تبذير المال العام،اختلاسات،استغلال النفوذ،تحويل المؤسسات العمومية وشبه العمومية إلى "إقطاعات" عائلية واستعمالها كقنوات مضمونة لتحويل أموال مقتطعة غصبا من أموال الشعب إلى حسابات بنكية أجنبية خاصة واستغلال آلياتها وشبكاتها لتنمية الثروات الشخصية فيما وراء البحار تحسبا للغد بعد استكمال "الغرزة" بالحصول على جنسية غربية قصد الاطمئنان لملجأ عند المحاسبة والمساءلة... هذه بعض الأفعال التي توحد مسار رجال خانوا ثقة الملك والشعب وفوّتوا أكثرمن فرصة على الوطن لتحسين واقع حال مواطنيه.
الإرادة حاضرة مبدئيا ويبقى التفعيل
صرح رئيس الحكومة،عبد الإله ابن كيران،أن جميع ملفات الفساد ستعرض على أنظار القضاء. وجاء هذا التصريح في وقت انفجرت فيه العديد من الفضائح المالية وفضائح الفساد بالكثير من المؤسسات العمومية والشبه عمومية. وهذا ما أقرّ به كذلك وزير العدل والحريات،مصطفى الرميد. ومن المعلوم أن المساءلة والمحاسبة لم تطل إلى حد الآن إلا عددا قليل – لا يكاد يبين- من المسؤولين الذين خانوا ثقة الملك والشعب. كما أن موضوع المساءلة لم يتجاوز بعد القشور لينفد إلى لبّ الفساد المستطير والجرائم الاقتصادية والاجتماعية التي اقترفها هؤلاء في حق الشعب المغربي وأجياله،وفي حق الوطن.
حسب أكثر من مصدر جيد الاطلاع،إن ما يناهز نصف الملفات الواردة في تقارير المجلس الأعلى للحسابات ستحال على المحاكم المختصة في نهاية سنة 2012. ولهذه الغاية شكل وزير العدل والحريات،مصطفى الرميد،لجنة خاصة مكوّنة من بعض مستشاريه وبعض المحامين للاعتكاف على هذه المهمة في إطار مسار تفعيل الإصلاح والتصدي للفساد في المؤسسات العمومية.
وفي الوقت الذي يثمّن فيه الكثيرون مبادرة عرض جميع ملفات الاختلاس والفساد المالي على أنظار العدالة،يتخوف البعض من إطلاق هذه الحملة في الظرفية الحالية،والتي من شأنها تذكير الرأي العام بالحملة التطهيرية التي نسج خيوطها الراحل إدريس البصري وزبانيته.لذا أضحى من اللازم اعتماد أقصى درجات الشفافية،كما أنه لا مندوحة من كشف كل الأمور دون تستر،لأن المواطن المغربي يرغب اليوم -أكثر من أي وقت مضى- في معرفة الأوجه التي تصرف بها أموال الشعب وكيفية استخدامها،وما مآل الأموال التي لم تعرف طريقها إلى الاستخدام في نطاق الصالح العام. كما أنه في حاجة إلى فهم دوافع وأسباب اعتقال هذا المسؤول أو ذاك ليتمكن من مساندة ودعم دور القضاء المستقل في هذا الصدد. وإن وقع وتمّ حفظ ملف فساد ما من حق المواطن أن يعرف –بكل وضوح- الأسباب الكامنة وراء ذلك لأن مغرب اليوم لم يعد يتحمّل – بأي شكل من الأشكال - ا لاستمرار في تكريس واقع الإفلات من العقاب مهما كان موقع الجاني. وفي هذا الصدد ينتظر المواطن أجوبة كافية شافية وسفافة على مختلف التجاوزات والفضائح الواردة سواء في تقارير المجلس الأعلى للحسابات أو تقارير المفتشية العامة لوزارة المالية أوالتي سلطت عليها الأضواء لجن تقصي الحقائب ووسائل الإعلام المشهود لها بالمصداقية والنزاهة. ومن حقه أيضا الاطلاع عن مآل مقترفيها أو المتهمين بارتكابها. ويبدو أن هناك أكثر من 80 ملفا يستوجب البحث والتقصي والتدقيق،ويهم العديد من المؤسسات والإدارات العمومية وشبه العمومية،إذ يتعلق الأمر بالمليارات التي بخرت من أموال الشعب دون أن يُعرف مآلها.
