مواضيع اليوم

فرنسا وبناء "أوروبا الجديدة"

ممدوح الشيخ

2009-10-25 20:10:47

0


بقلم / ممدوح الشيخ


mmshikh@hotmail.com

بعد سنوات من الغموض والسيولة النسبية في العلاقات الدولية أعقبت انهيار الاتحاد السوفيتي بدأت تلوح في الأفق ملامح مشروع أوروبي تسعى فرنسا لإنضاجه آملة أن يسفر عند اكتماله عن ميلاد كيان أوروبي أكثر أوروبية قادر على حماية مصالح أعضائه في مواجهة انسحاب أمريكي من القارة تأكد بإعلان أمريكا نيتها سحب قواتها من ألمانيا خلال أعوام ونزوع للتصرف المنفرد على الساحة الدولية كان مؤشرا لتغيرات جذرية في الرؤية الاستراتيجية الأمريكية ساهم في صياغتها عاملان: داخلي وخارجي، أما الداخلي فإحساس عارم بقدرة النموذج الأمريكي على مواجهة خصومه والانتصار عليهم رسخه انهيار الاتحاد السوفيتي ودفع الأمريكيين لمزيد من الإحساس بأنهم "أمة يباركها الرب" ما أدى لمزيد من تأكيد البعد الديني في الهوية والسياسة معا. وخارجيا منحت تداعيات ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي فرصا متتالية – لعل أهمها غزو الكويت وأزمة البلقان - لتأسيس مشروعية واقعية للتدخل العسكري الأمريكي.
خرائط تتمزق
لم يكن الاتحاد الأوروبي كما يروج كثيرون خصما من رصيد أمريكا في أوروبا فقد بدأت مسيرته وقطعت شوطا طويلا من النجاح في ظل نفوذ أمريكي كبير في أوروبا وتحالف وثيق تحت مظلة الناتو مع القوى الأوروبية نفسها التي تبنت المشروع الأوروبي، غير أن الدور الفرنسي البارز في مسيرة الاتحاد دفعت بريطانيا للاقتراب من أمريكا على حساب علاقاتها الأوروبية، ففرنسا التي انسحبت مبكرا من الجناح العسكري للحلف وبقيت ضمن عضويته كانت تشعر دائما أنها تقود تشكيلا حضاريا غربيا متمايزا لا تقبل أن يذوب في تعددية أوروبية ولا أن ينضوي تحت مظلة إنجلوسكسونية بروتستنتية أمريكية/ بريطانية.
وخلال السنوات الماضية نسيت فرنسا جرح الغزو النازي لأراضيها ومدت يدها للتحالف مع ألمانيا ولم تستطع أن تنسى أنها "مختلفة" عن الولايات المتحدة التي كان لها الفضل الأول في تحريرها من الاحتلال النازي!!!
ومع تزايد التأثير الأمريكي في السياسة الأوروبية عبر علاقات جديدة مع الدول التي كانت في السابق أعضاء في الكتلة الشرقية وهو تأثير بدا واضحا في المشاركة البولندية في الحرب على العراق كما بدا في اتجاهات هذه الدول المسماة "الديموقراطيات الجديدة" في التصويت في المحافل الدولية ودرجة تبنيها للرؤية الأمريكية. في إطار هذه التحولات اتجهت فرنسا للقلب – ألمانيا – لبناء نواة صلبة لبيت أوروبي أكثر تأكيدا للاختلاف عن أمريكا، وخلال معركة الدستور الأوروبي كان واضحا أن فرنسا حريصة على تهميش "الديموقراطيات الجديدة" وتأكيد علمانية أوروبا في مواجهة مطالبات عديدة بتضمين الدستور إشارة للمسيحية أو للأديان السماوية عموما.
المظلة النووية الفرنسية
وفي محاولة لتبديد مخاوف ألمانيا من تبعات تحالف ألماني فرنسي لتقليص النفوذ الأمريكي في القارة عمدت مباشرة لانتزاع الورقة الأكثر أهمية من يد أمريكا، ففي زيارة لوزيرة الدفاع الفرنسية أليو ماري إلى ألمانيا (الشرق الأوسط اللندنية 6 / 7 /2004) أدلت بتصريح أثار جدلا في ألمانيا. ففي مقابلة أجرتها معها صحيفة "برلينر تسايتونغ" أعلنت استعداد فرنسا لوضع أسلحتها النووية تحت تصرف ألمانيا إذا تعرضت لخطر!! بل إن الوزيرة الفرنسية بررت تخصيص فرنسا 10 % من ميزانياتها للدفاع النووي بأنه يستهدف توفير الحماية لدول أوروبية تحتاج لمظلة نووية.
وفي مساعيها تلك لم تهدر فرنسا فرصة نجاح الاشتراكيين في الانتخابات الأسبانية الأخيرة وسحبهم القوات الأسبانية من العراق لتسعى لضمها للنواة التحالف الأوروبي التي تطمح إليه، فبعد قمة مدريد (ثاباتيرو – شرودر – شيراك) الأخيرة هناك من يرى أن أسبانيا تتجه لمزيد من الابتعاد عن أمريكا، وهناك من يقلرن صورة هذه القمة بصورة قمة "أسوريس" (أمريكا - بريطانيا - أسبانيا البرتغال) فبل الحرب على العراق.
وأيا كانت احتماليات نجاح فرنسا في تحقيق أهدافها من مثل هذه المشروعات فإن من الواضح أنها ما زالت تحاول امتصاص الضغوط الأمريكية ولم تستطع حتى الآن الانتقال لوضعية مواجهتها لا منفردة ولا متحالفة مع آخرين، وهو ما يؤكده التقارب الأمريكي الفرنسي في ملفات الملف السوري / اللبناني والملف السوداني. بل ربما يكون تبلور هذا المحور الذي ينتظره كثير من العرب بوصفه طوق نجاة محتمل من الطوفان الأمريكي مقدمة لاتفاق ودي جديد أمريكي فرنسي على حساب المصالح العرب والمسلمين.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !