فتوى تحريم إختلاء الأب بإبنته !
يقال للمدافع في لعبة كرة القدم (خير صديق لك هو الآوت) .. وكل ما تجد نفسك "مزنوقا" فإن عليك المسارعة بإخراج الكرة من جانبي المستطيل الأخضر حتى تريح وتستريح .... وعلى هذا النسق صرنا نسمع بفتاوي يصدرها دعاة القطاع الخاص الفضائيين وفي المجلات الورقية فيسارعون إلى (التحريم) كحل سهل ينفي عنهم الجهل وسوء التقدير.... وبما معناه أن "التحريم" قد أصبح في ظل هؤلاء هو صديق الداعية والسلام.
في فتوى للشيخ الوسيم ؛ الداعية التلفزيوني الشاب محمد العريفي ؛ ردا على سؤال لإحدى المشاهدات في برنامج (قلبي معك) الذي تبثه قناة دبي . قالت فيه تلك المشاهدة: "أن شقيقها يتحرش يإبنته فماذا تفعل؟" أجابها الشيخ قائلا:
"إن ما فعله والد البنت هو نوع من الشذوذ ويجب على البنت ألا تجلس مع والدها بمفردها إلا بوجود أمها أو أحد أخواتها".
وقد عزا شيخا هنا هذه الحالة بأن هناك من الفتيات الشابات من تجلس أمام والدها ويكون جسدها جميلا ، وترتدي ملابس ضيقة . أو تظهر صدرها ، مثل إرتداء البلوزات القصيرات والبنطلونات الضيقة فهي شابة وابوها شاب . ومن الممكن أن يتحرش بها إذا سلم عليها أو قبلها أو ضمها وكان جسدها جميلا . وأضاف بما معناه أن الشيطان شاطر وربما يؤز الأب إلى بعض الأمور الجنسية مع إبنته.
...............
وفي معرض تفاعلهم مع الطرح أعلاه ؛ فقد سارع البعض وسارعن على صفحات الويب بالتنديد وكيل أبشع الأوصاف على هذا الأب وأمثاله تصفه بالحيوان .. إلخ من أوصاف مطبوعة على أسطوانات باتت مشروخة إعتدنا على قراءتها أو سماعها في مثل هذه الحالة ثم نصمت وننام ... وهو ما يضعها إذن في خانة ردود أقوال إنفعالية على أفعال واقعة . وهي لا تشخص حالة ولا تقدم حلا يرتجى.
مسألة تحرش بعض الآباء ببناتهن وإغواء بعض الأمهات لإبنائهن هو في حقيقة الأمر شذوذ واقع ؛ لكنه لم يصل إلى مرحلة الظاهرة في مجتمعاتنا العربية المسلمة بعد. وهو عموما يعتقد أن سببه حالة نفسية أكثر منها فتنة تتعلق بجمال القوام وتعري البنت أمام ابيها أو فتنة الأم بإبنها الشاب .... وحتى إذا سلمنا جدلا بأن للتعري دوره في تحريك الشهوة فإن الأب والشقيق عادة لا يلتفت لمثل هذه الأمور في داخل المنزل لاسيما إذا إعتاد عليها كما أن النفس السوية السليمة ترفض ذلك وتستهجن مجرد التفكير والإنسياق وراء الشهوة الحيوانية . ومن غير العملي أن نطالب الفتاة أن تتحجب وتتنقب خارج منزل ابيها وداخله أيضا .... هذا ليس حلا عمليا.
زنا المحارم ومسألة التحرش الجنسي بالمحارم .. يكاد يكون ظاهرة مقلقة فريدة من نوعها في المجتمعات الغربية وأكثر منها في الولايات المتحدة بوجه خاص لأسباب تتعلق بتغلب المفاهيم والقيم والمثل المادية. إلى جانب نفاق الكنيسة وغياب المثل الأعلى وتورط رجال الدين أنفسهم هناك في ممارسة اللواط مع الأطفال والصبيان والتحرش الجنسي بالقاصرات وإغتصابهن وفق ما نسمع ونرى من محاكمات وإعترافات للضحية والجاني على حد سواء .. ومن ثم تواري القيم الروحية والوازع الديني وإيثار الإنسان نفسه على غيره وإنقياده نحو الشهوات يشتى أنواعها من جنس ومال وخمور ومخدرات وحب إمتلاك على علاته.