أرقام مهولة يشيب لها الولدان
تمّ الكشف على أرقام مهولة تخض مال الشعب المختلس أو المبدد هباء منثورا،إلا أن أسماء قليلة جدا هي التي خضعت أو في طور الخضوع للمساءلة والمحاسبة، لكن ليس بخصوص كافة جرائمها الاقتصادية والاجتماعية وإنما بخصوص النزر منها.
إن الأرقام المكشوف عنها لمهولة حقا رغم أنها لا تمثل إلا الجزء الظاهر من جبل الثلج العائم. أكثر من 115 مليار بالنسبة لصندوق الضمان الاجتماعي وأكثر من 10 مليارات بخصوص المكتب الشريف للفوسفاط الذي ظل عن منآى من المحاسبة والمساءلة رغم الفساد المستطير الذي استوطنه وتعشش فيه منذ 1960،وأزيد من 8 مليارات بالنسبة للقرض العقاري والسياحي والباقية آتية لا محالة بعد محاسبة خالد عليوة، وملايير تهم مؤسسات عمومية أخرى.
مشروع الحسن الثاني العقاري مليار درهم (100 مليار سنتيم)
مجازر الدار البيضاء 490 مليون درهم (49 مليار سنتيم)
كوماناف 400 مليون درهم (40 مليار سنتيم)
المطاعم المدرسية 85 مليون درهم ( 8.5 مليار سنتيم)
مكتب التكوين المهني 70 مليون درهم (7 مليار سنتيم
البنك الشعبي 30 مليون درهم (3 مليار سنتيم)
المكتب الوطني للمطارات أكثر من 30 مليون درهم (3 مليار سنتيم)
المكتب الوطني للنقل 22.6 مليون درهم ( 2,26 مليار درهم)
جمعية مطاحن المغرب 19 مليون درهم (1.9 مليار سنتيم)
الخطوط الجوية الملكية 10 مليون درهم (مليار سنتيم)
وكالة المغرب العربي للأنباء 1،76 مليون درهم (176 مليون سنتيم)
وهناك اختلالات مالية خطيرة همت مؤسسات أخرى كثيرة منها الإتحاد الوطني للتعاونيات الفلاحية المغربية، والبنك الوطني للإنماء الاقتصادي التي تورط فيها العديد من الشخصيات والبرلمانيين، وقضية المكتب الوطني للصيد البحري، وقضية القناة الثانية "الدوزيم" التي كانت قناة خصوصية وتم تحويلها لقناة عمومية بمجرد إفلاسها وتم ضخ أموال ضخمة من المال العام لإنقاذها من الإفلاس. وقضية خوصصة فندق حياة ريجينسي بـ 18 مليار درهم في الوقت الذي كانت تساوي قيمته الحقيقية 27 مليار درهم أي بفارق 9 مليار درهم. وقضية تفويت معمل ايكوز بدرهم رمزي في الوقت الذي كان قد كلف ميزانية الدولة 40 مليار درهم علاوة على أنه عند تفويته كان به مخزون يقدر ب 9 مليار سنتيم.
المكتب الوطني للمطارات
سنة 2007 كشف تقرير المجلس الأعلى للحسابات بعض الاختلالات بحصوص مشروع المحطة التانية بمطار محمد الخامس، سيما تفضيل إحدى الشركات بعينها دون سواها حظيت بجملة من الأشغالدرهم فاق غلافها المالي 128 مليون،أي ما يناهز ربع (25 بالمائة) المبلغ الإجمالي لمشروع "أوندا". هذا إضافة إلى عدم احترام التصميم الأصلي وتغيير بعض المواصفات بغرض التقليص من المبالغ المرصودة فعلا للمشروع، مما كشف على تضخيم عدد من الفواتير لغرض في نفس يعقوب. وما زاد الطين بلة كشف ممارسات تبديد المال العام دون حسيب ولا رقيب، ومن ذلك تبذير 62670 درهم (ما يمثل راتب الوزير الأول) سنة 2003 لتغطية مصاريف عبد الحنين بنعلو،القائم على المكتب،الخاصة باحتفال رأس السنة.لقد بدّد هذا المبلغ المسلوب من المال العام بين 27 دجنبر 2003 و3 يناير 2004. كما استفاد بنعلو بمعية بعض مقربيه من 10 بقعة أرضية مخصصة للفيلات بمدينة إفران، هذا علاوة على استفادته من هدايا راقية تراكمت قيمها يتفوق 2.5 مليون درهم (250 مليون سنتيم).
