كثيرا ما يقف الإنسان عاجزاً عن عمل شيء ولو كان يسيراً أمام تحديات الحياة وهمومها ويظل الصبر المتنفس الوحيد الذي ينجو به المؤمن من الهموم والأحزان , ويذهل الإنسان أحياناً في لحظة ضعف بشري حتى عن الصبر الذي هو مفتاح نجاته, ومن تلكم المواقف التي لا يستطيع الإنسان فعل شي فيها , ما يحصل عندما تصل ابنته سن الزواج ففي داخله الرغبة لتزويجها لما لها من الحق بذلك, لكن الموضوع تتناوله جوانب كثيرة فليس من السهولة فعل شيء مجدي , فمن جهة يعرض الشباب عن الزواج المبكر بحجج متنوعة لا نهاية لها,كالتخرج و تأمين المستقبل ,وقد يكون الشاب صادقاً في ذلك حيث لم يجد من والده وهو المسئول عن تزويجه ما يشجع على طلب الزواج قبل الوظيفة , وطلب الزواج أمر سهل في نظر الوالد أو الوالدة فهم ينتظرون من الابن أن يأتي على الغداء أو شاي العصر ويقول لوالده أنه يرغب في الزواج وأنه يريد زوجة مناسبة ليقترن بها, ومع سهوله هذه الطريقة عند الآباء إلا أنها ثامن المستحيلات عند الشاب فهو لا يملك الجرأة الكافية ليقول ذلك لوالده , والسبب لا يخفى على ذي لب , يعود لرغبة الشاب في التخلص من مراقبة الأهل و حق له ذلك فلن تسير الأمور بهذه البساطة التي يدعيها الأب فهو يصور العملية بشكل يسير فيقول , لما ذا لا يكلمني ويصارحني و الابن يعلم يقيناً أنه لو طلب الزواج بنفسه لسخر منه الأب وتندر به أمام أهله وزملائه , والشاب يأنف من هذا الأسلوب ويركب كل مركب حتى لا يقع في هذا الفخ ,فإذا كان الشاب يؤجل الزواج سنة بعد أخرى بسبب الحرج , فما عسانا أن نقول عن الفتيات , وهن من الحياء كما قد علمتم, ولنشبه للأب ذلك الحرج الذي يصيب الشاب ويرى الأب والأم أنه غير مبرر وعليه المصارحة. فأقول: إن الحرج الذي يقع فيه الشاب لطلب الزواج يقع فيه والد الفتاة الراغب في تزويجها فهو يريد لها العفاف والستر لكنه لا يجرؤ أن يفاتح أحد الشباب في تزويجه من ابنته , لأنه يعلم يقيناً أنه لو خطب لابنته صاحب الدين, لاصطدم بعوائق كثيرة من العادات والتقاليد التي ما أنزل الله بها من سلطان , إن أول الأمور التي تتبادر للذهن , وما عسى أن يقول عني ذلك الشاب الذي أتقدم له لطلب زواجه من ابنتي , هل سيعيّرها بعد ذلك بقوله أنني لم أكن أرغب الزواج منك لكن والدك طاح علي ورماك في حلقي ..الخ العبارات التي لا تخفى, و البنت من الحساسية بمكان, فعبارات كهذه كفيلة أن تقوض أركان الزوجية وتعيدها لبيت أبيها في زمن قياسي , ذلك أن المرأة فطرها الله أن تكون مطلوبة فإذا طُلبت أحست بكيانها أما حين تتهم بالابتذال و أنها راميه نفسها أو -قاطة وجهها – على الزوج فإنها تزهد في هذه الحياة الزوجية خاصة لو تكرر هذا, ومع هذا وذاك فطلب الرجل للكفء يزوجه موليته (إبنته أو أخته) خلق شريف لا يعني انتقاص البنت كما يزعم بعض العوام , ظناً أن من يفعل ذلك فابنته ليست صالحة للزواج و أنها لو كانت مناسبة لتسابق عليها الخطاب , وهذه نظرة قاصرة لأن كبار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يفعلون ذلك فيخطبون لبناتهم من يرون فيه الخير والصلاح فهذا الفاروق عمر يعرض ابنته على أبي بكر الصديق رضي الله عنه فلا يبدي رغبة في الزواج بها , ثم يعرضها على عثمان فكذلك إلى آخر القصة المعلومة لديكم. دون أن يسبب له ذلك أي حنق ,أما الواقع فبعض الناس يدعي التمسك بالدين, لكن تمسكه الحقيقي الذي لا شك ولا مرية فيه بالعادات والتقاليد, إن مخالفة شعيرة من شعائر الدين من السهولة عنده بمكان , لكنه لا يجرؤ على مخالفة العادات الاجتماعية قيد أنملة , فضلا عن مخالفه الاتكيت الذي يقدسه الرجال والنساء على حد سواء .
