فرنسـا وطابورهـا الاستعمـاري بيـن تأييـد التعـدد اللغـوي بالمغـرب ورفضـه بفرنسـا
عبـد الفتـاح الفـاتحـي
لقد باتت فرنسا ممثلة بحزب "بات يطلق عليه حزب فرنسا" بدول المغرب العربي وخاصة بدول المغرب العربي ماعدا ليبيا بلوبي فرانكفوني يتحكم في رقاب نظام التشريع المغربي ويصادر طموح أمة تتوق منذ الحماية الفرنسية إلى سيادة لغتها الوطنية في الحياة العامة.
ففي الوقت التي توالي فيه لغة المستعمر هيمنتها على الفضاءات العامة والخاصة وفي الإدارة، في سعي لتأكيد صدقية مقولة الرجل الأبيض جاء ليحضر الأسود، وبل ولتقوية شرعنة القانون الفرنسي القاضي بأن استعمار فرنسا لدول المغرب العربي كان ايجابيا، والذي صدر في 23 فبراير 2005.
يزداد استغراب المغاربة قاطبة محاربة مقاومة بقايا الاستعمار لمشاريع تعميم اللغة العربية في الحياة المغربية العامة، والذي يستقوي بالأجنبي لإعاقة استصدار قوانين لحماية اللغة العربية، إلى درجة وصف فيها "وزير فرنسي" تطبيق قانون تعميم استعمال اللغة العربية بالجزائر، بأنه عدوان على الناطقين بالفرنسية.
والمثير لمعنى المواطنة تواطؤ مسامير الفرانكفونية المحليين الجدد لممارسة الضغط لمنع صدور قانون تعريب الحياة العامة في المغرب، والتصفيق والتهليل لاستصدار قوانين تحمي اللغة الفرنسية وتضمن لها مزيدا من الانتشار، ففي سنة 1994 أصدرت فرنسا قانونا لحماية لغتها بمناسبة ذكرى مرور مائتي سنة لقانون تعميم استعمال اللغة الفرنسية، الذي أصدرته الثورة الفرنسية سنة 1794. وتعصبت قوانينها كثيرا في نصرة اللغة الفرنسية ومواجهة غزو اللغة الإنجليزية في قانون «توبون»، نسبة إلى وزير الثقافة جاك توبون الذي كان وراء صدوره.
ومن غريب الصدف أن تدعم فرنسا وبقايا طابورها الاستعماري من الفرانكفونيين المغاربة التعدد اللغوي بالمغرب، ويدعون إلى اعتماد أربع لغات هي: العربية الفصحى، والعربية الدارجة، والبربرية، والفرنسية. بينما يقودون تيارا وحدويا لصالح اللغة الفرنسية الرسمية، بالرغم من أن فرنسا تتوفر على ست لغات جهوية أكثر عراقة من اللغة الفرنسية، لكن المؤسسات التشريعية ظلت تصر على رفض الاعتراف بها.
ولقد سبق لمجلس الشيوخ الفرنسي أن أثار هذه النقطة للتداول، لكنه جابه هذا المطلب الشعبي بالرفض القاطع، وأصدر قرارا في 18 يونيو 2008 يرفض الاعتراف باللغات الجهوية، بل واعتبر أن ذلك يهدد الوحدة الوطنية الفرنسية، التي تكون حمايتها من وحدانية لغاتها الفرنسية.
لماذا لا تسمح الديموقراطية الفرنكفونية الفرنسية الاعتراف بلغاتها الجهوية. حين رفض الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك الفكرة بشكل قاطع مقترح رئيس حكومته آنذاك جوسبان في يونيو 1999، ويقضي المقترح بتعديل دستوري يتضمن الاعتراف بستة لغات جهوية.
وهو ما استدعى عقد مجلس الوزراء حينها جلسة عاجلة وصاخبة اصدر فيها بيانا شديد اللهجة يرفض بالإجماع هذا المقترح، الذي اعتبره بيير شوفينمان وزير الداخلية الفرنسي آنذاك في تصريح للصحافة أنه يشكل بلقنة لفرنسا.
فإذا كانت فرنسا قد ثارت ثائرتها ورفضت بالمطلق البلقنة اللغوية بعدم دسترة ستة لغات جهوية أعرق من اللغة الفرنسية ذاتها، فإنها لا تجد وللأسف حرجا في دعم البلقنة اللغوية في دول المغرب العربي عبر تشجيع اللهجات محلية.
فإذا كانت الفرانكفونية مدرسة في الديموقراطية، فالأولى لها أن تقدم لنا مزايا التعدد اللغوي من خلال تجربتها في ذلك، أما أن تعتبر التعدد اللغوي مهددا لوحدتها، وتفتي في شأن سياستنا اللغوية، بالمساهمة في تأسيس الكونغرس الأمازيغي الذي ولد من خلال توصيات الأكاديمية البربرية في باريس، ودعم الإعلام باللهجة المغربية، فإن ذلك هو التطاول الذي لا يخلو من ترسبات الاستعمار.
التعليقات (0)