ويعتبر عبد الحنين بنعلو من الموظفين السامين الذين حظوا بوسام العرش من درجة فارس.كما أنه كان رفيق بنعيسى الودغيري في الحزب الاشتراكي الديمقراطي قبل اندماجه مع حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. إنه اشتراكي المربط مثل خالد عليوة،ولطالما دافع على التوزيع العادل للثروات ومساواة الفرص وخدمة وصالح الفئات الشعبية المقهورة.
كوماناف
عاشت "كوماناف" مشاكل حادة لا أول لها ولا آخر دون انقطاع منذ نهاية تسعينات القرن الماضي. وقد خضعت لعملية تفتيش اضطلعت بها المفتشية العامة لوزارة المالية سنة 2000، كما كانت موضوع تدقيق عام به المجلس الأعلى للحسابات في غضون سنة 2005 في عهد توفيق الإبراهيمي الذي قاد سفينة كوماناف بين 2001 و 2010 ،وتمّ الكشف عن جملة من الخروقات همّت مبالغ فاقت 400 مليون درهم ( 40 مليار سنتيم).
لقد تم اعتقال توفيق الإبراهيمي في 17 يونيو الماضي،إلا أن الأمر لم يتعلق بهذه الخروقات وإنما بخصوص تهم أدهى وأمرّ، إنشاء عصابة إجرامية لإتلاف بنيات تحتية والمس بأمن الدولة وتسريب معلومات مهنية لجهات أجنبية وعرقلة حرية العمل. ومن المعلوم أن كوماناف خضعت للخوصصة سنة 2007.
ويرى الكثيرون،بما لا يدع مجالا للشك،أن الإبراهمي ومعاونيه عملوا على دفع شركة "كوماريت – كوماناف" إلى الإفلاس المفتعل والمبيّت بهدف اقتنائها بأبخس الأثمان وإن اقتضى الأمر التواطؤ مع أجانب (إسبان).
وكادت مصادر متباينة سواء الإعلامية لأو عيرها أن تجمع على أن اعتقال توفيق الإبراهيمي ومن معه ، جاء على خلفية إعداد خطة للنيل ضد شركة "كاماريت كوماناف ـ فيري" قصد الاستيلاء عليها ، وشملت هذه الخطة سيناريوهات مخدومة، منها الدفع إلى إضرابات واحتجاجات عمالية في الموانئ بغاية تعطيل حركة النقل البحري وعرقلة الجهود الرسمية من أجل إيجاد حلول عملية لمشاكل الشركة والتعجيل بإعلان إفلاسها النهائي.
ومن أجل التحضير للمرحلة الموالية، عمد توفيق الإبراهيمي إلى تكوين شركة بحرية صحبة أخيه سعد "شركة موروكو فيريز" وقدمها على أنها السبيل للإنقاد،عبر مخطط يرمي إلى المساهمة رأسمالها بحصة 30 مليون درهم وتوفير 20 مليون درهم أخرى كقروض من البنوك.
ولعل المحاكمة من شأنها أن تزيح الستار على العديد من التساؤلات تناسلت بمجرد إلقاء القبض على توفيق الإبراهيمي.
ولشركة "كوماناف" مسار غريب. تاسست إبان الإستعمار الفرنسي وبالتحديد سنة 1949 ، وفي سنة 1959 ،بعد ثلاث سنوات من استقلال المغرب، اتخذت اسم الشركة المغربية للملاحة البحرية ثم فوتت للشركة الفرنسية CMA-CGM FU سنة 2007 وهي شركة متخصصة في إدارة الموانيء ونقل الركاب التي ستقوم هي الأخرى ببيع حصتها لشركة إسبانية "بالياريا" لتصبح مرة اخرى في ملكية احد المغاربة وتدخل في دوامة ليقع عليها الحجز القضائي بسبب تراكم ديونها وعدم دفع حصتها من ضرائب الرسو في الموانيء التي ترسو بها.ويبدو أن مسلسل التفويت قد لاح في أفق وزير النقل عزيز رباح الذي اقترح حلا يقضي بشراء 60 في المائة من اسهم الشركة من طرف أربع شركات مغربية وطنية لانقادها.
