مواضيع اليوم

فرقة ’’المارينز’’ العربية والمشروع الأمريكي

الحسين وافق

2010-05-28 19:04:44

0

نقصد بفرقة ’’ المارينز’’ العربية، أولئك المثقفين والصحفيين العرب الذين نذروا أنفسهم للدفاع عن المشروع الأمريكي في المنطقة ، واختاروا بمبررات واهية ، كالعقلانية والواقعية السياسية ، السير ضد التيار الجارف للطموحات العربية في الحرية والسيادة والعزة والكرامة ، كما عملوا بكل الوسائل الممكنة على تسفيه مواقف هذه الأمة والسخرية من أحلمها ومشاعرها الصادقة . فالعرب ، بالنسبة ءالى هؤلاء ليسوا ظاهرة صوتية جوفاء ، وطموحاتهم في الوحدة والحرية والتقدم ، هي أحلام يقظة وسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء !! ءان ظاهرة المارينز العرب ، التي كانت تقض مضاجعنا منذ زمن طويل ، واشتد عودها وعلا صوتها بعد عمليات 11 سبتمبر المشهورة ، هي في الحقيقة ظاهرة تعبر عن حالة مرضية ، تحتاج ءالى تشخيص وعلاج ، لأن أعراضها المزمنة بدأت تنذر بأوخم العواقب على الجسد العربي ءان لم نتداركها بما يناسب من المضادات الحيوية لتقوية مناعتنا والحفاظ على سلامة الجسد العربي الواحد .. ءان هذه الظاهرة لم تتشكل اعتباطا ، وما يصدر عن أقطابها من آراء ومواقف ليست مجرد توارد أفكار. بل هي في حقيقتها جزء أساسي من مشروع أمريكي تبلورت خطوطه منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي ، وعمل على وضع لمساته النهائية قادة اليمين الأمريكي المتصهين .. ءان فهم صيرورة تكون هذه الظاهرة يستدعي منا شيئا من السرد التاريخي الموجز; ، نتناول فيه أهم مراحل تطور المشروع الأمريكي في المنطقة العربية والأهداف المت 608;خاة منه .ثم نبين الدور المنوط بهذه الفئة من أبناء جلدتنا .. فبعد سقوط المعسكر الاشتراكي ونهاية الحرب الباردة ، وبعد ضرب العراق وتحرير الكويت سنة 1991 ، أعلنت أمريكا انتصارها أمام العالم ، وظهرت تبعا لذلك مقولة( النظام العالمي الجديد) التي أطلقها الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب .. لقد صارت أمريكا وفقا لهذا المبدأ سيدة العالم بدون منازع و’’ الأمة الضرورية للكل’’ كما صرحت بذلك وزيرة الخارجية الأمريكية ( اولبرايت).!! في هذه الأجواء المشحونة بأفراح النصر ومشاعر الغرور والكبرياء الوطني ، ظهرت في الصحافة الأمريكية مقالات ، تحولت فيما بعد ءالى كتب ، لجماعة من غلاة اليمين الأمريكي المتصهين تحمل في طياتها ملامح المشروع الأمريكي للقرن الواحد والعشرين . ومن أهم هذه الكتابات (نهاية