............
فتوى الشيخ محمد العريفي هي الأخرى لم تشأ أن تعالج الأمر من جذوره لسبب أنها جاءت عجلى وفردية ، دون دراسة متعمقة شأنها شأن كل فتوى دينية تصدر هذه الأيام. أو ما بات يطلق عليه (فتاوي الفضائيات) الجاهزة وعلى طريقة ألـ Take away...
كان الأجدر أن يطالب الداعية العربفي إلى بحث هذا النوع من الشذوذ على مستوى أوسع ومتعمق من كافة فعاليات المجتمع ؛ خاصة عبر الوسائط الألكترونية لما توفره هذه الوسائط من شفافية ؛ ولمخاطبتها وتوجهها لجيل الشباب والنشء. وبوصفها أداة الحاضر والمستقبل الإعلامية والتثقيفية. وبحيث يكون الهدف معرفة الأسباب المستجدة وسبل علاجها الواقعية المنطقية . والتنبه لخطورتها وعواقبها النفسية على الجاني والمجني عليه.
..........
إن الحل (العزلي) المهرول إلى "التحريم" الذي أفتى به الداعية العريفي لاشك يستند إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما إختلى رجل بإمرأة في مكان واحد إلا كان الشيطان ثالثهما" أو كما قال.
ولكن الداعية العريفي يخلط هنا بين المحارم والأجانب وينسرق بنا للتخصيص وتعقيد المسألة بشكل واضح، ومع ذلك لا يقدم لنا حلولا عملية يمكن إبتلاعها وهضمها للإستفادة منها ....
فعلى سبيل المثال غاب عن ذهن الداعية العربفي أن الشرع الإسلامي يمنح حق حضانة البنت للأب بعد بلوغها سن التاسعة من العمر ، ويمنحه كذلك حق حضانة الولاد عند بلوغه سن السابعة .... ومن ثم فكيف يتوفر شرط تواجد الأم مع الأب والبنت في مكان أو واحد.
كذلك إفترض العربفي جدلا وبقدرة قادر وجود أخت أو أخ أو عمة أو خالة .. إلخ للبنت ... وهذا لا يمكن تعميمه ؛ فهناك ملايين من الفتيات ماتت أمهاتهن أو إنفصلن عن الأب وليس لديها إخوة أو عمات أو خالات .. فهل بفترض الشيخ العريفي أن لكل إنسان على وجه هذه الأرض شقيق ؟ ثم ألا يدرك أن العديد من الأزواج يفضلون إنجاب إبن واحد فقط خاصة خلال هذا العصر المادي؟ ... ثم أين هذه الشقيقة التي تترك حياتها وتتفرغ لـ "حراسة" شقيقتها بالعمل "عازلا" بينها وبين أبيها على طريقة ألـ Body Guard وأكثر؟
..........
كان على الشيخ العربيفي أن يدرك (بذكائه الحاد) أن إتصال شقيقة الأب (وليس زوجته) ربما يكون سببه أن البنت المتحرش بها ربما تعيش في بيت أسرة والدها لسبب أو لآخر يتعلق بإنفصال أبيها عن أمها أو وفاة أمها .... إلخ ..
ثم من هذا أو هذه التي لا عمل لها ولا هم لها أو له حتى يفرغ نفسه لمراقبة دخول وخروج الأب مع إبنته ، والجلوس معهما في كل مكان داخل وخارج المنزل ومنعهما من الإنفراد ...بل ومن يبيح لنفسه هذا الحق أصلا؟
إذا كان القضاء الإسلامي الشرعي يسلم البنت إلى أبيها في يده بعد بلوغها سن محدد وخروجها من حضانة أمها وبقول لهما إذهبوا فأنتم الطلقاء .. هل يريد العريفي أن يهدم هذا النص الشرعي أم ماذا ؟ أم أنه لا يدري تضارب فتواه مع النص الشرعي في جانب آخر. ناهيك عن تضاربها مع الجانب العملي لطبيعة الحياة وإنشغال الناس بأعمالهم وأسرتهم في نهاية الأمر أخوات كانوا أم عمات أو خالات أو حتى أمهات؟
كان على الداعية الفضائي العريفي إذن أن يطلب من السائلة الإنتظار حتى الحلقة القادمة مثلا كي يعطيها الرد الإيجابي العملي الواقعي ، بدلا من مسارعته بالإجابة وإصدار مثل هذه الفتوى العزلية الغير عملية ؛ وكأنه يتحرج من أن يقال عنه أنه ليس عالما وليس واثقا من نفسه أو يتمتع بالجاهزية الفتوية في مجلس واحد …… أو لعله لا يدري أن أئمة مثل الإمام مالك رضي الله عنه كان يعتذر عن المسارعة بإصدار الفتاوي بمبرر ضرورة منحه الوقت اللازم لتقليب الأمر على كافة الوجوه . وأن الإمام الشافعي كان يفتخر بالرد قائلا (لا أدري) .... وأن من قال لا أدري فقد أفتى .....؟
.........