صندوق الضمان الاجتماعي
شكلت فضيحة صندوق الضمان الاجتماعي في عيون الكثيرين فضيحة القرن بالنظر إلى قيمة الأموال المبددة والمختلسة والتي فاقت 115 مليار درهم ، وكذلك اعتبارا لعيّار المتهمين والمتورطين فيها.
وترجع النازلة إلى سنة 2002 ،عندما كان عمر عزيمان وزيرا للعدل لما حطّ على مكتبه التقرير الناري الذي أعدّته لجنة التقصي البرلمانية، إلا أن خلفه الراحل محمد بوزبع،هو الذي أحال الملف على أنظار محكمة العدل الخاصة وقتئذ. لكن بعد إلغاء هذه المحكمة (التي ظلت نشازا في المنظومة القضائية في نظر رجال القانون والحقوقيين،تسلم القاضي جمال سرحان الملف سنة 2006، ولم تنطلق المحاكمة إلا سنة 2001. وبلغ عدد المتابعين في النازلة 43 ظنينا، منهم 5 لقوا حتفهم والتحقوا بالرفيق الأعلى،في حين حظي 10 بالبراءة وتوبع 28 ضمنهم 3 في حالة فرار. ومن أبرز المتابعين محمد كورجة ومحمد العلج ورفيق الحداوي وعبد المغيث السليماني وحسن مهاجر.
القرض العقاري والسياحي
قبل فضيحة خالد عليوة ومن معه، سبق وأن انفجرت فضيحة مدوية بالقرض العقاري والسياحي سنة 2001 عندما كشفت لجنة برلمانية للتقصي – ترأسها إدريس لشكر- حققت في تدبير هذا البنك خلال فترة 1985 – 2000.
من أبرز المحاسبين في هذه النازلة مولاي الزين الزهيدي الذي حظي بالاستوزار 3 مرات.
تمّ إقفال الملف سنة 2007 بعد إدانة هذا الأخيرغيابيا بـ 10 سنوات سدنا نافدا، و13 أشخاص آخرين بمدد سدنية متفاوتة تراوحت بين 5 سنوات سجنا نافدا وسنة واحدة مع إيقاف التنفيد.
المكتب الشريف للفوسفاط
يخضع إلى حد الآن للمساءلة والمحاسبة (الجزئية) إلا عدد قليل من المتهمين بالفساد المالي وتبديد أموال الشعب. وهناك مؤسسات عمومية فاحت روائح فسادها وأزكمت أنوف المغاربة،إلا أنها ظلت في منأى عن المساءلة وعلى رأسها المكتب الشريف للفوسفاط.
كان المكتب الشريف للفوسفاط،قبل أن يتحوّل إلى شركة مجهولة الاسم،مرتعا للتدبير الرديء والفساد المالي،سيما في عهد مديره العام كريم العمراني على امتداد عقدين،اضطلع خلالها بمهمة الوزير الأول دون التخلي عن قيادة المكتب. علما أن هذا المؤسسة ظلت تُسيّر منذ 1960 بطريقة استحال معها أي ضبط للحسابات وتدقيقها قبل اعتماد القانون المتعلق بالمراقبة المالية للمؤسسات العموية في بداية سنة 2000. إلا أنه سنة 1994 تمّ إجراء تدقيق الحسابات من طرف مكتب أجنبي،حيث خلص إلى أن المكتب الشريف كان يُستخدم لتمويل مشاريع حكومية ويُستعمل كبنك لمنح القروض للدولة. ولم يسبق لأي لجنة تقصي برلمانية أن اهتمت بالفساد الذي استوطن بهذه المؤسسة العمومية.
لقد تعاقب على هذا المكتب أشخاص مارسوا الرشوة والمحسوبية واختلاس ونهب المال العام، وبذلك اقترفوا جرائم اقتصادية في حق الشعب المغربي باعتبار أن الأمر يهم أهم ثروة وطنية، الفوسفاط، فقد ظلوا يعاينون البلاد، وهي في أدنى مراتب سلم التنمية وفي المواقع المتقدمة بخصوص استشراء الفساد وتغلغل الرشوة وانتشار الفقر والتهميش والإقصاء. وبعض هؤلاء، بالأمس القريب، عوضوا مفهوم التنمية الاقتصادية ومؤشراتها بتنمية أرصدتهم البنكية وتنمية مصالحهم بالداخل والخارج، ولم تحرك أي جهة ساكنا. هؤلاء وغيرهم اعتبروا، على امتداد سنين طويلة، المكتب الشريف للفوسفاط بمثابة ضيعة خاصة بهم يتصرفون فيها كما يحلو لهم، كالمالك في ملكه دون حسيب ولا رقيب.
لم يكشف عن أرقام ثابتة حول حجم هدر المال العام بهذا المكتب، لكن حتى ولو كان من الممكن الوقوف على الجزء الكبير من الأموال المنهوبة والمهدورة، فإنه سيظل من الصعب التوصل إلى معطيات دقيقة، نظرا لأن عمليات النهب والهدر بالمكتب الشريف للفوسفاط تمت في ظروف غاب فيها أي نوع من المراقبة، وحتى لو تم الوقوف على بعضها سيبقى من الصعب بمكان تقدير حجمها . حسب أحد المصادر المطلعة، منذ بداية سنة 2006، علم القصر الملكي بالوضعية التي تعيشها مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط، ، وفي نفس الفترة تم تعويض مراد الشريف بمصطفى التراب الذي نودي عليه من واشنطن، حيث كان يشغل منصبا رفيعا بالبنك الدولي.
هذا وقد سبق لأكثر من مصدر أن أكد نهب مبالغ هامة وتبذير أموال طائلة في الحفلات والأسفار والمناسبات والخدمات الصورية، ناهيك عن الأجور والتعويضات الخيالية التي يتوصل بها جملة من المسؤولين بالمكتب والتي تتعدى في الحد الأدنى 30 مليون سنتيما وقد يصل إحداها إلى 100 مليون سنتيما، كما سبق أن تم تقديم رقم 10 مليار درهم من طرف أكثر من جهة نهبت في فترة تاريخية معينة، علما أن مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط تتصرف في ميزانية ضخمة، لا مثيل لها في أي مؤسسة عمومية أخرى، اعتبارا لاحتكار مكتبها الشريف تدبير أهم ثروة وطنية، وهذا في ظل غياب أي مراقبة.
لقد استفاد من نهب وهدر المال الذي طال المكتب، ثلة من الأشخاص الذين كانوا يستفيدون أصلا في إطاره، من الأجور "الطيطانيكية" التي قدرت بالملايين ومن عدة امتيازات أخرى، كامتياز "البرستيج" الذي كان يكلف مالية المكتب أموالا طائلة، وساد هذا الوضع واستشرى في ظل غياب المراقبة، القبلية منها والبعدية، علما أن المكتب مؤسسة عمومية من المفروض أن تكون تحت مراقبة الدولة.
ومن المفارقات الغريبة، أنه بموازاة مع نهب وهدر المال العام داخل مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط فإن المكتب كان يقوم بمبادرات اجتماعية، منها ما وضعها القائمون عليه تحت عنوان: "سياسة المواطنة المنتهجة من طرف المكتب"؛ ملايير نهبت وملايير تهدر سنويا، والمكتب يبادر بتوزيع بعض المواد الغذائية على أسر معوزة في بعض المناطق المجاورة للمدن الفوسفاطية، وتتكون هذه المواد من الدقيق والسكر والزيت والشاي، وبعدها تنشر بلاغات تختتم مرارا بعبارة: "وقد خلفت هذه الإعانات كسابقاتها ارتياحا وأثرا طيبا في نفوس المستفيدين وكافة السكان بشكل عام".
إذا كانت سابقا قد أشارت أكثر من جهة إلى أن مبلغ 10 ملايير درهم كرقم لحجم الاختلاسات التي عرفتها المجموعة، فإنه في غضون شهر نوفمبر 2006، تم تكليف شركات أجنبية للقيام بتدقيق حسابات المجموعة، تم كشف ثقب سوداء نزفت منها الملايير على امتداد سنوات.
ومن النقط السوداء التي تتناسلت بخصوصها عدة تساؤلات في هذا المضمار:
- مكتب باريس.
- الصفقات المرتبطة ببيع الفوسفاط الخام والحامض الفوسفوري.
- مصالح المشتريات الدولية والوطنية والمحلية.
- الصفقات العالمية للصيانة وأشغال الصيانة الوطنية والمحلية.
