فرح مستورد.
فازت إسبانيا بكأس العالم لأول مرة في تاريخها الكروي. وخرج الإسبان إلى شوارع مدنهم ابتهاجا و فرحا بهذا الإنجاز غير المسبوق... و إذا كان من حق الإسبان أن يحتفلوا بمنتخبهم الذي أبهر الجميع بعروضه القويه في المونديال، فإن تفاعل الجماهير المغربية مع الحدث يستحق أن يشكل مادة للتحليل و النقاش.
بمجرد تتويج إسبانيا باللقب خرجت أفواج من الشباب في المدن المغربية للاحتفال بفوز الجارة الشمالية بالتاج العالمي. و حمل بعضهم الرايات الإسبانية وهم يرددون: فيفا إسبانيا. طبعا لابد أن نتفق على قدرة الرياضة و خصوصا كرة القدم على صنع الفرح. ثم إن من حق كل واحد أن يشجع الفريق الذي يناسبه، فالأذواق لا تناقش كما نعرف. لكن حينما تتحول مباراة في كرة القدم إلى هيستيريا جماعية فذلك أمر يحتاج إلى نقاش حقيقي. و قصة المغاربة مع إسبانيا في المجال الكروي ليست و ليدة اليوم. ذلك أن الصراع الأبدي بين البارصا و الريال قطبي الكرة الإسبانية يعرف تأججا كبيرا بين الشباب المغربي المنقسم بين عشقه للفريقين. لذلك فإن إجماع الجماهير المغربية على مساندة منتخب الفلامينغو يأتي كامتداد لعشقها الكبير للريال و البارصا. ومن تم فقد نسي أنصار الفريقين خلافاتهم الأبدية لأول مرة، و اتفقوا معا على تشجيع المنتخب الإسباني الذي يتكون بالأساس من لاعبين يمارسون في الفريقين المذكورين.
تلك إذن هي القراءة الموضوعية لدواعي احتفال المغاربة باللقب الإسباني. لكن الحقيقة أعمق من ذلك. وهي تتجاوز بالتأكيد هذا المستوى الظاهري إلى ما هو أكثر عمقا و خطورة. لذلك لابد من قراءة ثانية. إن الأمر يرتبط بطبيعة الثقافة المغربية التي تقبل على الحياة و تتوق للفرح. وعندما يفتقد الشباب هذا الفرح في محيطهم الإجتماعي يحاولون البحث عنه خارج الديار. و إسبانيا تمثل في هذا المقام ذلك المتنفس ولو كان بهواء في كرة صغيرة. و هكذا يحضر هذا الهيام بإسبانبا كتعويض عن العجز في بلوغ " الإلدورادو". إنه استدعاء لفرح كاذب لكنه يتحول إلى عقيدة في عقول الشباب. إنه فرح بإنجاز يعرف الجميع أنه مسجل باسم الآخرين. و رغم ذلك يمعنون في الاحتفال، لأنهم يدركون أن هذا الإنجاز عصي على التحقق في بلدهم و لو بمجرد كرة تتقاذفها الأقدام. هي إذن خيبة أمل، لكنها في الآن نفسه تعبير عن الإصرار في استدعاء الفرح و لو كان ذلك من صنع الآخرين. وهنا تتجاوز المسألة حدود العشق الكروي لتتعلق باغتراب هوياتي يجد لذة كبيرة في احتضان أفراح ليست أفراحنا على كل حال. لكن خطورة الأمر تكمن في أن هذا الهيام الكروي يؤشر لولاء من نوع آخر. لذلك ينبغي وضع مفاهيم من قبيل المواطنة و الشعور بالإنتماء موضع سؤال حقيقي..
إنهم يعيشون في بلد اسمه المغرب يتنفسون هواءه، و يفترشون أرضه، و يقتسمون سماءه، و هم أيضا يحملون همومه التي هي همومهم، لكنهم يصرون على التطلع إلى هناك. إلى الفردوس المفقود. إلى حيث مصدر الفرح... وهم يفعلون ذلك حتما كتعويض عن فرح و فرج مؤجلين. محمد مغوتي.18/07/2010.
التعليقات (0)