فتوى الفايس بوك.
آخر صيحات الفتاوى في بلاد المسلمين جاءت من مصر، حيث حرمت " لجنة الفتوى في الأزهر " الدخول الى موقع " الفايس بوك"، واعتبرت زائري هذا الموقع العالمي آثمين شرعا. وجاء في حيثيات الفتوى الجديدة أن " المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية " توصل في احدى دراساته أن حالة واحدة من خمس حالات طلاق سببها اكتشاف أحد الزوجين أن شريكه على علاقة مع طرف آخر. والفايس بوك هو القناة التي تنتظم عبرها العلاقات الخارجة عن مؤسسة الزواج.
فتوى تحريم زيارة الفايس بوك، تمثل اذن صك اتهام صريح لهذا الموقع الالكتروني( الذي يعرف اقبالا منقطع النظير وخصوصا في أوساط الشباب في كل بقاع العالم) بنشر الرذيلة والتشجيع على الخيانة. وهذه العقلية المتحجرة والموغلة في السذاجة، تدل من جديد على هول أزمة العقل الاسلامي الذي لا يبدو أنه قابل في الأفق المنظور على الأقل لأن يبلغ مستوى التنوير.واتهام الفايس بوك وغيره من مواقع الانترنيت يدخل في باب ثقافة المؤامرة التي يتشبع بها المسلمون ويعلقون على مشجبها كل أسباب فشلهم وضعفهم. وكأن لسان حال من صدرت عنهم الفتوى الجديدة يقول: ان كل ما يأتي من الغرب رجس من عمل الشيطان... وبالتالي فهذا الغرب هو سبب كل المشاكل التي يعاني منها المسلمون... فهل الخيانة الزوجية ظاهرة جديدة مرتبطة ب ظهور الفايس بوك؟.وهل يوجد في هذا الموقع أصلا ما يحث على الرذيلة ويشجع عليها؟.
الواقع أن مثل هذه الفتاوى تختزل بعمق شديد واقعا مؤلما ومضحكا في آن واحد، يذكرنا بفتوى تحريم " البوكيمون " ودمية " ميكي ماوس " و غيرها من الغرائب والعجائب في زمن فقهاء السلاطين الجدد. وأصبحت الفتاوى تصدر تحت الطلب، ولا يحضر فيها أي منطق علمي يبرر أسباب و ظروف الافتاء في أمور المسلمين. لكن مثل هذه الممارسات التي تستغل الجهل والأمية و الوازع الديني عند عامة الناس فقدت مصداقيتها منذ زمن بعيد... اذ أصبح القاصي والداني من ذوي العقول النيرة في المجتمع الاسلامي يدركون أن الحلال والحرام أصبح خاضعا لمزاج بعض أولي الأمر. وقد رأينا مؤخرا احدى خرجات شيخ الأزهر عندما أفتى بشرعية بناء الجدار الفولاذي المصري على حدود قطاع غزة.وهذا هو منطق الفقه الاسلامي الجديد الذي ينفذ أجندة ذوي النعمة وليس منهج الله الذي باسمه تصدر مثل هذه الفتاوى العجيبة. حيث صار حصار شعب بأكمله خلف الجدار حلالا طيبا، بينما الجلوس ببراءة أمام الحاسوب لتصفح موقع الفايس بوك هو عين الحرام الذي قد يكون مفتاح نار جهنم.
يبدو أن القاعدة الفقهية التي استندت اليها الفتوى الأخيرة هي درء المفاسد. والمفسدة الحقيقية التي تحاول هذه الفتوى درأها تتجلى في الخطر الاعلامي الذي تمثله مواقع الانترنيت الجادة مثل الفايس بوك و تويتر وغيرهما.وقد بدا ذلك واضحا في حجم التعبئة التي نجح فيها بعض رواد وأعضاء المنتديين ضد قرار الحكومة المصرية ببناء جدار غزة، لذلك كان تحريم تصفح مثل هذه المواقع هو الطريق الأنجع للتخلص من صداع المشاغبين...و في انتظار فتوى جديدة لا تنسوا أن تتصفحوا الفايس بوك.
محمد مغوتي.03/02/2010.
التعليقات (0)