التاريخ) لفرانسيس فوكوياما ، الذي احتفى فيه بانتصار الرأسمالية على الشيوعية ، وبشر فيه بانتصار الديمقراطية على النظم الشمولية ، ومن بينها طبعا الأنظمة العربية الرجعية المعادية لقيم الحداثة وحقوق الانسان . ثم بعد ذلك ظهرت مقالة صمويل هنتنغتون ’’ صدام الحضارات ’’ الذي تنبأ فيه بصدام حتمي بين الغرب المسيحي والعالم الاسلامي ! لقد كانت هاتين الدراستين بمثابة الفتيل الذي أشعل الحماس في أوساط اليمين الأمريكي المتطرف ، والذي أصبح يعرف في الأدبيات الصحفية ب (المحافظون الجدد) من أجل وضع استراتيجية محكمة لجر العالم الاسلامي ءالى أتون صراع لم يكن يريده ولا هو مستعد له .. لقد برزت أسماء : ريتشارد بيرل ، بول وولفيتز ، دانييل بايبس ، ديك تشيني ، دونالد رامسفيلد ، كأهم أقطاب المحافظين الجدد ، ممن تمرسوا داخل أجهزة الادارة أو مراكز الأبحاث والدراسات التي يمولها اللوبي الصهيوني ، وكان لهم الدور الأبرز في وضع الخطوط العامة للمشروع الأمريكي في العالم الاسلامي ، وتهييء الظروف المناسبة لوضعه موضع التنفيد .. لقد أمضت ادرة الرئيس جورج بوش الابن بعد وصولهءالى البيت الأبيض تسعة أشهر في حالة خمول وسكون وترقب ، وكأنها في انتظار وقوع شيء ما ...شيء مهم. وحين وقعت أحداث نيويورك و واشنطن دب النشاط في أوصال هذه الادارة ، وأجرجت المخططات من أدراجها ، وبدأ العمل ..حصل البيت الأبيض على قرار من مجلس الأمن الدولي رقم 1368 يعطيها الحق في الدفاع عن النفس و الرد العسكري المنفرد على العمليات الارهابية .وهو قرار اعتبره أساتذة القانون الدولي ( سابقة خطيرة) في مجال العلاقات الدولية ، ولم يكن بالامكان تصور صدوره قبل الأحداث .. فهو بمثابة ’’ شيك على بياض ’’ تستطيع أمريكا استخدامه كلما استدعت مصالحها ذلك ، خصوصا ءاذا علمنا أن المنظمات الارهابية لادولة لها ولاحدود ولاقواعد عسكرية محددة . كما أن مصطلح الارهاب نفسه لم يصدر بشأنه تعريف محدد ومتوافق عليه من لدن أعضاء الأمم المتحدة .. ولقد صدقت مخاوف خبراء القانون الدولي ، حيث عبرت ءادارة بوش عن هذا التوجه في رسالة ءالى مجلس الأمن الدولي ، تقول فيها بالحرف :ءات تحقيقاتنا لاتزال في مراحلها الأولى . ومن المحتمل أن يقتضي حقنا في الدفاع غن أنفسنا القيام بعمليات أخرى ضد تنظيمات و’’ دول أخرى’’ . لقد تأكد للعالم حينئذأن أمريكا سوف لن تكتف بضرب أفغنستان واحتلالها ، و ءانما هي مستعدة لتوسيع نطاق عملياتها لتشمل دولا أخرى كالعراق أولا ثم ربما سوريا أو ءايران أو السعودية . 

