر ابن كثير رحمه الله وفاته، نقلا عن أب المترجم له، فيقول:"مرض قريبا من ثلاثة أشهر بقرحة وحمى سل. ثم تفاقم أمره، وأفرط به إسهال، وتزايد ضعفه إلى أن توفي يومئذ قبل أذان العصر، فأخبرني والده أن آخر كلامه أن قال: أشهد أن لاإله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين. فصُلّي عليه يوم الخميس بالجامع المظفري، وحضر جنازته قضاة البلد وأعيان الناس من العلماء والأمراء والتجار والعامة، وكانت جنازته حافلة مليحة، عليها ضوء ونور. ودفن بالروضة إلى جانب قبر السيف بن المجد رحمهما الله تعالى..."(20).
ج-الكتاب:
أشير بداية إلى أن تحقيق مروان عطية للكتاب أفضل من تحقيق مجدي فتحي السيد، خاصة وأن الأول وضع مقدمة جيدة حول أحاديث الفضائل، وقدم تعريفا ضافيا وموثقا بابن عبدالهادي رحمه الله، كما عرف –على هامش كل حديث- بالأعلام المذكورة في أسانيده، بخلاف تحقيق مجدي. أما تخريج الحديث ففيه بعض الدقة لدى مروان عطية.
وتحقيق مجدي خال من ذكر مصادره ومراجعه في آخر الكتاب، لكن مروان عطية يذكرها بتفصيل.
وقد جعل ابن عبدالهادي كتابه في فصلين: فصل "في بعض ماورد في فضائل الشام"، وثانٍ "في ذكر أحاديث فيها أن الفتن من نحو المشرق".
عدة أحاديث الكتاب كلها اثنان وثلاثون حديثا. الموقوف منها خمسة أحاديث على: أبي أمامة وعلي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم جميعا.
بدأ المصنف فصله الأول بأربع آيات دون إيراد أي تفسير لها يبين دلالتها على فضائل الشام. وقد استدرك كل محقق ذلك في الهامش.
والأحاديث في الكتاب تحتاج إلى تخريج. وقد قام بذلك كل محقق. أما تعليقات المصنف على تلك الأحاديث، فهي مختصرة قد يذكر فيها مرتبة الحديث ومخرجه، كما فعل مع الحديث الأول لما قال بعده: "هذا حديث صحيح، رواه البخاري والترمذي والطبراني" (21)، وكما فعل أيضا في الحديث التاسع، إذ قال عقبه: "رواه الإمام أحمد وأبويعلى الموصلي وابن ماجة والترمذي وقال: حديث حسن صحيح" (22). وكما فعل كذلك في الحديث الثالث عشر، لما قال: "كذا رواه أحمد، وإسناده حسن والله أعلم" (23).
وقد يورد تعليق –له أو لغيره- على حديث من الأحاديث. فمثلا قال، بعد الحديث الثاني، مايلي: "رواه الإمام أحمد وغيره، وقال الحافظ أبوعبدالله: هذا الحديث مشهور، وإسناده عندي على رسم البخاري، والله أعلم" (24). وقال أيضا بعد الحديث الخامس عشر: "رواة هذا الحديث ثقات، لكنه منقطع، فإن شريح بن عبيد لم يدرك علي بن أبي طالب. قال الحافظ أبو عبدالله: لم أر في ذكر الأبدال حديثا متصلا أحسن من إسناد هذا الحديث، كذا قال، والله أعلم" (25).
غير أن مما يلاحظ على أحاديث الكتاب أن فيها الكثير من الضعيف مما سكت عنه المصنف. وقد بلغ الضعيف في الكتاب، بحسب تعليقات المحقق مجدي عليها، عشرة أحاديث، وهي نفس الأحاديث التي ذكر المحقق مروان عطية ضعفها، باستثناء حديث واحد، هو الحديث العشرون، الذي صرح مجدي بضعفه ولم يفعل مروان، وإنما اكتفى بالإحالة على مواضع الحديث في مظانه.
ومن الضعيف، مما لم يشر أحد من المحققيْن إلى ضعفه، الحديث الثاني عشر من مصنف ابن عبدالهادي، وهو ماذكره عن أبي مسلم الخولاني عن أبي هريرة عن النبي قال :" لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على أبواب دمشق وما حوله ، وعلى أبواب بيت المقدس وما حوله ، لا يضرهم خذلان من خذلهم ظاهرين على الحق إلى أن تقوم الساعة " ، وقال ابن عبدالهادي: "رواه أبوالقاسم سليمان بن أحمد اللخمي" (26) .
