حرب فرنسا على النقاب بين قرنين
فرانز فانون: حرب الاحتلال الفرنسي على نقاب الجزائريات "انتهاك جنسي"
بقلم/ ممدوح الشيخ
تثير أجواء الحرب على الزي الإسلامي (الحجاب والنقاب) في أوروبا مشكلة معرفية/ أخلاقية مهمة من أهم وجوهها الرؤية الاستشراقية للمرأة الشرقية والصورة النمطية التي رسخها لها الاستشراق لقرون، وهي قضية تتصل اتصالا مباشرا بما يسمى "فلسفة الجسد". فإلى جانب الخوف المبالغ فيه على الهوية، وهو يبدو نفسيا في المقام الأول، ثمة أبعاد ثقافية واعية في الفكر الأوروبي وراء الرفض الواضح للحجاب والنقاب تدفع باتجاه الرغبة في "استئصال" الزي الإسلامي كونه علامة على ما يعتبرونه قهرا للجسد الأنثوي.
والقصة في الوجدان الأوروبي قديمة، ففي واحدة من كلاسيكيات الأدب الإنجليزي قدم شكسبير شخصية "كليوباترا" الملكة الشرقية، التي أغوت بجمالها وسحرها وفتنتها القائد الروماني أنطونيوس، ودفعته للتضحية بالمجد والسلطة، وإهمال العالم وشؤونه، للانغماس في أجواء الترف والملذات. وهو ما يتكرر في رواية للروائي الفرنسي جوستاف فلوبير على لسان بلقيس ملكة سبأ – رمزا للمرأة الشرقية – إذ تقول لناسك: "أنا لست مجرّد امرأة.. إنني العالم بأسره، فمتى سقطت ثيابي عني، تكشف لك أسرار وألغاز، ومتى امتلكت جسدي، فسيغمرك فرح عظيم لا يدانيه فرح امتلاكك لأي من أقطار الأرض". أما المركيز دو ساد في كتابه "مدرسة الفسق" فيصف غرفة خلفية حيث تجري المطارحات الجنسية الشاذة باحتوائها على أسرة من الطراز التركي العجيب. ويكتب ألفريد دي موباسان مسرحية يسميها "في بتلة الورد، البيت التركي" تجري فصولها في ماخور يصور موضوع الحريم حيث كل البغايا يرتدين الزي التركي.
شرق الملذات
والنظرة الاستشراقية تقوم على فكرة مركزية خلاصتها أن الحب والعاطفة، وكذلك الشهوة المشبوبة، مكانها الشرق وفيه كل المسرّات، وأن المرأة الشرقية، هي تلك التي لا تكاد ترويك، حتى ترجع إليها أكثر تعطّشاً. والمرأة الشرقية – الرمز المشتهى للشرق كله – أصبحت آراؤهم فيها تلخص تلخيصاً دالاً ومكثفاً آراؤهم في الشرق بأكمله. وهذه المشاعر الأوروبية كانت متذبذبة، بين الإعجاب والاستهجان، والرغبة والشفقة، فصورتها كتابات المستشرقين، ورسوماتهم؛ مرّة ضحية ظلم الرجل الشرقي وقسوته، ومرّة ساحرة ماكرة. ونساء الشرق – وفق هذه النظرة – كسولات، يقضين أوقاتهن وبالتالي أعمارهن بالاسترخاء الخدِر، بانتظار تلبية رغبات الرجال الشبقة، كما وصفهن الكاتب الرحالة شاردان.
وكتب أحدهم في رسالة إلى أحد أصدقائه في الشرق: "أخبروني أنه ليس في الشرق حفلات ولا طبول، ولا أوبرا..بل هناك الحريم. كما أخبروني أيضاً بأن نساءكم الشرقيات، هن أكثر نساء الأرض تجاوباً في علاقات الغرام".
أما الكاتب البريطاني الشهير توماس مور فكتب يصف عالم الشرق بأنه: "يغص بنساء ذوات عيون واسعة سوداء، يملؤها الحب والرغبة، لكنهن قابعات في أسر رجال أشرار"، بينما مستشرق آخر يرسخ هذه الصورة النمطية قائلا: "إن العربي يستمتع بخدر الحواس، وبالهدوء الحالم، وبإشادة القصور في الهواء، وهذا النمط الشرقي من الحياة يقابله نمط الحياة الأوروبية المفعمة بالنشاط والاندفاع والعزم، وإن إنجاز العربي الوحيد يتأتى في ميدان الغزل وحده".
وفي لوحات الرسامين الاستشراقيين، تتبدى الوضعية المفضلة للمرأة الشرقية، في حالة استلقاء مثيرة في كسلها وتراخيها وعريها، وسط أجواء الترف والبذخ، تحتضنها الوسائد والأرائك، وتلفها الثياب الفاضحة المزينة.
ويؤكد الكاتب الأمريكي (التركي الأصل) إرفن جميل شك الحقيقة سالفة الذكر بقوله إن نظرة استشراقية صورت بلدان المشرق على أنها مراتع للجنس واللذة في أجواء غريزية وسرية لا تستند إلى حقائق والأهم قوله إن هذه النظرة "ما هي إلا مبرر للعداء للآخر". وفي كتابه: "الاستشراق جنسيا" ركز ارفن جميل ملامح هذه الصورة مقدما لقارئه عددا من الصور الفوتوغرافية والرسوم التي تناولت موضوع الجنس في الشرق وموضوع المرأة الشرقية عامة.
وعن النظرة الاستشراقية "الجنسية" يقول شك: "باستعارة مجاز من فولتير ربما يمكن القول إنه لو لم تكن هناك مجتمعات الحريم وتعدد الزوجات في بقاع آسيا وأفريقيا لكان على الأوروبيين أن يخترعوها. لكنها قد وجدت وتشكلت المواقف الغربية تجاه تركيا والإسلام عموما على مدى عدة قرون عن طريق توليفة من الاستنكار الأخلاقي والشهوانية الجنسية". واكتسب هذا الموضوع مكانة هامة في الإنتاج الفني والبصري واللفظي الذي بدا في القرن الثامن عشر حاشدا ترسانة كاملة من الحيل المشكلة في قالب قصص مثل: الحريم، الحمام العمومي، سوق الرقيق، المحظيات، وتعدد الزوجات.
وقد استخدمت التعابير و"الصور الشرقية" للدلالة على الإباحية والأعمال الجنسية، واستخدمت التعبيرات والإيحاءات الجنسية للدلالة على الشرق، وذلك في سياق مشروع استشراقي يعبر عن رغبة أوروبية وخدمة المخططات الجيوسياسية نحو الشرق. وهو ما يسمه الباحث إبراهيم غرايبة "إنتاج الآخر من أجل القارئ الأوروبي". حتى أنهم في القرن السابع عشر والثامن عشر، كانوا يوجهون نصائح للكتاب، لضمان "مصداقية" العمل الأدبي وملاءمته للأنماط، أن يتبع التصنيف التالي: الآسيوي جبان والإفريقي غدار والأوربي حكيم والأمريكي غبي; ولا يجوز انتهاك هذه القواعد وجعل: الآسيوي محارباً والإفريقي مخلصاً والفارسي عديم التقوى واليوناني صادقاً والألماني مرهفاً والإسباني متواضعاً والفرنسي غير متمدن.
ومن القصص الموحية في الكتاب أن مصورا صحفيا في تركيا أرسل إلى صحيفة لندنية صورة بيت تركي بناء على طلب الصحيفة، وكان البيت البرجوازي يبدو في مظهره وأثاثه مثل البيوت الغربية، فأعيدت الصورة إلى صاحبها مع التعليق التالي: "الجمهور البريطاني لن يقبل هذه الصورة لحريم تركي". فالبيت التركي كما أصبح راسخا في الصورة النمطية التي رسمها الاستشراق قائم على بركة في داخل البيت مع عدد كبير من النساء العاريات المتكئات على الوسائد وهن يدخن النارجيلات. فالشرق تختصره في الذهن الغربي الاستشراقي كلمة "الحريم"، هذا التجمع النسوي المفترض أن يكون معزولا عن الغرباء، فيطلق ذلك مخيلة التلصص الذكوري الغربي الذي يعيد إنتاج نفسه بهذا التلصص الخيالي متظاهرا بأنه ينقل صورة الآخر.
الاستعارة المجازية الكبرى
ومن آليات التفسير المركبة التي استخدمها ببراعة المفكر الإسلامي الدكتور عبد الوهاب المسيري لتبسيط بعض الظواهر المركبة المعقدة، آلية "الاستعارة المجازية الكبرى" التي قد تلخص السمة المميزة لعصر أو ثقافة بأكملها بقدر كبير من الوضوح. وقد استخدم المستشرقون الغربيون هذه الآلية، وبها أعادوا اختراع الشرق لا كما رأوه وعرفوه، بل بما يتلاءم مع أهدافهم وأغراضهم.
وكانت الاستعارة المجازية الكبرى هي "الانتهاك الجنسي"، وبرزت الرغبة في "الهتك" مع المزيد من التوصيفات المرتجلة أو الموثقة للشرق والحريم، وكلما زاد الحجاب سماكة ازدادت الرغبة في التلصص والهتك وانطلقت المخيلة من عنانها أكثر فأكثر. والموضوع الرئيس في الاستشراق يكاد يكون "الجنس"، ويمكن ملاحظة المخيلة التي تصنعها رحلات طويلة تغذي الشبق المستعر لرحالة وجنود وبحارة محرومين من الجنس، وتسيطر الذكورية هذه على الأوروبي المسيطر والمتفوق فيرى الآخر "امرأة"، ويجد علاقة الرجل بالمرأة تصلح لتصوير علاقة الأوروبيين المستعمرين بالشعوب والمجتمعات المستعمرة.
ومن القضايا المهمة التي تكشف عنها القراءة المعرفية لعلاقة الأوربيين بالشرق – وبالتحديد في إطار حركة التوسع الاستعماري – أن العلاقة الاستعمارية مع الشرق تبدو في صورة المستعمر الذكر والمستعمرة الأنثى في لقاء جنسي، وقد لاحظت الباحثة أليسون بلنت أن كتاب الرحلات في القرن التاسع عشر استخدموا في أغلب الأحيان الصور الجنسية لخلق وتعزيز المنزلية البطولية لكثير من المستكشفين والرحالة الذكور الذي كتبوا عن فتح واختراق القارات المجهولة، والمتميزة غالبا بخصب الطبيعة الخضراء والنساء.
هذه الازدواجية بين الفتحين الجنسي والاستعماري أدت لتأطير المشروع الاستعماري ضمن إطار معترف به. ومؤسستا تعدد الزوجات والطلاق في الإسلام إضافة لمؤثرات الدينية مثل "الجنة" فسرت بإلحاح كبرهان دامغ على أن الإسلام دين حسي يهب معتنقيه حرية جنسية مطلقة، وهو لذلك دين زائف، فالمرأة تبدو في التصوير الاستشراقي للإسلام مخلوق يقدم المتعة للمسلمين لإعطائهم فكرة عن الجنة. ولقد كان الغرب بحاجة إلى هذه الصورة المكرسة للجنس لإظهار التميز والتفوق وتبرير الاحتلال والنهب والاستغلال. وفي هذا الإطار وصفت كتب الرحلات الشرق في كثير من الأحيان بأنه "المؤنث الأبدي".
فرنسا نموذجا للتمثيل الجنسي للاستعمار
وتحت عنوان "الجزائر تلقي الحجاب" كتب الطبيب المناضل فرانز فانون – ابن جزر الأنتيل – في كتابه "سوسيولوجيا ثورة"( ) ما يعد أحد أكثر الدراسات تميزا وسبقا في تحليل هذه العلاقة، عبر تجربة الاحتلال الفرنسي للجزائر الذي يمثل المواجهة الأكثر عنفا بين فرنسا والزي الإسلامي. ففي الفصل الأول من الكتاب، الذي ترجمه ذوقان قرقوط، يقول فانون إن خصائص الثياب الفنية عادات اللباس والزينة أكثر الأشكال بروزا للعيان، أي أكثر الأمور التي يمكن في أي مجتمع إدراكها مباشرة. و"المظهر العام يبقى متجانسا بحيث يتمكن الإنسان من تصنيف مساحات شاسعة من الحضارة ومناطق ثقافية هائلة بالاستناد إلى فنون اللباس المتكررة، المحددة للرجال والنساء".