- عقود الخدمات المقدمة للمكتب من طرف الأوراش المحلية.
- المصالح الاجتماعية على الصعيد المركزي والجهوي والمحلي.
وبهذا الخصوص كشفت بعض المصادر جملة من الخروقات الداعية للشكوك بأثمنة بيع الفوسفاط، لاسيما لإحدى الشركات الأمريكية التي يقوم عليها إطار مالي كبير سابق في المكتب حيث عمل به لمدة سنوات، ولم تقتصر القضية على تسجيل خروقات وتجاوزات همت مالية مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط، وإنما تجاوزتها إلى هدر أموال عمومية لمؤسسات عمومية أخرى.
الصندوق الوطني للقرض الفلاحي
كان الصندوق الوطني للقرض الفلاحي (القرض الفلاحي للمغرب حاليا) موضوع ملف قضائي قبل إعدامه سنة 2004.
ترجع النازلة لسنة 1995 عندما تمّ تعيين عبد الله لحلو مديرا عاما خلفا لرشيد الحداوي الذي اضطلع بهذه المهمة بين 1987 و1995.
كانت أوّل مهمة قام بها المدير الجديد وقتئذ،الدعوة إلى تدقيق الحسابات اضطلع بها مكتبا فرنسيا، وخلص تقريره إلى مجموعة من الخروقات والتجاوزات أقرّتها بدورها المفتشية العامة لوزارة المالية بعد سنة عن ظهور تقرير المكتب الفرنسي.
بدأ التحقيق القضائي في غضون شهر أكتوبر 1997 ولم يتم التعمق فيه إلا مع حلول سنة 2000.وهمّ هذا الملف 39 شخصا وتراوحت الأحكام الصادرة بين 2 و 12 سنة سجنا نافدا،نال منها رشيد الحداوي 4 سنوات. وتم الإعلان عن مبلغ 846 درهم (أكثر من 8 مليارات ونصف مليار سنتيم).
المكتب الوطني للنقل
عاش المكتب الوطني للنقل،قبل تحويله إلى الشركة الوطنية للنقل واللوجيستيك،فسادا مستطيرا وعرفت ماليته تجاوزات وتلاعبات ظاهرة للعيان، ومنها اختلاس 22.6 مليون درهم مرتبطة بسندات المحروقات .
ترجع هذه النازلة إلى سنة 2000 عندما قدم عبد السلام زنيند، وزير النقل والملاحة التجارية آنذاك بشكاية ضد مجهول. بعد البحث والتقصي عُرض الملف على العدالة في دجنبر 2001، حيث توبع 52 موظفا بالمكتب وبعض أصحاب محطات توزيع الوقود بتهمة التزوير واختلاس المال العام.
البنك الشعبي
انفجرت فضيحة البنك الشعبي سنة 1996، سنتين قبل تقاعد عبد اللطيف العراقي، مديره العام آنذاك.
وقتئذ تم الإعلان مكابدة فرع البنك بالعاصمة الفرنسية،باريس،وضعية مالية كارثية.ومع حلول نهاية سهر يوليوز1996 انكشف أمر اختلاسات وتبديد أموال فاق قدرها 30 مليون درهم (3 مليارات سنتيما).وبعد عدة شهور من البحث والتقصي أُعتقل عبد اللطيف العراقي لكن سرعان ما أُفرج عنه سنة 2002 بعد أداء كفالة مالية. بعد ذلك أعلنت محكمة العدل الخاصة عدم الاختصاص للنظر في النازلة باعتبار أن فرع البنك الشعبي بالديار الفرنسية ليست مؤسسة عمومية وإنما هي شركة خاضعة للقانون التجاري الفرنسي. أُحيل الملف على المحكمة الابتدائية التي أحالته بدورها على محكمة الاستئناف لعدم الاختصاص. هكذا ظل ملف النازلة معلقا.
ولما سافر عبد اللطيف العراقي إلى إسبانيا أُلقي عليه القبض بطلب من السلطات الفرنسية إذ اضطلع قضاؤها بالنظر في النازلة بعدما تعذر تفعيل القانون بالمغرب.
وأسفر الحكم الفرنسي بإدانة عبد اللطيف العراقي بالسجن موقوف التنفيذ على خلفية تهمة سوء تدبير فرع البنك الشعبي بعاصمة الأنوار. هكذا تمّ إقفال الملف.