ءاذن ، في هذا الجو المشحون ب
الخوف ونذر الحرب ، ظهرت ’’ فرقة المارينز’’ العربية ، كفرع من الترسانة العسكرية الأمريكية الكاسحة ، مكلفة بتهييء النفوس والأجواء السياسية المناسبة لدخول الجيش الأمريكي ءالى المنطقة حاملا معه ’’ بشارات’’ الحرية والديمقراطية والتقدم !! لقد لعبت أقلام هؤلاء الخونة دورا محوريا في الترويج الأكاذيب الأمريكية بخصوص العراق ، وتشويه الحقائق أمام الرأي العام العربي من خلال الادعاء بأن العراق يملك أسلحة الدمار الشامل ( ثبت فيما بعد أنها غير موجودة) أو أن له علاقة بالقاعدة .. وحين وقعت الحرب واحتل العراق ، أظهرت هذه الجماعة الكثير من الفرح والارتياح لنجاح المهمة واجتثاث أحد أسوأ الأنظمة الديكتاتورية في التاريخ حسب تعبير أحدهم .. لكن على عكس هؤلاء المرتزقة ، لم تكن الادارة الأمريكية مرتاحة ولا فرحة لنتائج المهمة ، لوعيها التام بأن نهاية الشق العسكري في أي حرب شاملة ءانما هو بداية لعمل آخر أطول نفسا وأكثر مشقة يستهدف حسب تعبير بوش ’’كسب العقول والقلوب’’.. لهذا نجد أن الادارة الأمريكية لم تتوان في تدشين نشاطها الدعائي الواسع من خلال مجموعة من المشاريع والمبادرات ، كمشروع نشر الديمقراطية في العالم العربي ، ومخطط ’’ءاصلاح’’ المناهج الدراسيةالدينية التي تحض على ’’الكراهية’’و ’’العنف’’ ، أو ءاطلاق الوعود الزائفة باحياء عملية السلام بين العرب وءاسرائيل ! كما ظهرت ءالى الوجود محطة ءاذاعية وأخرى تلفزيونية موجهة ءالى الجمهور العربي من أجل الترويج للمشروع الأمريكي ، وتكون من مهامها ، حسب تصريح (تشارلوت بيرس) نائبة وزير الخارجية للشؤون العامة والديبلوماسية : مناهضة الايقاعات والتحيزات والأكاذيب الصريحة التي تستهدف الولايات المتحدة في العالم الاسلامي ... وتشجيع المصالح الأمركية ، ليس من خلال سياساتنا فقط ، بل بمعتقداتنا وقيمنا أيضا في هذا المجال ، لايمكننا طبعا أن نتخيل نزول الصحفيين والمثقفين الأمريكيين لمخاطبة الجمهورالعربي بلغته ، ليقنعوه بفوائد الاحتلال ، وأهمية الحداثة والقيم الأمريكية ، وضرورة تقديم التنازلات للكيان الصهيوني والتخلى عن المقاومة من أجل الوصول ءالى سلام مع هذا الكيان الغاصب ... والارهاب الاسلامي ..وغيرها من المواضيع المبرمجة في خطة الاحتلال..فالأمر لايحتاج ءالى ذكاء كبير لنفهم الدور المنوط بفرقة المارينز العربية في هذا المجال ويكمن الاحالة ، كمثال حي على دور هؤلاء ، ءالى تجربة المعارضة العراقية قبل الغزو الأمريكي لبلدهم حين أظهروا مستوى وضيعا من الخسة والنذالة وهم يحرضون أمريكا ضد بلدهم ، ويقدمون المبررات الواهية والمعلومات المغلوطة والمفبركة عن الأوضاع في العراق ، مما شكل في أذهان الأمريكيين صورة كاريكاتورية عن جنود أمريكيين يدخلون ءالى العراق تحت تصفيقات المواطنين وزغاريد الفتيات احتفاء بالتحرير وشوقا ءالى الحرية .. ءان الدور الذي يلعبه هؤلاء العملاء الآن هو تكرار للتجربة العراقية . فهم أيضا يستخدمون أساليب الدس والتشويه وخلط الحقائق بالأكاذيب ، لاعطاء المبررات الكافية للتدخل الخارجي مرة أخرى في هذا البلد العربي أو ذاك ..لكن قبل الاسترسال في بيان حقيقة الدور المنوط بهؤلاء ، لابد من الاشارة السريعة ءالى أن المشروع الأمريكي في نسخته الأولى ، نص على نشر الديمقراطية ومراجعة المناهج الدينية و’’ ءاقامة سلام ’’ بين العرب والكيان الصهيوني .