وقد اتصل بي الكترونياً أحدهم لديه مشكلة كبيرة جداً ويحتاج مساعدتي و اشترط أن لا أخبر أحداً بهذا الأمر فوافقت وقلت على بركة الله ففاجأني بطلبه وهو عدم تقدم الخطاب الأكفاء لبناته و أن جميع من تقدم لا يصلح أن يوافق على الزواج منه وقال أرغب في مساعدتك , ففرحت بأن الأمر بهذه البساطة وليس مشكلة كبيرة , فقلت لعلك متشدد في مواصفات زوج ابنتك ,فقال على يدك من ترضاه أنت أوافق عليه , عندها تذكرت من سبق أن حدثني على استحياء عن نفس المشكلة , فمنهم من يستشير في الإجراء المناسب مع بناته الجامعيات بعد أن تخرجن ولم تأتي الوظيفة فتبين لي الآن أن المراد ليس الوظيفة لكنه العريس , والبعض تحدث عن الخطاب الذين يتقدمون لرؤية البنت ثم لا يعودون حتى صار يتردد في الرؤية الشرعية التي هي حق للعروسين, فقلت لصاحبي طالب المساعدة , اعتبر الموضوع موضوعي و سأتولى تزويج ابنتك إن شاء الله , بادرت لأحد قرابتي لا ليزوج أبنه من بنت صاحبي ,بل لما اعرفه عن عائلته من كثرة الأبناء فقلت سيختار من الشباب عنده بالهاتف, فقال لي بالحرف الواحد خليها على الله , قلت ما الأمر؟
فقال: أخي فلان تقدم لابنته صاحب وظيفة بسيطة جداً فاستشارني فقلت لا تفعل الفقر أخو الكفر, ثم ما لبث أن زوجها على آخر من أسرة تسكن أقاصي المملكة فعاتبته في ذلك , فقال وماذا تريدني أفعل ولم يتقدم من معارفي أحد والبنت لا يصلح لها إلا الزواج , فقلت أنت السبب , فقال كيف ,قلت أنت قاطعت جماعتك فلم تحضر مناسباتهم و أفراحهم فلا يعلم أحد أن لديك بنات فضلاً عن أن يتقدم للزواج منهن احد , ثم أستدرك وقال : تذكرت وأنا ألومه على عدم حضوره مناسبات الجماعة رحيمي لديه مجموعة بنات ولا تكاد تبدأ إجازة الصيف حتى يذهب بعائلته إلى الديرة فلا يتأخر عن مناسبة بأهله وبناته رجاء يتعرف النساء الكبيرات على بناته ليخطبن إحداهن , لكن دون جدوى ,- و الزواج قسمة ونصيب كما يقال -ضحكت ليس شماتة به , لكن لأنني أصبحت أرى المشكلة بدأت تكبر ,إنها مشكلة عامة و الجميع له محاولاته وأساليبه لحلها لكنها حلول خاصة , إن علاج المشكلة بعدة أمور:
الأمر الأول:
إعادة النظر لمفهوم حفل الزواج الذي أصبح عبئاً ينوء به أهل المال والثراء فضلاً عن الشاب الذين يرغبون في الزواج ولا يملكون مصاريف حفل الزفاف والقاعة فضلاً عن قيمة إيجار وتأثيث شقة حديثة و عصرية, إن الواجب علينا جميعاً أن نعاود النظر في عدد المدعوين للحفل وعدم معاتبة من لم يحضر وعلينا مراجعة الإجراءات التي تتم داخل قاعة الفرج وكمية الأطعمة المقدمة و الهدايا التي توزع على الحضور نعم هذا من أسباب الفرح و إدخال السعادة على الحاضرين ,لكن ذلك على نفقة العريس ,في اسلوب استعراض يقلد الناس بعضهم فيها تقليداً اعمى ,كان الأجدر بالحضور تقديم الهدايا للعروس التي ستعيش بقية عامها تحت خط الفقر بسبب المديونية التي تحملها زوجها قبل أن يبدأ حياته الزوجية, وما هي ثمرة تلك الهدايا, التي يرى البعض أنها للتباهي والتفاخر ليس إلا.
الأمر الثاني:
يدعي كثير من الآباء والأمهات أنهم لا يريدون لبناتهم إلا الستر , لكنهم ما أن يتفق الطرفان على إمكانية التقارب حتى تبدأ الشروط والمواصفات والضوابط فأهل الابن يريدون ست بيت ويريدون جمال ودلال وموظفة براتب جيد ….الخ , وكذا أم البنت تريد لها بيت شرعي و زوج وظيفته مرموقة و أن تكون بنتهم في كل إجازة عندهم ….الخ , هذا لعمر الله من الأمور التي كثيراً ما تهدم الأفراح قبل اكتمالها , فعلى من يتقدم لطلب زواج أن يلتزم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم (فاظفر بذات الدين تربت يداك ) وقوله عليه السلام (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ), ونذكر هنا بأن البنت إذا بلغت 25 سنة يدب القلق إلي قلبها حول مستقبلها, و حق لها فهي تريد الستر وتتمناه فإذا وصلت لهذا العمر والزوج لا يزال يشترط مواصفات لا توجد إلا في10 % من النساء فمن لبقية البنات, ثم هذا الشاب أيضاً قد لا يكون هو الآخر على قدر من الجمال الذي يشترطه , إن الحرج الذي يلحق بالفتيات من تاخر الزواج يبرر لهن فعل أي شيء مشروع, من التقدم لطلب الرجل الصالح للزواج منها أو توسط له أحد من أهل الخير ,أو الزواج من أي جنسيه مقيمة بالسعودية , عند ذلك لا يلومها أحد ما دام ابن البلد شروط مستحيلة, لذا ينبغي القول للشباب وللآباء هل وعيتم الحديث الذي يرويه أبي هريرة رضي الله عنه قال, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض ) فهل ننأى ببنات المسلمين عن الفساد العريض هذا ما نؤمله.
الأمر الثالث:
يفترض بناء قاعدة بيانات للراغبين في الزواج من الجنسين يتم التوفيق بينهم من خلالها فيكون في كل قرية وفي كل مدينة أشخاص لهم دراية بهذه الأمور فيطلع هؤلاء على معلومات عن الأسر التي لديها بنات في سن الزواج و معرفة جوال والد الفتاة و الشروط التي يرغب توفرها في الزوج حتى يتم التنسيق مع الوالد حول الشخص المناسب لهم قبل إرساله إليهم .
إن البنات في سن الزواج كثر , لتأخر الشباب عن الزواج وقد يكون السبب المصاريف المترتبة على الزواج حسب العادات والأعراف ما أدى لتزايد غير المتزوجات لذا فالأمل بعد الله معقود على أهل المبادرات الذين يسهمون في حل هذه القضية ,إن الانحرافات التي تعاني منها بعض المجتمعات , لهي بسبب تأخر سن الزواج لدى الجنسين ,إن المساهمة في التوفيق بين الراغبين في الزواج و تيسير المهور لهو المفتاح السحري لحل هذه المعضلة .
إنني في هذا المشروع ومن معي من المحتسبين قد حددنا مهمتنا بتزويج فئة محددة وهي “غير المعددين” وليس ذلك إنكار منا لمشروعية التعدد بالضابط الشرعي, بل إننا نعلم عن فتيات لا يمانعن من الزواج من متعدد بل يرحبن بذلك, لكن وضع هذا الضابط لأمور :
- الأولوية لدى أولياء البنات في تزويج العزاب .
- حاجة العزاب للمساعدة في الدلالة دون المتزوجين مسبقاً فهم ليسوا كذلك .
- استبعاد المتزوجين سيدعم الفكرة خاصة من النساء وقد يسهمن في نجاح فكرتنا .
- يفرح الجميع لزواج أعزب لكن زواج المتعدد يفرح به أقوام ويساء به آخرون ,ولا نرغب إصابة بعض أخواتنا بالحزن لنسلم من دعوة بظهر الغيب .
التعليقات (0)