وقد أخـرجها أبو يعلى (11/302/6417)، والطبراني في " الأوسط "(1/19/47)، وابن عساكر (1/254) من طريق إسماعيل بن عياش عن الوليد بن عباد عن عامر الأحول عن أبي صالح الخولاني به.
وإسناد هذا الحديث ضعيف جداً ، فالوليد بن عباد أحد شيوخ ابن عياش مجهول . أنكر ابن عدى جملة من أحاديثه ، وقال : "ليس بمستقيم ، وعامة ما يرويه ليس بالمعروف"(27) .
وتجدر الإشارة إلى أن آخر حديث في الكتاب ذكره المصنف هكذا:
وعن فضيل بن غزوان قال: سمعت عبدالله بن عمر يقول: ياأهل العراق، ماأسألكم عن الصغيرة، وأركبكم للكبيرة. سمعت أبي عبدالله بن عمر يقول...
هذا الحديث ذكر مجدي سنده كما مر، لكن مروان عطية ذكر السند هكذا: وعن فضيل بن غزوان قال: سمعت سالم بن عبدالله بن عمر يقول: ياأهل العراق، ماأسألكم عن الصغيرة، وأركبكم للكبيرة. سمعت أبي عبدالله بن عمر يقول...، ثم علق في الهامش قائلا: "زيادة لابد منها لاستقامة المعنى والسياق"(28). وهو كذلك في صحيح مسلم (29).
وفي الختام أسوق بعض الأحاديث الصحيحة في فضائل أهل الشام، مما ذكره المصنف رحمه الله، إذ مساق الموضوع لهذا الغرض، تبشيرا لأهل سوريا الأحرار، وأهل فلسطين الأبطال، ومن جاورهم من سكان الديار الشامية، نصرهم الله وثبت خطاهم:
1-روى نافع عن ابن عمر أن النبي قال: "اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا"، قالها مرارا. فلما كان في الثالثة أو الرابعة قالوا: يارسول الله، ففي عراقنا! قال: "بها الزلازل والفتن، وبها يطلع قرن الشيطان"(أخرجه البخاري).
2- عن معاوية بن قرة عن أبيه قال: قال رسول الله :"إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم. لاتزال طائفة من أمتي منصورين لايضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة" (رواهأحمد والترمذي وابن ماجة).
3-عن عمير بن هانيء عن معاوية بن أبي سفيان أنه خطبهم قال: سمعت رسول الله يقول: " لاتزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله، لايضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك". قال عمير: قال مالك بن يخامر: ياأمير المؤمنين، سمعت معاذا يقول: هم بالشام (رواه البخاري).
4-عن عوف بن مالك قال: أتيت النبي وهو في خباء له، فسلمت عليه فقال: "عوف بن مالك؟". فقلت: نعم. فقال:"ادخل". فقلت: أكلي أو بعضي؟ فقال:"بل كلك"، فقال: "ياعوف بن مالك، اعدد ستا بين يدي الساعة: أولهن موتي". فاستبكيت حتى جعل يسكتني، ثم قال: "قل إحدى"، فقلت: إحدى. "والثانية: فتح بيت المقدس، قل ثنتان". فقلت: ثنتان. فقال: "والثالثة: موتان تكون في أمتي تأخذهم مثل نعاس الغنم، قل ثلاث". فقلت: ثلاث. فقال:"والرابعة: فتنة تكون في أمتي"، وعظمها ثم قال: "قل أربع"، فقلت : أربع. فقال:"والخامسة: يفيض فيكم المال، حتى إن الرجل ليعطى المائة دينار فيسخطها، قل خمس"، فقلت : خمس. فقال:"والسادسة: هدنة بينكم وبين بني الأصفر، فيسيرون على ثمانين غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألفا، فسطاط المسلمين يومئذ في أرض يقال لها الغوطة، في مدينة يقال لها دمشق"(رواه الطبراني بإسناد جيد).
5-عن زيد بن ثابت قال: بينما نحن حول رسول الله نؤلف القرآن من الرقاع، إذ قال رسول الله: "طوبى للشام. قيل: "ولم ذاك يا رسول الله؟ قال :" إن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليه" (أخرجه أحمد والترمذي وغيرهما).
6-عن أبي إدريس الخولاني عن عبدالله بن حوالة قال: قال رسول الله :"إنكم ستجندون أجنادا : جندا بالشام ، وجندا بالعراق ، وجندا باليمن" ، فقال ابن حوالة : خر لي يا رسول الله ! قال : "عليك بالشام ؛ فمن أبى فليلحق بيمنه، وليسق من غدره ؛ فإن الله توكل لي بالشام وأهله". فكان أبو إدريس الخولاني إذا حدث بهذا الحديث التفت إلى أبي عامر فقال: من تكفل الله به فلاضيعة عليه (أخرجه أحمد وابن حبان والحاكم، وصححه وأقره الذهبي).