ءالاّ أن الملاحظ اللبيب سينتبه ءالى غياب البند الأول من هذا المشروع منذ سنوات ، حيث لم يعد أحد من الغربيين يطالب به بعد أن انتبه الخبراء ءالى أن ءاجراء أي انتخابات ديمقراطية في العالم العربي سيعني وصول القوى الاسلامية ءالى الحكم مما سيعرض المصالح الأمريكية والغربية ءالى الخطر . وبالنتيجة تراجع البيت الأبيض عن مطالبه الديمقراطية ، واعتمد خطة بديلة اقترحها (فريد زكريا) أحد المارينز العرب ، تقضي بالعمل مع الأنظمة القائمة وتشجيعها على الاصلاح المتدرج من خلال تثبيت أساسيات اللبرالية الدستورية ، بدل السعي لاقامة أنظمة تجعل الحكومات مسؤولة من الناحية الانتخابية أمام شعوبها . أما البندان الآخران في هذا المشروع ، وهما التطبيع مع الكيان الصهيوني و’’ءاصلاح ’’ المناهج الدراسية لمادة التربية الاسلامية ، فلازالت المحاولات قائمة على قدم وساق ، ولكن باعتماد أسلوب جديد ، تتحول من خلاله مهمة المارينز العرب من كسب العقول والقلوب للمشروع الأمريكي ءالى تشويه العقول والقلوب !! بالأكاذيب والتطاول على المقدسات ، وزرع بذور الفتن بين أبناء الأمة ، من خلال التركيز على الموضوعات التالية: 1- التشكيك في الاسلام من خلال منهجية ماكرة تعتمد الضرب في ’’ الأطراف’’ . فهم لايستطيعون الكشف عن عدائهم للاسلام كدين ومنظومة أخلاقية ، فهذا كفيل بافشال مهمتهم . لهذا تجدهم يطلقون ألسنتهم الطويلة ضد الجزئيات المهمة ، كالهجوم على مفهوم الشريعة والحدود والأعياد الاسلامية ، أو كالعداء السافر للعلماء والدعاة والحركات الاسلامية الدعوبة ، أو كالسخرية من السلف الصالح والتاربخ العربي والثقافة الاسلامية ... أي أنهم يعادون كل ما ينتهي بكلمة (ءاسلامية) ، كما أنهم في كتاباتهم يتعمدون الربط الوثيق بين كلمتي : الارهاب والاسلام ، لعل ذلك يحدث أثرا في العقول أو يزعزع الايمان في النفوس .. 2- العداء المطلق للغة العربية ، باعتبارها لغة القرآن الكريم ، ووصمها بكل نعوت التخلف والتحجر والرجعية .مع تجاهل المكاسب التي حققتها في السنوات الأخيرة حيث أصبحت لغة الاعلام العالمي من خلال القنوات الفضائية وخصوصا قناة الجزيرة .. 3- العداء لمفهوم الأمة العربية ، واعتبارها وهما لاحقيقة واقعية . وتمجيد النزعات الوطنية والجهوية والاثنية واللغوية ..فالتاريخ والجغرافيا والواقع العياني لاقيمة له عندهم . فهم لايرون هذه الأمة العربية ءالا من خلال قناع الهزيمة والتخلف والديكتاتورية ، ولاشيء آخر .. 4- محاربة خيار المقاومة ، وتسخير أقلامهم لتشويه صورة المقاومين المسلمين في كل مكان ، ووصم أعمالهم البطولية بالعنف والارهاب ، وبالعداء السلام أو بتهديد مصالح الشعوب وتعريضها للأخطار خدمة لمصالح القوى الاقليمية كايران . وقد أسفر هؤلاء العملاء عن صورهم ا 04;قبيحة أثناء حرب لبنان التي شنت عليه ءاسرائيل حربا ضروسا مدة شهر دون أن تتكمن من هزيمة مليشيات (حزب الله) . وكذلك حين تعرض قطاع غزة لحرب ءاسرائيلية أخرى انتهت بتدمير البنية الأساسية لهذه المنطقة . فأمام فواجع الحرب التي حركت قلوب حتى اليهود ، كان هؤلاء الأوغاد يدبجون المقالات التي تحمل ( حماس ) وحدها مسؤولية هذه المجزرة ..ءان الدور التخريبي الذي تقوم به فرقة المارينز العربية لايقتصر على ما سبق ، بل يسمل ميادين أخرى ، كتحريض الحكومات ضد مواطنيها ، وأبناء الوطن الواحد ضد بعضهم البعض ... ءاننا ءاذا استغملنا ، مجازا ، تقنيات التشخيص الأكلينيكي لتحديد أعراض المرض عند هؤلاء ، سنجد أنهم يعانون من أعراض (عقدة النقص) تجاه الغرب الرأسمالي المهيمن ، وبيحثون عن الخلاص الروحي باستجداء هذا الغرب والتمسح بأعتابه . ولكن عقدتهم تزداد استفحالا كلما أدركوا أن هذا الغرب المتكبر يرفض قبولهم في صفوفه ، ويتعامل معهم كغرباء ، وعملاء لمشروعه الاستعماري .. ءان الاحساس بالفراغ والضياع يدفع هؤلاء ءالى كراهية الذات والأهل والوطن والهوية ، ويفضل العبودية لهذا الغرب المتقدم والانتحار الثقافيوالأخلاقي ، على الانتماء ءالى أمة مهزومة ومنبوذة ! ولله في خلقه شؤون ..

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !