هل تحتاج "جريمة" تلك المرأة إلى هذا العدد الكبير من الرجال وهذه الطريقة وهذا الأسلوب في القبض عليها في بلد "الحرية "؟ !!
حينما وصف عميد الأدب العربي طه حسين "باريس" بمدينة النور والملائكة والتي لا تنام على مدى اليوم ..
فقد وصفها من زاوية واحدة فقط ..
زاوية ملمسها حريري ناعم نسجته أنامل إنسانية حضارية صقلتها الثورة الفرنسية التي قادت العالم نحو الحرية ..
وقادتها عيون شامبليون نحو عالم الحضارة الفرعونية بكل أسرارها و سحرها وروعتها وجلالها ..
وغزلتها عبقرية " فيكتور هيجو" في رائعة الروائع الإنسانية "البؤساء" التي وحدت عليها قلوب عشرات الملايين من البشر في كل أنحاء العالم ..
إلا أن فرنسا ذاتها لها زوايا أخرى شديدة الوحشية والقبح والإجرام ..
فرنسا كانت إحدى الدول الإستعمارية الكبرى التي سرقت واستنزفت مقدرات وخيرات دول سقطت فريسة بين مخالبها ..
فرنسا كانت من أشد الدول الإستعمارية فظاعة ووحشية في تعذيب وسحل وقتل وإبادة حركات المقاومة الشعبية الشرعية التي قادتها الدول الفريسة ..
فرنسا هي التي أبادت أكثر من مليونين من شهداء الجزائر بكل وحشية وقسوة وهمجية بشرية ..
فرنسا هي التي سقطت في وحل الصهيونية العالمية فراحت تطارد بالسجن وبالإرهاب أرباب الفكر والباحثين عن الحقيقة وأصحاب القلم - وعلى رأسهم "روجيه جارودي" ممن تجرأوا على تفنيد فرية "المحرقة اليهودية" "الهولوكست "..
فرنسا التي أغمضت أعينها غمض الجبناء عن الجرائم والمذابح والمجازر وحملات وحفلات الإبادة الصهيونية الإجرامية ضد أطفال ونساء ومدنيي فلسطين العزل فلا تكاد تسمع لها حساً بينما تسن قانوناً يجرم إنكار مذابح الأرمن !!!
فرنسا – بلد الحرية – العلمانية – الفن – الحقوق الإنسانية – تشرع قانوناً يمنع المرأة من تغطية وجهها في الطريق العام وقد قصدت به المرأة المسلمة تحديداً " عنصرية يعني" .. وإذا كان هذا حقاً للفرنسيس أرباب الحضارة وحقوق الإنسان ..
فقد كان لزاماً على أي إمرأة مسلمة "منتقبة" لا تستطيع التعايش في ظل مثل هذه القوانين أن تغادر فرنسا.. أو أن تتعامل بطريقة المضطر غير باغ ولا عاد .. ولا حرج عليها في ذلك .. وليست هذه هي المشكلة الآن ..
ولكن العار العظيم على فرنسا الحرية .. أن يحيط ثمانية رجال فرنسيس حول " امرأة" يقبضون عليها بطريقة شديدة الانحطاط .. وشديدة الابتذال .. وشديدة الامتهان.. لمجرد أن ملابسها مخالفة للمرسوم الفرنسي !!!! كما تحلق حولهم من يصور المشهد المهين بطريقة لا علاقة لها بالآدمية ..
هل هذه هي حقوق الإنسان ؟ هل هذه هي الحضارة الإنسانية؟
هل القبض على "امرأة" بهذه الطريقة القاسية ولهذا السبب الوحيد وبهذا العدد الكبير من الرجال يمكن أن يبدو من خلاله وجه فرنسا سوى من زاوية الانحطاط ؟
وهل يقل عنه انحطاطاً تلك الوجوه القميئة التي تسلب "امرأة" كيانها الإنساني لتصفها تحقيراً لها "بالكائن" ؟!
لا تستثيرهم طريقة القبض ولا عدم تناسب هذا العدد الغريب من الرجال مع حجم "المخالفة" و" نوعية " المخالف!!
علمانية عنصرية لا إنسانية فيها ..
أي وجوه دميمة هذه؟
.. وأي علمانية قبيحة هذه ؟ وأي حضارة منحطة هذه ؟
وأي قيم انسانية رقيعة هذه؟ وأي إنسانية جافية قاسية هذه ؟
تلك القيم "العلمانية" التي أقامت الدنيا ولم تقعدها "تنديداً" بامتهان " المرأة " التي انكشف جسدها في ميدان التحرير..
بينما أقامت الأفراح والليالي الملاح " تأييداً" لامتهان "المرأة" التي غطت وجهها في فرنسا .. إزدواجية مقيتة ..
ورغم أنني لا أعفي تلك السيدة "المفزوعة" من اللوم لسابقة علمها باحتمالية أن يعترضها أحد بحجة مخالفة القوانين..
فإن ما تعرضت له من "طريقة" القبض عليها يصم وجه فرنسا والعلمانية بالانحطاط والدونية والهمجية ..
وتلك هي الزاوية التي تشترك فيها فرنسا والغرب عموماً حينما يرتدون ثيابهم العلمانية العنصرية القبيحة ..
فالصورة التي تم القبض فيها على تلك "المرأة" بواسطة هذا العدد الكبير من الرجال الفرنسيس لم تكن سوى:
لقطة من زاوية الانحطاط ..!!!
التعليقات (0)