مواضيع اليوم

فتوى الشيخ البراك..ارتهان الدين بارادة السلطان

جمال الهنداوي

2011-10-02 19:11:42

0

كأنه النيل..وكانه الفرعون العتيق نفسه جالسا اعلى التل راميا بالطرائد الحية لكهنة المعبد المضمخين بالشبق الممض لامتصاص رحيق الحياة.. ولكأنها نفس تلك اللهفة العليلة لصيحات المريدين الخاشعين لنعمة الاله الزائفة على وجوه سادتهم باحثين عن مسيح ما ليصلب من جديد محملين اياه ساديتهم وتناقضهم مع الحياة والفكر الحر المنفتح في حفلات صاخبة من الصراخ واللعن والتكفير..كأنه النيل..لكنه بلا ماء ولا خير يتفتق من بين ثنايا مسيره الخالد..بل اخاديد غائرة متغضنة في وجه التاريخ والكرامة الانسانية حفرتها الكراهية والنبذ والاقصاء وصيحات الخشب المسندة بزعيقها ولحاها وجلاليبها وورعها الملتبس برفض الآخر والعدائية المطلقة مع حق الحياة..

تكاد المؤسسة الدينية الوهابية تلامس قاع الحضيض باطراف اصابعها..بل قد تكون غاصت فيه الى الركب من جراء مثل هذه الفتوى التي تلتبس الدين بارادة السلطان والتي اطلقها رجل الدين السعودي المتشدد الشيخ عبد الرحمن البراك بـتكفير الكاتب السعودي عبد العزيز السويد واعتباره ملحدا ووصفه بالضال والمطالبة بمحاكمته....

فاننا كنا قد نفهم الامر على انه من بعض تفلتات فضيلة الشيخ واحدى مبادراته في محاربة الفكر الحر او اي اشارة لمحاولة تحسس الارض تحت اقدام العباد لولا تمددها لتشمل الصحافة السعودية التي وصف حالها بـ"المزري" وانها" حرة إلا في كلمة الحق"و"تمجد الأقزام اللئام الذين لا تجني الأمة منهم إلا ضياع الأوقات والأخلاق. وتستقطب أقلام المفتونين بتغريب الأمة"..فمثل هذه الاقوال تحيلنا فورا الى ما قد يدل على حسم الحكم السعودي لامره تجاه المزيد من التضييق على ما تبقى من ممارسات خجولة لبعض الحريات وان فضيلة الشيخ هنا لم يكن سوى مخلبا صغير في منظومة التوحش والافتراس السلفية ضد الفكر وحرية التعبير..

لسنا في علمية الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك..والاهم هو اننا لسنا في محضر الحاجة لمثل هذا العلم..وبالتأكيد..اننا لا نمتلك ذلك الهوس البائن الجلي المتكرر في اطلاق عبارات التقريع والتأنيب والتكذيب والتجهيل والاتهام..والاهم..التكفير وتأليب الرأي العام على الآخر المختلف(فرعيا)..ولكننا وباستخدام نفس امكاناتنا المتواضعة نجد ان الشيخ قد حمل الامور ما لا تحتمل في هجومه على الكاتب السويد وانه كان ينظر الى الابعد بكثير من صفحات جريدة"المدينة"وهو يعلن ان ضرر الصحف السعودية على الأمة أكبر من نفعها..وان دعوته  الكاتب ورئيس التحرير "للتوبة إلى الله واستغفاره " قد تكون اقرب الى الدعوة الصريحة للحجر على الصحافة السعودية ووضعها تحت الوصاية المباشرة لمحاكم التفتيش السلفية..

كما ان تزامن هذه الفتوى مع الامر الملكي العاجل  "المصحوب بما وصف بالامتعاض الشديد"بالإيقاف الفوري لرئيس تحرير "المدينة" والكاتب السويد والتحقيق معهما على خلفية نشر المقال لما يمثله من "تجاوز على ثوابت العقيدة".قد يشير الى ان غيرة الشيخ على تلك الثوابت كانت بتوجيه مباشر من الجهات العليا ولا تعد الا  حلقة من مسلسل طويل قد لا يكون للشيخ فيه الا دور الصافرة التي ستطلق المزيد من الاجراءات العقابية تجاه الاقلام الصحفية السعودية التي قد تنحرف قليلا عن كتابات الحمد والثناء والدعاء بطول العمر للسلطان..

كما ان تلك السرعة في الاستجابة لتك الفتوى بالذات وتجاهل فتاوى اخرى قد خلت لفضيلة الشيخ استهدف بها اسماء لبعض طوال العمر والجاه قد تشير الى ان بعض الكتابات التي نشرها الكاتب –رغم محدوديتها-وتحدث بها عن بعض مظاهر الفساد هي السبب الاول لتلك الغضبة السامية وليس الخوض في "المفهوم المدني للالوهية"..خصوصا وان الكاتب كان اكثر تأدبا مع "الذات الالهية"و"ثوابت العقيدة"من فضيلة الشيخ الذي وضع نفسه في موضع الاله في القدرة على كشف الصدور والاطلاع على النوايا ..

دلائل كثيرة ومؤشرات قد تتباين في منطلقاتها واتجاهاتها ولكنها لن تؤدي بنا الا الى طريق واحد هو ان مشكلة السعودية العضال تكمن في نظامها السياسي اولا ..وان المؤسسة الدينية ما هي إلا صورة للعلاقة المعقدة ما بين سلطان يفتقد للوسائل الشرعية في الحكم وبين شعب في موقع الاتهام الدائم بالسؤال عن هذه الشرعية المفقودة..وان المواطن السعودي رغم هدوءه النسبي وتماشيه المنضبط  في تماس مع الحائط الرسمي لا يزال مشروع هدف محتمل للنظام وفي محل تشكيك دائم في ولاء لسلطة غير مقتنعة هي نفسها بصلابة الارضية التي تقف عليها ..

وهذه المؤشرات وان كانت تدل على ان النظام في وضع دفاع مأزوم امام الاقلام الحرة  من الكتاب والصحافيين ولم يعد امامه الا التهديد بالقتل والعنف، ومهاجمة معارض الكتاب، والأندية الأدبية، وشنّ الغارات الإعلامية المصحوبة باناشيد الغزو والجهاد على مواقع الإنترنت وبريد المثقفين العرب. الا انها تشير ايضا الى ان الامور ما زالت بعيدة  عن خواتيمها في ارض الحرمين..وان المؤسسة الدينية ستظل سيفاً مسلطاً على الشعب، وسلطة متضخمة في يد الحكم ..ووسيلة لخنق الشعب بحبال الدين المسيس..ما دام النظام يستشعر الحاجة اليها لتكفير المخالفين .. وفي حشد العنف ضدهم..وانه بدون الشعور بالرغبة والارادة الشعبية الحرة في التغيير ..فان ليل المملكة سيبقى طويلا..ولن يكون هناك فجر قريب.. 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !