الثورة الليبية تعيش مخاضا عسيرا، على عكس باقي ثورات العرب، ليبيا اتخذت أو بالأحرى أٌتخذ لها مسار آخر، ثورة أم حرب أهلية أم حملة صليبية....؟ تعددت الأسماء بتعدد الوجهات و الأراء و بتضارب المصالح، الثوار في ليبيا يعانون من مقاومة النظام "الوحشية" ترادفها حرب إعلامية قوية و من تحالف غربي نصب نفسه وصيا على بنغازي و ثوارها، مقتل عبد الفتاح يونس في ظروف غامضة أثر سلبا على نقاوة هذه الحركة، منذ مدة و تقارير إعلامية تتحدث عن خلافات داخل الثوار بين أجنحة إسلامية من جهة و علمانية ليبرالية من جهة أخرى، خلاف آخر حول القيادة كان قد أثير بين عبد الفتاح يونس و بين خليفة حفتر، مدى صحة هذه التقارير أمر في نظر، لكن مقتل عبد الفتاح أعاد هذه التسريبات للسطح، من مصلحة الكثير من ليبيين و عرب أن يُتحدث عن مشاكل و خلافات داخل جبهة الثوار من باب الحرب الممارسة.
حديث الانقسامات من شأنه أن يضعف من شعبية ثوار ليبيا، عين التعاطف تريد ثورة شعبية نقية و أبطالا شبابا و شيبا كالملائكة، هذا أمر مستبعد، من الطبيعي أن تظهر مثل هذه الخلافات و أن تعيش ليبيا و إن سقط القذافي في دورة من اللاستقرار و من الهزات الارتدادية، غير أن القاطرة ستعود بإذن الله إلى سكتها، أمام النخبة الليبية الحاكمة حاليا أو المسيطرة على الميدان عقبات كثيرة من باب الفراغ السياسي و الإداري الذي سيتركه أو تركه نظام معمر، التحديات الأمنية و خاصة ما يسمى بالقاعدة، النظرة المستقبلية لطبيعة الحكم و الخلاف الايديولوجي بين تيارات أهمها الاسلاميون و المعارضة القادمة من الغرب و المحملة بأفكار ليبرالية و تريد دولة أكثر مدنية و تفتح نحو الغرب. البعد القبلي و المناطقي أمر آخر قد تعاني منه ليبيا، و ما لجوء المجلس الانتقالي لتعيين قائد للجيش من نفس قبيلة عبد الفتاح يونس أوحديث بعض الوسائل الإعلام عن امتعاض ثوار الغرب من بطء تحرك ثوار الشرق إلا أمثلة بسيطة لذلك.
40 سنة من الحكم الفردي العشوائي ليس من السهل محو تبعاته في شهر أو شهرين، كل تغير ( سميه ثورة انقلاب تمرد.......) إلا ويحمل معه نتائج سلبية إما ذاتية تولد من طبيعة هذا التغير ، أو عكسية يولدها مقاومة الوضع السابق لهذا التغير، زوال هذه التبعات يحتاج لمدة زمنية قد تطول و قد تقصر حسب الحالة، أوربا لم ترقى إلى ماهي عليه الآن مباشرة مع الثورات التي اجتاحت كل من انجلترا و فرنسا.....فرنسا لحتاجت إلى ثورة ثانية و ثالثة لتصحيح المسار، إيران حاليا عاشت ثورتها مراحل عصيبة انتهت بتصفية بعض رموزها، ثلاثون سنة استعادت ايران قوتها رغم انها عاشت حربها الطاحنة ضد العراق، رغم ذلك إيران مازالت تنتظر مشهدا آخر نحو التحرر. لن تكون هناك ثورة بريئة ، و سيكثر المشككون و المثبطون، و سيعاني الليبيون كثيرا، لكن لا محالة فجر جديد ينتظر طرابلس.
التعليقات (0)