ونماذج المجتمعات تعرف من خلال اللباس قبل أي شيء آخر، والحجاب الذي ترتديه النساء في العالم العربي هو مما يراه "الغريب" مباشرة، فمن الممكن أن يجهل الإنسان أمدا طويلا أن المسلم لا يأكل الخنزير أو أنه يمتنع عن العلاقة الجنسية خلال صيامه، ثم يضيف فانون: "لكن حجاب المرأة يبدو ثابتا إلى حد أنه يكفي بصورة عامة لتمييز المجتمع العربي"، وبالحجاب تتعين الأشياء وتتنسق، فالمرأة الجزائرية في نظر الملاحظ هي "تلك التي تتستر وراء الحجاب".
تحطيم التمثال
ويروي فرانز فانون كيف تحول الحجاب إلى معركة ضخمة عبأت قوى الاحتلال من أجلها أغزر الموارد وأكثرها تنوعا، وأظهر فيها المستعمر قوة مذهلة. وقد بدأت المعركة الحاسمة بين عامي 1930 و1935. ذلك أن "المسئولين عن الإدراة الفرنسية في الجزائر، وقد أوكل إليهم تحطيم أصالة الشعب مهما كان الثمن وزودوا بالسلطات لممارسة تفتيت أشكال الوجود المؤهلة لإبراز حقيقة وطنية من قريب أو بعيد" وقد عملوا على بذل أقصى مجهوداتهم ضد ارتداء الحجاب بوصفه "رمزا لتمثال المرأة الجزائرية". والأخصائيون في المسائل التي تدعى بمسائل السكان الأصليين والمسئولون في الدوائر المختصة بالعرب "نسقوا عملهم بالاستناد إلى تحليلات علماء الاجتماع وعلماء الأخلاق". وتم العمل وفقا للصيغة المشهورة: "لنعمل على أن تكون النساء معنا وسائر الشعب سيتبع".
وحسب فرانز فانون، استطاعت الإدارة الاستعمارية تعريف نظرية سياسية محددة قائلة: "إذا أردنا أن نضرب المجتمع الجزائري في صميم تلاحم أجزائه، وفي خواص مقاومته، فيجب علينا قبل كل شيء اكتسب النساء، ويجب علينا السعي للبحث عنهن خلف الحجاب حيث يتوارين، وفي المنازل حيث يخفيهن الرجل".
ويكشف فرانز فانون عن أخطر ما في الحرب الفرنسية على الحجاب في الجزائر واصفا النجاح في دفع جزائرية للسفور قائلا: "وكان لابد للقوى المحتلة، وهي تبذل في مكافحة حجاب المرأة الجزائرية أقصة فعلها النفسي، من أن تجني، بالبداهة، بعض الثمرات. وهكذا فقد حدث هنا وهناك إذن التوصل إلى "إنقاذ" امرأة وذلك بسفورها رمزيا. كانت النساء /النماذج للاختبار، فمنذ ذلك الحين تسرن في الشوارع سافرات الوجوه، طلقات الجسد كقطع نادر في المجتمع الفرنسي في الجزائر. ويخيم حولهم جو من الاحتفاء بالدخول إلى الحياة الجديدة. بينما الأوروبيون، في نشوة من ظفرهم وقد سرت فيهم رعدة تملأ جوانحهم، يذكرون بطواهر التحول النفسية. ويكسب صانعو هذا التحول تقديرا في المجتمع الأوروبي، حقيقية".
وإلى جانب "التقدير" في المجتمع الأوروبي بما يكشفه من مركزية لقضية "تحرير المرأة المسلمة" في الوجدان والعقل الأوروبيين، كشف فانون عن أن المسئولين في السلطة الفرنسية كانوا يزدادون قناعة بعد كل نجاح بصحة تصورهم عن دور المرأة الجزائرية "كسند للتغلغل الغربي في المجتمع الأصلي." فكل "حجاب منزوع يكشف للمستعمرين آفاقا كانت ممنوعة حتى ذلك الحين". و"يبرز لهم، قطعة فقطعة، الجسد الجزائري المعرى، وبعد سفور كل وجه تظهر روح المحتل العدائية وبالتالي آماله، مضاعفة عشرات المرات. وتعلن كل امرأة جزائرية جديدة سافرة، إلى المحتل عن مجتمع جزائري، تأذن نظمه الدفاعية بالتفسخ، وأنه مجتمع مفتوح وممهد. وكل حجاب يسقط وكل جسم يتحرر من وثاق الحايك التقليدي، وكل وجه يبرز لنظر المحتل الوقح".
وينقل فرانز فانون التحليل إلى مستوى آخر لا يقل أهمية هو مستوى نظرة الفرد الأوروبي لـ "ألوان السلوك المتعددة الناشئة عن وجود الحجاب"، ويضيف فانون: "يبدو لنا الموقف المهيمن يكون استهجانا عاطفيا شديد التشرب بالحسية. والحجاب قبل ذلك يخفي جمالا". ويستطرد فانون: "ثمة ملاحظة – بين ملاحظات أخرى – أبداها محام أوروبي كان يمر بالجزائر أثناء قيامه بأعمال مهنته فاستطاع أن يرى بعض الجزائريات السافرات. وهذه الملاحظة تكشف عن هذه الحالة العقلية، فقال وهو يعني بعض الجزائريات السافرات، وهذه الملاحظة تكشف عن هذه الحالة العقلية، فقال وهو يعني الجزائريين: إن هؤلاء الرجال يقترفون إثما بكشفهم عن هذا القدر من المحاسن العجيبة. ثم ختم كلامه بقوله: عندما يختزن شعب ما جمالا باهرا مثل هذا، كمالا كهذا، الذي تجود به الطبيعة، يكون لزاما عليه أن يبرزه وأن يعرضه. وفي نهاية الأمر فلابد من أن نقدر على إرغامه على ذلك".!!
ويفصل فرانز فانون الأمر قائلا: "إن رؤية ضفيرة من الشعر أو جانبا من الجبهة أو ملامح وجه "مثير" في الترام وفي القطار تبقى للأوروبي ما لديه من قناعة بموقفه اللامعقول وتعززها وهي: أن المرأة الجزائرية هي ملكة النساء جميعا". ويضيف: "إلا أن هناك عدائية متبلورة تتجلى في درجة العنف لدى الأوروبي بإزاء المرأة الجزائرية. فنزع الحجاب عن هذه المرأة هو كشف جمالها للأنظار، وهو هتك سترها، وتحطيم مقاومتها وجعلها رهن الإشارة للمغامرة. وأن إخفاء الوجه هو أيضا إخفاء سرها.. .. .. وهكذا يعيش الأوروبي في مستوى شديد التعقيد صلته بالمرأة الجزائرية. تتملكه الرغبة في جعل هذه المرأة في متناول يده، وفي أن يصنع منها، متاعا، امتلاكه محتمل.. .. ..يريد الأوروبي، وهو يقابل الجزائرية، أن يرى"، ولذا "فإنه يتصرف بطريقة عدائية أمام هذا التقييد لرؤيته، ويمضي الحرمان والعدائية هنا في تناسق تام".
وبحسب تحليل فرانز فانون فإن تاريخ الغزو الفرنسي للجزائر بما شهده من هتك لأعراض النساء أسهم في بلورة هذه النشوة، فَـتَذكُّر هذه الحرية لمعطاة لسادية المحتل وخلاعته تجعل اغتصاب المرأة الجزائرية مسبوقا في حلم الرجل الأوروبي بتمزيق الحجاب.
فهل تقف هذه الخلفيات – ولو جزئيا – وراء موجة تشريعات حظر الحجاب والنقاب أوروبيا؟
من كتاب
"الإسلام في مرمى نيران العلمانية الفرنسية: ما وراء الحرب الأوربية على الحجاب والنقاب" لممدوح الشيخ
صادر حديثا عن مكتبة بيروت (القاهرة/ مسقط)
التعليقات (0)