الحل:
مع ضرورة التنبيه بأن مثل هذا التصرف هو أمر شاذ وليس قاعدة عامة في المجتمع ؛ يكمن الحل في واحد أو أكثر من هذه الخطوات بحسب ما بتوفر للأب أو المَحْـرَمْ بوجه عام:
- الدعوة إلى عقد الندوات التي يتحدث فيها متخصصون في علم النفس والإجتماع والإقتصاد والتربية والتعليم والشريعة .. إلخ لمناقشة مسببات هذا الشذوذ وكيفية معالجته.
- في حالة توافر إمكانات مالية لدى الأب فبالإمكان نصحه اللجوء إلى طبيب نفسي لمعالجته ، حيث هناك أكثر من سبب قد يدفع الأب لمثل هذه التصرفات رغما عنه . منها على سبيل المثال (الأنانية وحب الإمتلاك) ، (الغيرة المفرطة على البنت) .. (الإنفصام) ، (الحب المبالغ فيه لفلذة الكبد) ، (العنفوان الجنسي الزائد) .... إلخ...... بل ربما مر على كثير منا نماذج من آباء يغيظهم أن يمتلك إبنتهم (زوج يعذبها نهارا ويتلذذ بها ليلا) كما يرددون ويقولون: أربي فيها طول عمري ويأتي أحدهم لبأخذها مني هكذا ببساطة؟ ... يشيل النور ويترك القنبور؟ ........ ومنهم من تنتابه حالة نفسية بعد زفاف إبنته وخروجها بصحبة زوجها من منزله لأول مرة ، فيقضي الليل بطوله سهران ندمان مشغول الفكر تعصف به الهواجس. يمسح دموعه من على خده وزوجته إلى جانبه تنتهره على ما يفعل وتذكره بأنه فعل بها ما فعل يوم أن تزوجها وأخذها من بيت أبيها لتبات في بيته وظل بتحايل عليها مستغلا براءتها وسذاجتها وجهلها بأمور الجنس حتى نال عذريتها .. فيرد عليها وهو يجهش بالبكاء : ولكن بنتي هذه صغيرة بريئة ملاك طاهر ومسكينة وليست مثلك. ...... وينقلب الحال بالطيع حين يتزوج الولد فيفرح الأب وينتشي ويسعى للنوم ملء جفونه غرير العين وهو يدعو لولده بالنصر المبين أمام حصون وأسوار عَـكـّـا ..... في حين تقضي الأم ليلتها حزينة باكية على فراق ولدها وإمتلاك أخرى له تمص دمه ؛ تأخذه لحم وترميه عظم . تحرمها منه وتجعله خدام رهن إشارتها وتحت قدميها.
- وفيما يتعلق بالعنفوان الجنسي المفرط لدى الرجل فلعلنا هنا نستذكر حكمة ورحمة الشريعة الإسلامية ، التي دائما ما تسبق الأحداث وتسد الذرائع ، حين أحلت للرجل الزواج بأكثر من واحدة . .... وطالما أن الداعية العريفي يعلل بوجه خاص أن لصغر الفتاة وجمال جسدها سبب رئيسي في فتنة الأب الشاب . فلماذا لا يتوجه هذا الأب الشاب إلى الزواج من فتاة لها نفس مواصفات إبنته طالما كان الشرع الإسلامي الحكيم لا يمنع مثل هذا الزواج مثنى وثلاث ورباع؟
التعليقات (0)