عبـد الفتـاح الفاتحـي
تشير الوقائع الميدانية أن اتفاق دول الساحل-الصحراء، الذي سعت الجزائر إلى تأسيسه لعزل المغرب من المساهمة في محاربة الإرهاب لأسباب سياسية ترتبط بالنزاع حول الصحراء قد ذهب أدراج الرياح، بعد شن الجيش الموريتاني هجوما على تنظيم القاعدة في الأراضي المالية دون تنسيق مع الجزائر بل وبمشاركة القوات الفرنسية.
العملية العسكرية المشتركة بين موريتانيا وفرنسا كشفت خللا في التنسيق الجزائري مع دول الأعضاء في الحلف الذي كلف الجزائر جهودا دبلوماسية مكثفة في محاولة لعزل المغرب في المنطقة ولانتزاع هيمنتها كقوة نافذة في المنطقة.
وأمام الطموح الجزائري وتأكد فشله على الأرض، تعيش الأوساط السياسية والعسكرية الجزائرية اليوم قلقا سياسيا حيال الوضع، ولم يتأخر ردها كثيرا في الجرائد الجزائرية الرسمية، حينما سارعت إلى اتهام الحكومة الموريتانية بخرق التزامات التنسيق الأمني والعسكري مع دول منطقة الساحل في مجال مكافحة الإرهاب وملاحقة عناصر القاعدة، عندما وضعت عمليتها العسكرية، تحت إشراف فرنسا لوجستيا واستخباراتيا.
وكانت الجزائر تسابق الزمن من أجل تشكيل قوات عسكرية مشتركة من دون المغرب، ووضع خطّة عملية بإشراف الإتحاد الإفريقي لمحاربة الإرهابيين سنة 2002 م.دخلت هذه الخطة حيز التنفيذ سنة 2009 م في اجتماع أول في سيرت الليبية، والثاني في تمنراست أقصى جنوب الجزائر، حيث تم اجتماع بين قيادات أركان أربع دول هي الجزائر وموريتانيا ومالي والنيجر لتشكيل أول قوة عسكرية قوامها 25 ألف جندي، مشكلة من الجيوش النظامية لدول الخمس (إضافة للدولة المذكورة أعلاه ليبيا) بالتعاون مع الميليشيا القبلية المنتشرة في الصحراء.
وحمل الجهاز الإعلامي الجزائري على موريتانيا أنها خرقت الاتفاق الموقع في 21 أبريل الماضي بالجزائر، والذي يقضي بتشكيل غرفة عمليات عسكرية مشتركة في شكل قيادة تقوم بدور التنسيق الأمني والعسكري بين أربع دول هي الجزائر ومالي والنيجر وموريتانيا، يكون مقرها مدينة تمنراست، حينما قامت بإشراك قوات فرنسية في عملية عسكرية ضد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في منطقة باسكنو شرقي موريتانيا، الخميس الماضي.
فيما تسلطت ألسنة الإعلام الجزائري على ما أسمته انصياعا موريتانيا إلى فرنسا، ترتب عنه خرق الاتفاق الذي تم ترتيبه منذ شهر غشت 2009 مع الجزائر ومالي والنيجر وليبيا، إضافة إلى تشاد وبوركينافاسو، لم يصدر أي موقف جزائري رسمي من ذلك إلى الوقت الراهن، وإن كانت عدة مصادر رسمية الجزائرية تؤكد عن غضب جزائري حيال موريتانيا.
ويرى عدد من المتتبعين أن الغضب الجزائري على موريتانيا سيكون قويا ما لم تبادر الأخيرة إلى تقديم توضيحات مقنعة للجزائر، ذلك أن فرنسا كانت على دوام تحاول فرض هيمنة على الصحراء الإفريقية لتزايد بها سياسيا على مواقف فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية الداعمة للمغرب في النزاع حول الصحراء.