مشروع إعادة إيواء ساكنة "كاريان سانطرال"
إنه المشروع المعروف بـ "مشروع الحسن الثاني العقاري"، كان الملك الراحل الحسن الثاني إعطى انطلاقته في غضون ثمانينات القرن الماضي،وكان يروم بناء 10 آلاف سكن لفائدة قاطني الدور الصفيحية بـحي "كاريان سانطرال" بالعاصمة الاقتصادية.إلا أنه بفعل الفساد والاختلاس والتلاعبات المالية لم يتم إنجاز في نهاية المطاف إلا 2121 سكن استفاد منه من لا يمت بأي صلة بالساكنة المرصود لها المشروع.
كان بطلا هذه الجريمة الاقتصادية والاجتماعية كل من عبد العزيز العفورة،عامل الحي المحمدي، عبد ارزاق أفيلال رئيس الاتحاد العام للشغالين بالمغرب ورئيس جماعة عين السبع الحي المحمدي زمنئذ. لم تتم متابعة إلا الأول بحكم صفته كموظف سام سنة 2003 وأدانته محكمة العدل الخاصة بـ 10 سنوات سدنا نافدا بتهمة تبديد المال العام والرشوة. في حين لم تُجرك الدعوة ضد الثاني بمعية 21 متهما إلا في بداية 2007 بتهمة تبديد المال العام واستغلال النفوذ.
ومهما يكن من أمر، إن ما قدره مليار درهم (100 مليار سنتيما) تبخرت تحت يافطة هذا المشروع الذي حُرم منه قاطني حي "كاريان سانطرال".
مجازر الدار البيضاء الكبرى
انفضح أمر مجازر الدار البيضاء الكبرى بفضل معلومات كشفتها الشبكة المغربية لحماية المال العام بعد تسليط الأضواء على الفرق الشاسع بين قيمة الغلاف المالي المرصود للمشروع والقيمة الحقيقية لما تم إنجازه فعلا من أشغال وبنايات وتجهيزات من طرف الشركة الإسبانية "فيزكاينو" التي فازت بالصفقة. لقد توصلت هذه الشركة بما قدره 640 مليون درهم (64 مليار سنتيم) وتوصلت شركة مغربية بـ 30 مليون درهم (3 مليار سنتيم)،في حين أن قيمة كل ما أُنجز فعلا لا تتعدى 180 مليون درهم (18 مليار سنتيم).
ويرجع هذا المشروع إلى بداية التسعينات،عندما أعلنت الجماعة الحضرية للدار البيضاء على الصفقة في يناير 1991، وفازت بها الشركة الإسبانية المذكورة،إلا أنه تم انتظار 6 سنوات لبداية الأشغال. وفي نهاية المطاف تبخرت 490 مليون درهم (49 مليار سنتيم) مادام ما تححق فعلا بالكاد تبلغ قيمته 180 مليون درهم ( 18 مليار سنتيم). وتظل المساءلة والمحاسبة في خبر كان إلى موعد غير مسمى.
المطاعم المدرسية
انطلقت نازلة المطاعم المدرسية في منتصف التسعينات عندما قدم رشيد بلمختار،وزير التربية الوطنية آنذاك شكاية في موضوع اختلاسات وتلاعبات طالت تسيير المطاعم المدرسية المرصودة للتلاميذ أبناء الفقراء، وذلك بعد أن هدد القائمون على برنامج الأممي بام" بروما بقطع المساعدات المخصصة للمغرب جراء التلاعبات التي طالتها بعد أن بلغ إلى علمهم تهريب المواد الغذائية وبيعها في الأسواق وحرمان التلاميذ المرصودة لهم منها.
أصدرت محكمة العدل الخاصة حكمها في النازلة يوم 4 غشت 1999 في حق 52 متهما، حيث وزعت بينهم قرن و7 سنوات سجنا نافدا. لكن بعد النقض أُعيدت المحاكمة وصدر الحكم في عشت 2005، وتراوحت الأحكام بين 5 سنوات وسنة واحدة وتبرئة ذمة 17 متهما. لقد حوكم محمد الصديق،مدير المطاعم المدرسية يأربع سنوات، في حين أدين عز الدين أباعقيل، المدير العام لمطاحن المضيق غيابيا بـ 5 سنوات سجنا نافدا.
التعليقات (0)