إن فتوى الجهاد التي أطلقها السيستاني بعد سقوط محافظة الموصل في العراق تعتبر من أكبر الفخاخ التي وقعت فيها جميع الإطراف المتصارعة في العراق – سواء كانت داخلية أو إقليمية أو دولية – وكما يبدو من النتائج التي ترتبت على هذه الفتوى, انه تم الترتيب والإعداد والتهيئة لهذه الفتوى, وأغلب الإطراف المشاركة في الصراع في العراق كان لها دور فعال في إعداد هذه الفتوى على شكل فخ لكي يسقط فيه الطرف الأخر, فإيران سعت بان تكون الفتوى فخا لأمريكا, وكذا الحال بالنسبة لأمريكا, ومن يقف خلف مرجعية السيستاني جعل من هذه الفتوى فخا لأهل السنة في العراق, والشيعة وقعوا في هذا الفخ كضحية وليس هدف مقصود.
فإيران من خلال فتوى الجهاد هذه أرادت أن تدخل العراق وتصفي حسابها مع الأمريكان, بحيث تستهدف التواجد الأمريكي في العراق تحت حجة وذريعة الجهاد ضد داعش, ومن قبلهم أهل السنة وأخذ ثارات حرب الثمانينات, بالإضافة إلى تثبيت تواجدها في العراق وجعله عاصمة لإمبراطوريتها, وهذا بحد ذاته هو – حسب رأي إيران – القضاء على التواجد الأمريكي في العراق بعد أن تبسط سيطرتها عليه, فاستخدمت الفتوى الجهادية كغطاء لهذا الفخ.
لكن أمريكا في الوقت ذاته استخدمت هذه الفتوى كفخ نصبته لإيران في العراق, فهذه الفتوى قد أعطت إيران الذريعة لدخول العراق وبكل قوة وبشكل جعلها تستنزف الكثير الكثير من الجهد البشري والعسكري بالإضافة إلى الاستنزاف المالي الذي اثر وبشكل ملحوظ على اقتصادها المنهار, كما إن أمريكا أظهرت للعالم مدى العجز الإيراني الاستخباراتي و العسكري في القتال خصوصا في معركة تكريت التي عجزت فيها كل القوة الإيرانية وما يدعمها من مليشيات من تخطي أسوار هذه المدينة إلا بعد طلب العون من أمريكا, وبهذا استفادت أمريكا من هذه الفتوى.
أما بالنسبة لأهل السنة في العراق, فقد وقعوا في فخ فتوى الجهاد, لان أغلبيتهم كانوا معارضين لحكومة المالكي بسبب ظلمها وطغيانها وإجحافها بحقهم, حتى اضطر بعضهم لحمل السلاح ضد حكومة المالكي بعدما سلبتهم كل مقومات الحياة, فاستغل الدواعش هذه الثورة, وبعد دخلوهم – أي تنظيم داعش - وركوبهم موجة الثورة صدرت فتوى الجهاد ضد كل من حمل السلاح ضد الحكومة, خصوصا إن الفتوى لم تصدر في زمن كان فيه الدواعش متواجدين في العراق لكن بصورة غير نشطة وإنما صدرت بعد أن أعلن أغلبية أهل السنة الثورة ضد حكومة الظلم والطغيان المالكية وبهذا أصبح الجميع هدف لهذه الفتوى وبالتالي أصبح الجميع هم من الدواعش في نظر الشعب العراقي, وأصبح قتلهم والتمثيل والتنكيل بهم وسرقة ممتلكاتهم واستباحة أعراضهم أمر لا يعترض عليه احد لأنهم دواعش !!!, وما نراه اليوم من معارضة المحافظات الجنوبية والوسطى لدخول النازحين من أهالي الانبار بحجة إنهم دواعش ما هو إلا خير دليل على ذلك, وهذا بفضل فتوى الجهاد, الفخ الأخر الذي وقع فيه أهل السنة بسبب هذه الفتوى هو زرع الفتنة بينهم, فهذا معارض للفتوى وذاك مؤيد لها, والكل يعرق من هو المؤيد ومن هو المعارض.
أما الشيعة في العراق فهم من اكبر الخاسرين بسبب هذه الفتوى, لان الفتوى صدرت ليس من اجل العقيدة والمذهب والاضرحة والمقدسات كما يزعم من يروج للفتوى, بل صدرت من اجل الحفاظ على المنصب والمكانة والأموال التي تستحوذ عليها مؤسسة النجف, لان تنظيم داعش كان قبل سقوط الموصل متواجدا في العراق في الانبار وبالتحديد في وادي حوران وكذلك في ديالى وبقية المحافظات لكن بشكل غير نشط كما هو عليه اليوم, وكان يذهب يوميا العشرات من الناس الأبرياء ومن الجيش والشرطة ضحية لعملياته الإرهابية, ولم تصدر فتوى جهاد ضده ولم يتكلم احد من المؤسسة الدينية إزاء ذلك الأمر, لكن بعدما صرح التنظيم بأنه يستهدف كربلاء والنجف وهما المحافظتين التي تمثلان قمة الهرم صدرت فتوى الجهاد, خوفا وحفاظا على مكانة من يتربع على عرش السلطة هناك, فصدرت الفتوى من اجل الحفاظ على من يملك الأموال ويرسلها إلى مؤسساته في لندن, فراح شيعة العراق ضحية لمطامع ومكاسب نفعية ضيقة.
وما كلام المرجع العراقي العربي السيد الصرخي الحسني حول فتوى الجهاد التي أطلقها السيستاني ما هو إلا تشخيصا حقيقيا ودقيقا لفحوى وهدف تلك الفتوى ... إذ يقول سماحته في رد له على سؤال لصحيفة الشرق الأوسط في حوار أجرته معه بتاريخ 18 / 4 / 2015م ....
{ ...فتوى السيستاني بالجهاد فخ وقع فيه ويقع فيه الجميع، وقع فيه الغرب والشرق، وقع فيه صدام وغيره من الحكام ...}.
فهذه هي حقيقة الفتوى الجهادية, هي عبارة عن فخ نصبه الجميع للجميع ووقع فيه الجميع.
بقلم :: احمد الملا
التعليقات (0)