ويعتقد محللون سياسيون أن عدم التزام موريتانيا بما أسموه بالأحرى املاءات جزائرية على موريتانيا مادام أن الواقع لم يتحدث بعد عن وجود قيادة عسكرية مشتركة للتنسيق بين الدول الموقع بالجزائر على الاتفاق، وإنما هناك نية خلق حلق قيادة للتنسيق العسكري فقط.
وتشير عدة تحليلات أن المغرب سبق وأن مارس نوعا من الضغط عبر فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية على موريتانيا بأن لا تنساق وراء إيديولوجيا جزائرية في المنطقة، تروم إقصاء المغرب من دوره الاستراتيجي في محاربة الإرهاب وحماية استقراره. وقد تم ذلك خلال اللقاء الذي جمع مؤخرا الجنرال المغربي عبد العزيز بناني قائد المنطقة الجنوبية مع المسؤولين العسكريين في موريتانيا تمحورت حول التعاون العسكري بين البلدين في مجال محاربة الإرهاب في الصحراء.
وتشير عدة مصادر مطلعة بأن المغرب عبر عن استعداده لدعم الجيش الموريتاني الذي بحث عن تعاون عسكري مع المغرب لمواجهة تحدي تنظيم القاعدة الذي يتربص بالبلاد، حيث أطلعوا المسؤول المغربي عن وجود معطيات استخباراتية تؤكد وشوك تنفيذ القاعدة لهجوم داخل التراب الموريتاني، وقد عبر الجانب المغرب حينها بأن المغرب على الدوام مستعد للتعاون مع موريتانيا فيما يخص مكافحة الإرهاب.
ويرجح المحللون أن المغرب خلال ذلك اللقاء محا كلام الجزائر، بعد إقناع الجانب الموريتاني بأن لا نجاح في حربه على الإرهاب من دون التحالف مع المغرب وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية.
وتذهب بعض التكهنات إلى أن المغرب يكون قد شارك ضمن القوات التي قامت بالهجوم على تنظيم القاعدة بالأراضي المالية إلى جانب القوات الفرنسية التي تأكدت مشاركتها الميدانية رفقة القوات الموريتانية.
وقد جاءت المشاركة الفرنسية في مهاجمة نقط تمركز القاعدة، في محاولة منها لاستعادة الرهينة الفرنسي المختطف "ميشال جيرمانو" (78 عاما) الذي يحتجزه التنظيم الإرهابي، منذ شهر أبريل الماضي، والذي لقي حتفه على يد تنظيم القاعدة انتقاما على مقتل 6 من عناصر القاعدة يوم السبت الفارط.
وترى عدة أوساط جزائرية أن فرنسا قد وجدت في عمليات اختطاف الأجانب، والرعايا الفرنسيين تحديدا، من طرف تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، فرصة مواتية لتبرير تواجدها في منطقة الصحراء والساحل، برغم الاعتراضات الجزائرية والمساعي التي قامت بها الجزائر لدفع دول المنطقة إلى رفض هذا التواجد المرتبط بأسباب اقتصادية وأطماع حول استغلال مناطق تواجد الطاقة والمعادن الثمينة، إضافة إلى أسباب جيو استراتيجية ذات العلاقة بالصراع بين باريس وواشنطن على النفوذ في المنطقة.
يرى عدد من المراقبين أن مدخل خلق قوات عسكرية لمكافحة الإرهاب في الصحراء الإفريقية، لا تتوقف غاياته عند هدا الحد بل تتعداه لتترجم صراعات خفية حول شرعية النفوذ والهيمنة في منطقة الصحراء الإفريقية، فمن جهة لا تريد فرنسا أن يحيد دورها الإقليمي في إفريقيا ذلك وأن لها عدة مصالح اقتصادية واستراتيجية إفريقيا، ومن جهة ثانية تحرص الجزائر على لعب دور ريادي بالمنطقة من خلال انتزاع صفة ناطق رسمي باسم دول الساحل والصحراء مع تحييد المغرب من هذه اللعبة، ونزع شرعية امتداده على الصحراء. ولتحييد فرنسا من دورها في افريقيا حتى تقبل بعدم دعم المغرب في قضية الصحراء.