7- عن فضيل بن غزوان قال: سمعت سالم بن عبدالله بن عمر يقول: ياأهل العراق، ماأسألكم عن الصغيرة، وأركبكم للكبيرة. سمعت أبي عبدالله بن عمر يقول:سمعت رسول الله يقول:"إن الفتنة تجئ من ههنا -وأومأ بيده نحو المشرق- من حيث يطلع قرنا الشيطان"، وأنتم يضرب بعضكم رقاب بعض، وإنما قتل موسى الذي قتل من آل فرعون خطأ، فقال الله عز وجل له: (وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا) (أخرجه مسلم).
____________
1-جريدة "أخبار اليوم المغربية"، عدد 538، السبت/الأحد 3و4 شتنبر 2011. وإنا لنرجو –بعد سقوط الطاغية ووقوع وثائق كثيرة في يد الثوار- أن يقوموا، من خلال تلك الوثائق، بفضح مثل هؤلاء المثقفين، والذين ذكرت الجريدة المذكورة أن منهم "زعماء أحزاب سياسية وصحافيين، وحتى أحد مسؤولي رابطة الأدارسة..." ممن كانوا يترددون على السفارة الليبية بالرباط "من أجل ربط صلات مع المسؤولين والحصول على دعم وسفريات". وذكرت الجريدة منهم المثقف المغربي سعيد بنسعيد العلوي، والصحفية اليسارية بديعة الراضي. هذا الكلام الذي يُنشر اليوم حول هذا "الارتزاق الثقافي" هو البداية، و"أول الغيث قطرة".
2-من مقدمة "فضائل الشام" لابن عبدالهادي، والكلام للمحقق مروان عطية، ص 97. والكتاب المحقق منشور في "مجلة مجمع اللغة العربية الأردني"، عدد 49.
3-المنار المنيف في الصحيح والضعيف لابن القيم رحمه الله، ص 110/111.
4-نفسه، ص 112.
5-التدريب، ص 252. وحديث أحمد المقصود هو ما أخرجه عن أنس مرفوعا: "عسقلان أحد العروسين، يبعث الله منها يوم القيامة سبعين ألفا لا حساب عليهم، ويبعث منها خمسون ألف شهيد وفود إلى الله، وبها صفوف الشهداء رءوسهم مقطعة في أيديهم تثج أوداجهم دما يقولون: ( ربنا آتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة، إنك لا تخلف الميعاد )، فيقول: صدق عبيدي، اغسلوهم بنهر البيضة. فيخرجون منها أنقياء بيضا، فيسرحون في الجنة حيث شاءوا". هذا الحديث أورده ابن الجوزي في الموضوعات (ص) وقال: "في إسناده أبو عقال هلال بن زيد: يروي عن أنس أشياء موضوعة".
6و7-الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة للإمام محمد بن علي الشوكاني، ص 120.
8-تم الاقتصار على ذكر المصنفات المتعلقة بفضائل الشام بصفة عامة، ولم تُذكَر المصنفات الخاصة بفضائل أماكن شامية مثل بيت المقدس ودمشق وغيرهما...
9- ذيل تذكرة الحفاظ للحسيني، ص 49.
10-الوافي بالوفيات للصفدي،ص2/161-162.
11- تهذيب الكمال في أسماء الرجال للحافظ المزي.
12و13- البداية والنهاية، ص 14/221.
14- الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب الحنبلي، ص 2/437.
15- ذيل تذكرة الحفاظ للحسيني، ص 49.
16- تذكرة الحفاظ للذهبي، ص 4/1508.
17- الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لابن حجر العسقلاني، ص 3/332.
18- بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة للسيوطي، ص 1/29.
19- الوافي بالوفيات للصفدي، ص ص2/161-162.
20-البداية والنهاية، ص 14/221.
21-فضائل الشام بتحقيق مجدي فتحي السيد، ص 21.
22-نفسه ص 24.
23-نفسه ص 26.
24-نفسه ص 21.
25-نفسه ص 27.
26-نفسه ص 25.
27- الكامل لابن عدي، ص 7/84 .
28-من النص المحقق للكتاب، تحقيق مروان عطية، مجلة مجمع اللغة العربية الأردني، عدد 49، ص 143.
29- أخرجه في الفتن، باب الفتنة من المشرق من حيث يطلع قرنا الشيطان، حديث 2905.
التعليقات (0)