ويتوقع الخبراء أن التنسيق الذي كانت تريده الجزائر أن تقوي به نفوذها على الصحراء الإفريقية قد انهار كلية بعد الهجوم الموريتاني المدعوم فرنسيا على تنظيم القاعدة في الأراضي المالية، وأكد عدم وجود أي تنسيق وفق ما رسمته الأجندة الجزائرية، حينما نفت السلطات المالية علمها بالعملية التي جرت وقائعها على أراضيها، وخلفت سبعة قتلى في صفوف "الإرهابيين" مصادر أخرى أشارت أن القتلى "مهربين".
وتوقع الخبراء بناء على هذه المؤشرات أن الولايات المتحدة الأمريكية ستجد في العملية العسكرية الموريتانية على نقط تمركز تنظيم القاعدة في الصحراء الإفريقية مناسبة في العودة بمشروع "أفريكوم" لنقله من ألمانيا نحو إفريقيا، استنتاج برره المراقبون بإعلان السلطات المالية عن عدم قدرتها لمراقبة أراضيها ومحاربة تنظيم القاعدة، وهي دعوة تهدم أي تنسيق جزائري مع دول الساحل - الصحراء، وتعجل بعودة الولايات المتحدة الأمريكية بقوة إلى المنطقة لعرض مشروع إقامة أفريكوم فوق الأراضي المغربية أو الموريتانية.
وتشير عدة تصريحات بأن الجزائر تخسر الكثير من سعيها لفرض نفسها قوة أولى في المنطقة، وهو ما يجعلها تسهم في تقوية نفوذ القاعدة داخل الصحراء الإفريقية، وهي تفتقر للإمكانات التي تجعلها قادرة على منافسة القوى العظمى لجلب تأييد الجيران لسياستها وجعلهم يحترمون التزاماتهم ولا يكتفون بالخطابات المؤيدة بمناسبة القمم والاجتماعات الرسمية.
ولعل العملية العسكرية التي نفذها الجيش الموريتاني وشاركت فيها أيضا قوات من النخبة في الجيش الفرنسي، قد أحدث زلزالا سياسيا بالجزائر حيث دعت أوساط سياسية جزائرية أنه على الجزائر والحالة هذه، أن تقلب المعادلة وتحاول فرض نفسها كقوة أولى في المنطقة عن طريق هذه القوى العظمى العالمية، أو تغيّر سياستها كلية وتعالج ملفها الأمني داخليا وتجرد القاعدة في الصحراء أو بلاد المغرب الإسلامي، كما تسمي نفسها، من الأوراق التي تستعملها في الجزائر.
ويؤكد مسؤولون موريتانيون أن معلومات استخباراتية حصلت عليها موريتانيا كانت تفيد بوجود تجمع تابع للقاعدة شرق موريتانيا بهدف القيام بعملية نهاية الشهر الجاري، 28، تحديدا ضد القاعدة العسكرية المتواجدة في باسكنو شرق موريتانيا.
وقالت وزارة الدفاع الفرنسية في بيان تداولته وسائل الإعلام الغربية إن باريس قدمت دعما لعملية نفذها الجيش الموريتاني ضد مجموعة مسلحة تنتمي لتنظيم القاعدة وكانت تستهدف إحباط هجوم تخطط له المنظمة، وأضاف البيان أن "آليات عسكرية فرنسية قدمت دعما فنيا ولوجستيا خلال العملية العسكرية الموريتانية، التي استهدفت إحباط هجوم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ضد موريتانيا".
وأوضحت وزارة الدفاع الفرنسية أن المجموعة التي هاجمها الجيش الموريتاني هي التي أعدمت الرهينة البريطاني أدوين داير قبل عام، وهي التي ترفض تقديم دليل على حياة (الرهينة الفرنسي) ميشيل جرمانو أو الدخول في حوار لتحريره" .
محلل سياسـي
elfathifattah@yahoo.fr
التعليقات (0)